[4/222] الْمُؤْتَلِفُ وَالْمُخْتَلِفُ
( وَاعْنَ ) ; أَيِ : اجْعَلْ أَيُّهَا الطَّالِبُ مِنْ عِنَايَتِكَ الِاهْتِمَامَ ( بِـ ) مَعْرِفَةِ ( مَا صُورَتُهُ ) مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالْأَنْسَابِ وَالْأَلْقَابِ وَنَحْوِهَا ( مُؤْتَلِفُ خَطًّا ) ; أَيْ : مُتَّفِقٌ فِي الْخَطِّ ، ( وَلَكِنْ لَفْظُهُ مُخْتَلِفُ ) ، فَهُوَ فَنٌّ وَاسِعٌ مِنْ فُنُونِ الْحَدِيثِ الْمُهِمَّةِ ، الَّذِي يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي دَفْعِ مَعَرَّةِ التَّصْحِيفِ ، وَيَفْتَضِحُ الْعَاطِلُ مِنْهُ ; حَيْثُ لَمْ يَعْدَمْ مَخْجَلًا ، وَيَكْثُرُ عِثَارُهُ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ : أَشَدُّ التَّصْحِيفِ مَا يَقَعُ فِي الْأَسْمَاءِ ، وَوَجَّهَهُ بَعْضُهُمْ - كَمَا تَقَدَّمَ فِي ضَبْطِ الْحَدِيثِ - بِأَنَّهُ شَيْءٌ لَا يَدْخُلُهُ الْقِيَاسُ ، وَلَا قَبْلَهُ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَا بَعْدَهُ
.
وَالتَّصَانِيفُ فِيهِ كَثِيرَةٌ ، فَصَنَّفَ فِيهِ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ ، لَكِنَّهُ أَضَافَهُ إِلَى كِتَابِ التَّصْحِيفِ لَهُ ، ثُمَّ أَفْرَدَهُ بِالتَّأْلِيفِ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ ; وَلِذَا كَانَ أَوَّلَ مَنْ صَنَّفَ فِيهِ ، وَلَهُ فِيهِ كِتَابَانِ : [4/223] أَحَدُهُمَا : فِي مُشْتَبِهِ الْأَسْمَاءِ ، وَالْآخَرُ : فِي مُشْتَبِهِ الْأَنْسَابِ ، ثُمَّ شَيْخُهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ، وَهُوَ حَافِلٌ ، وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِمَا الْخَطِيبُ فِي ذَيْلٍ مُفْرَدٍ ، وَجَمَعَهَا مَعَ زِيَادَاتٍ الْأَمِيرُ أَبُو نَصْرِ ابْنُ مَاكُولَا ، بِحَيْثُ كَانَ كِتَابُهُ ـ وَهُوَ فِي مُجَلَّدَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي آدَابِ طَالِبِ الْحَدِيثِ ـ أَكْمَلَ التَّصَانِيفِ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ قَبْلَهُ ، وَكِتَابُهُ فِي ذَلِكَ عُمْدَةُ كُلِّ مُحَدِّثٍ بَعْدَهُ ، بَلْ وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابٍ آخَرَ جَمَعَ فِيهِ أَوْهَامَهُمْ وَبَيَّنَهَا ، وَقَدْ ذَيَّلَ عَلَيْهِ مَا فَاتَهُ أَوْ تَجَدَّدَ بَعْدَهُ الْمُعِينُ أَبُو بَكْرِ ابْنُ نُقْطَةَ بِذَيْلٍ مُفِيدٍ فِي قَدْرِ ثُلُثَيِ الْأَصْلِ .
[4/224] ثُمَّ ذَيَّلَ عَلَى ابْنِ نُقْطَةَ كُلٌّ مِنَ الْجَمَّالِ أَبِي حَامِدِ ابْنِ الصَّابُونِيِّ ، وَمَنْصُورِ بْنِ سَلِيمٍ بِالْفَتْحِ ، وَثَانِيهِمَا أَكْبَرُهُمَا ، وَتَوَارَدَا فِي بَعْضِ مَا ذَكَرَاهُ ، وَكَذَا ذَيَّلَ عَلَى ابْنِ نُقْطَةَ الْعَلَاءُ مُغْلَطَايْ جَامِعًا بَيْنَ الذَّيْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مَعَ زِيَادَاتٍ مِنْ أَسْمَاءِ الشُّعَرَاءِ وَأَنْسَابِ الْعَرَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَلَكِنْ فِيهِ أَوْهَامٌ وَتَكْرِيرٌ ، حَيْثُ يَذْكُرُ مَا هُوَ صَالِحٌ لِإِدْخَالِهِ فِي الْبَاءِ وَالتَّاءِ والسِّينِ وَالشِّينِ مَثَلًا فِي أَحَدِهِمَا ، وَيَكُونُ مَنْ قَبْلَهُ ذَكَرَهُ فِي الْآخَرِ ، وَمِمَّنْ ذَيَّلَ عَلَى عَبْدِ الْغَنِيِّ ، الْمُسْتَغْفِرِيُّ ، وَصَنَّفَ فِيهِ أَيْضًا الْآمِدِيُّ وَأَبُو الْفَضْلِ ابْنُ نَاصِرٍ ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ ابْنُ الْفُوطِيِّ ، فِيمَا أَفَادَهُ ابْنُ الْجَزَرِيِّ ، وَقَالَ : إِنَّهُ أَجْمَعُهَا .
وَأَبُو الْعَلَاءِ مَحْمُودٌ الْفَرَضِيُّ الْبُخَارِيُّ وَلِتِلْمِيذِهِ ابْنِ رَافِعٍ عَلَيْهِ ذَيْلٌ فِي أَوْرَاقٍ يَسِيرَةٍ [4/225] لَا يُرَدُّ أَكْثَرُهُ ، وَكَذَا لِأَبِي سَعْدٍ الْمَالِينِيِّ الْمُؤْتَلِفُ وَالْمُخْتَلِفُ ، لَكِنْ فِي الْأَنْسَابِ خَاصَّةً ، وَلِلزَّمَخْشَرِيِّ ( الْمُشْتَبِهُ ) ، وَلِلذَّهَبِيِّ مُخْتَصَرٌ جِدًّا جَامِعٌ لَخَّصَهُ مِنْ عَبْدِ الْغَنِيِّ وَابْنِ مَاكُولَا ، وَابْنِ نُقْطَةَ وَشَيْخِهِ الْفَرَضِيِّ ، وَلَكِنَّهُ أَجْحَفَ فِي الِاخْتِصَارِ ، بِحَيْثُ لَمْ يَسْتَوْعِبْ [4/226] غَالِبًا أَحَدَ الْقِسْمَيْنِ مَثَلًا ، بَلْ يَذْكُرُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا جَمَاعَةً ثُمَّ يَقُولُ : وَغَيْرُهُمْ . فَيَصِيرُ مَنْ يَقَعُ لَهُ رَاوٍ مِمَّنْ لَمْ يُذْكَرْ ، فِي حَيْرَةٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي بِأَيِ الْقِسْمَيْنِ يَلْتَحِقُ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ ، وَاكْتَفَى فِيهِ بِضَبْطِ الْقَلَمِ ، فَلَا يَعْتَمِدُ لِذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِهِ ، وَصَارَ كِتَابُهُ لِذَلِكَ مُبَاينًا لِمَوْضُوعِهِ ; لِعَدَمِ الْأَمْنِ مِنَ التَّصْحِيفِ فِيهِ ، وَفَاتَهُ مِنْ أُصُولِهِ أَشْيَاءُ ، وَقَدِ اخْتَصَرَهُ شَيْخُنَا فَضَبَطَهُ بِالْحُرُوفِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَرْضِيَّةِ ، وَزَادَ مَا يُتَعَجَّبُ مِنْ كَثْرَتِهِ مَعَ شِدَّةِ تَحْرِيرِهِ وَاخْتِصَارِهِ ; فَإِنَّهُ فِي مُجَلَّدٍ وَاحِدٍ ، وَمَيَّزَ فِي كُلِّ حَرْفٍ مِنْهُ الْأَسْمَاءَ عَنِ الْأَنْسَابِ ، وَهُوَ فِيمَا أَخَذْتُهُ عَنْهُ وَحَقَّقْتُ فِيهِ مَوَاضِعُ نَافِعَةٌ ، وَقَدْ كَانَ شَيْخُهُ الْمُصَنِّفُ اجْتَمَعَ لَهُ مِنَ الزِّيَادَاتِ فِي هَذَا النَّوْعِ جُمْلَةٌ كَثِيرَةٌ ، بِحَيْثُ عَزَمَ عَلَى إِفْرَادِ تَصْنِيفٍ فِيهِ فَمَا تَيَسَّرَ ، نَعَمْ لِحَافِظِ الشَّامِ ابْنِ نَاصِرِ الدِّينِ عَصْرِيِّ شَيْخِنَا مُصَنَّفٌ حَافِلٌ مَبْسُوطٌ فِي تَوْضِيحِ الْمُشْتَبِهِ ، وَجَرَّدَ مِنْهُ الْإعْلَامَ بِمَا وَقَعَ فِي مُشْتَبِهِ الذَّهَبِيِّ مِنَ الْأَوْهَامِ