أَوْ إِنْ كانتِ المُخالفةُ بتَغْييرِ حرفٍ أَو حُروفٍ مَعَ بَقاءِ صورةِ الخَطِّ في السِّياقِ . فإِنْ كانَ ذلك بالنِّسبةِ إِلى النَّقْطِ فالمُصَحَّفُ . وَإِنْ كانَ بالنِّسبةِ إلى الشَّكْلِ فالمُحَرَّفُ . ومعرفةُ هذا النَّوعِ مُهمَّةٌ ، وقد صنَّف فيهِ : العَسْكَريُّ ، والدَّارَقُطنِيُّ ، [1/97] وغيرُهما ، وأَكثرُ ما يقعُ في المُتونِ ، وقد يقعُ في الأسماءِ الَّتي في الأسانيدِ . ولا يَجُوزُ تَعَمُّدُ تَغْييرِ صورَةِ المَتْنِ مُطلقًا ، ولا الاختصارُ منه ُ بالنَّقْصِ ولا إِبْدالُ اللَّفْظِ المُرادِفِ باللَّفْظِ المُرادِفِ لهُ ؛ إِلَّا لِعالمٍِ بمَدْلولاتِ الألْفاظِ ، وبِما يُحيلُ المَعاني على الصَّحيحِ في المسأَلَتَيْنِ . أَمَّا اخْتِصارُ الحَديثِ : فالأكْثَرونَ على جَوازِهِ بِشرطِ أَنْ يكونَ الَّذي يختَصِرُهُ عالِمًا ؛ لأنَّ العالِمَ لا يَنْقُصُ مِن الحديثِ إِلَّا ما لا تعلُّقَ لهُ بما يُبْقيهِ منهُ ؛ بحيثُ لا تختِلفُ الدِّلالةُ ، ولا يختَلُّ البَيانُ ، حتَّى يكونَ المَذكورُ والمَحذوفُ بمنزِلَةِ خَبَرينِ ، أَو يَدُلُّ ما ذَكَرَهُ على ما حَذَفَهُ ؛ بخِلافِ الجاهِلِ ، فإِنَّهُ قد يَنْقُصُ ما لَهُ تعلُّقٌ كتَرْكِ الاستِثناءِ . وأَمَّا الرواية بالمعنى : فالخِلافُ فيها شَهيرٌ ، والأكثرُ على الجَوازِ أَيضًا ، ومِن أَقوى حُججهِم الإِجماعُ على جوازِ شرحِ الشَّريعةِ للعَجَمِ بلسانِهِم للعارِفِ بهِ ، فإِذا جازَ الإِبدالُ بلُغةٍ أُخرى فجوازُهُ باللُّغةِ العربيَّةِ أَولى . وقيلَ : إِنَّما تَجوزُ في المُفْرَداتِ دونَ المُرَكَّباتِ وقيلَ : إِنَّما تجُوزُ لمَن يستَحْضِرُ اللَّفْظَ ليتَمَكَّنَ مِن التَّصرُّفِ فيه . وقيلَ : إِنَّما تَجوزُ لمَن كانَ يحفَظُ الحَديثَ فنَسِيَ لفظَهُ ، وبقيَ معناهُ مُرْتَسمًا في ذِهنِه ، فلهُ أَنْ يروِيَهُ بالمعنى لمصلَحَةِ تحصيلِ الحُكْمِ منهُ ؛ بخِلافِ مَن كانَ مُسْتَحْضِرًا لِلَفْظِهِ . وجَميعُ ما تقدَّمَ يتعلَّقُ بالجَوازِ وعَدَمِه ، ولا شكَّ أَنَّ الأوْلى إِيرادُ الحَديثِ بأَلفاظِهِ دُونَ التَّصرُّفِ فيهِ . قالَ القاضي عِياضٌ : يَنْبَغِي سَدُّ بابِ الرِّوايةِ بالمَعْنَى لئلاَّ يتَسَلَّطَ مَن [1/98] لاَ يُحْسِنُ ممَّن يظنُّ أَنّهُ يُحْسِنُ كما وقَعَ لِكثيرٍ مِن الرُّواةِ قديمًا وحَديثًا ، واللهُ المُوَفِّقُ . فإِنْ خَفِيَ المَعْنَى بأَنْ كانَ اللَّفْظُ مستَعْمَلًا بقلَّةٍ احْتيجَ إِلى الكُتُبِ المصنَّفَةِ في شَرْحِ الغَريبِ . ككتابِ أَبي عُبَيْدٍ الله القاسِمِ بنِ سلامٍ ، وهو غيرُ مرتَّبٍ ، وقد رتَّبَهُ الشيخُ مُوفَّقُ الدِّينِ ابنُ قُدامَة على الحُروفِ وأَجْمَعُ منهُ كتابُ أَبي عُبيدٍ الهَرَوِيِّ ، وقد اعتَنَى بهِ الحافظُ أَبو موسى المَدينِيُّ فنَقَّبَ عليهِ [1/99] واسْتَدْرَكَ ، وللزَّمَخْشَرِيِّ كتابٌ اسمُهُ الفائِقُ حسنُ التَّرتيبِ ، ثمَّ جَمَعَ الجَميعَ ابنُ الأثيرِ في النِّهايةِ ، وكتابُهُ أَسهَلُ الكُتُبِ تناوُلًا ، مع إِعواز قليلٍ فيهِ . وإِنْ كانَ اللَّفْظُ مُستَعْملًا بكثرةٍ ، لكنَّ في مَدلُولِهِ دِقَّةً احْتِيجَ إلى الكُتُبِ المُصنَّفَةِ في شَرْحِ معاني الأخْبارِ وبيانِ المُشْكِلِ منها . وقد أَكثرَ الأئمَّةُ مِن التَّصانيفِ في ذلك كالطَّحاويِّ والخَطَّابيِّ وابنِ عبدِ البَرِّ وغيرِهم .
|