النَّوْعُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ : مَعْرِفَةُ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ
مِثَالُهُ‏ : مَا رُوِيَ عَنْ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ‏ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ : حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا إِدْرِيسَ يَقُولُ‏ : سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا [1/287] مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : " لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا‏ " . ‏

فَذِكْرُ سُفْيَانَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ زِيَادَةٌ وَوَهْمٌ ، وَهَكَذَا ذِكْرُ أَبِي إِدْرِيسَ‏ . أَمَّا الْوَهْمُ فِي ذِكْرِ سُفْيَانَ‏ فَمِمَّنْ دُونَ ابْنِ الْمُبَارَكِ ، لِأَنَّ جَمَاعَةً ثِقَاتٍ رَوَوْهُ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنِ ابْنِ جَابِرٍ نَفْسِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَرَّحَ فِيهِ بِلَفْظِ الْإِخْبَارِ بَيْنَهُمَا‏ . ‏
وَأَمَّا ذِكْرُ أَبِي إِدْرِيسَ فِيهِ‏ : فَابْنُ الْمُبَارَكِ مَنْسُوبٌ فِيهِ إِلَى الْوَهْمِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الثِّقَاتِ رَوَوْهُ عَنِ ابْنِ جَابِرٍ ، فَلَمْ يَذْكُرُوا أَبَا إِدْرِيسَ بَيْنَ بُسْرٍ وَوَاثِلَةَ‏ ، وَفِيهِمْ مَنْ صَرَّحَ فِيهِ بِسَمَاعِ بُسْرٍ مِنْ وَاثِلَةَ‏ . ‏
قَالَ ‏أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ‏ : " يرَوْنَ أَنَّ ‏ابْنَ الْمُبَارَكِ‏ وَهِمَ فِي هَذَا ، قَالَ : وَكَثِيرًا مَا يُحَدِّثُ بُسْرٌ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ ، فَغَلِطَ ابْنُ الْمُبَارَكِ ، وَظَنَّ أَنَّ هَذَا مِمَّا رَوَى عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ وَاثِلَةَ ، وَقَدْ سَمِعَ هَذَا بُسْرٌ مِنْ وَاثِلَةَ نَفْسِهِ‏ . ‏
قُلْتُ‏ : قَدْ أَلَّفَ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ فِي هَذَا النَّوْعِ كِتَابًا سَمَّاهُ " كِتَابُ تَمْيِيزِ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ‏ " ، وَفِي كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرَهُ نَظَرٌ ، لِأَنَّ الْإِسْنَادَ الْخَالِيَ عَنِ الرَّاوِي الزَّائِدِ‏ إِنْ كَانَ بِلَفْظَةِ " ‏عَنْ‏ " فِي ذَلِكَ [1/288] فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِإِرْسَالِهِ ، وَيُجْعَلَ مُعَلَّلًا بِالْإِسْنَادِ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ الزَّائِدُ ، لِمَا عُرِفَ فِي نَوْعِ الْمُعَلَّلِ ، وَكَمَا يَأْتِي ذِكْرُهُ إِنْ - شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي النَّوْعِ الَّذِي يَلِيهِ‏ . ‏ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالسَّمَاعِ أَوْ بِالْإِخْبَارِ ، كَمَا فِي الْمِثَالِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ ، فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ رَجُلٍ عَنْهُ ، ثُمَّ سَمِعَهُ مِنْهُ نَفْسُهُ ، فَيَكُونُ بُسْرٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ وَاثِلَةَ ، ثُمَّ لَقِيَ وَاثِلَةَ فَسَمِعَهُ مِنْهُ كَمَا جَاءَ مِثْلُهُ مُصَرَّحًا بِهِ فِي غَيْرِ هَذَا . ‏
اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُوجَدَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ وَهْمًا ، كَنَحْوِ مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ‏ . وَأَيْضًا فَالظَّاهِرُ مِمَّنْ وَقَعَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ أَنْ يَذْكُرَ السَّمَاعَيْنِ ، فَإِذَا لَمْ يَجِئْ عَنْهُ ذِكْرُ ذَلِكَ حَمَلْنَاهُ عَلَى الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏ . ‏