النَّوْعُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ : مَعْرِفَةُ الْأَكَابِرِ الرُّوَاةِ عَنِ الْأَصَاغِرِ وَمِنَ الْفَائِدَةِ فِيهِ أَنْ لَا يُتَوَهَّمَ كَوْنُ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ أَكْبَرَ وَأَفْضَلَ مِنَ الرَّاوِي ، نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْأَغْلَبَ كَوْنُ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ كَذَلِكَ ، فَيُجْهَلُ بِذَلِكَ مَنْزِلَتُهُمَا . وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ " . ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى أَضْرُبٍ : مِنْهَا : أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي أَكْبَرَ سِنًّا وَأَقْدَمَ طَبَقَةً مِنَ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ ، كَالزُّهْرِيِّ ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ ، فِي رِوَايَتِهِمَا عَنْ مَالِكٍ ، وَكَأَبِي الْقَاسِمِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَزْهَرِيِّ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ، أَحَدِ شُيُوخِ [1/308] الْخَطِيبِ ، رَوَى عَنِ الْخَطِيبِ فِي بَعْضِ تَصَانِيفِهِ ، وَالْخَطِيبُ إِذْ ذَاكَ فِي عُنْفُوَانِ شَبَابِهِ وَطَلَبِهِ . وَمِنْهَا : أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي أَكْبَرَ قَدْرًا مِنَ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ ، بِأَنْ يَكُونَ حَافِظًا عَالِمًا ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْهُ شَيْخًا رَاوِيًا فَحَسْبُ ، كَمَالِكٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهَ فِي رِوَايَتِهِمَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى ، فِي أَشْبَاهٍ لِذَلِكَ كَثِيرَةٍ . وَمِنْهَا : أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي أَكْبَرَ مِنَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ، وَذَلِكَ كَرِوَايَةِ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْحُفَّاظِ عَنْ أَصْحَابِهِمْ وَتَلَامِذَتِهِمْ ، كَعَبْدِ الْغَنِيِّ الْحَافِظِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الصُّورِيِّ ، وَكَرِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْبَرْقَانِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْخَطِيبِ ، وَكَرِوَايَةِ الْخَطِيبِ عَنْ أَبِي نَصْرِ بْنِ مَاكُولَا ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ . وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذَا النَّوْعِ مَا يُذْكَرُ مِنْ رِوَايَةِ الصَّحَابِيِّ عَنِ التَّابِعِيِّ كَرِوَايَةِ الْعَبَادِلَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ . وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ التَّابِعِيِّ عَنْ تَابِعِ التَّابِعِيِّ ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ وَالْأَنْصَارِيِّ عَنْ مَالِكٍ ، وَكَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لَمْ يَكُنْ مِنَ التَّابِعِينَ ، وَرَوَى عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ نَفْسًا مِنَ التَّابِعِينَ ، جَمَعَهُمْ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْحَافِظُ فِي كُتَيِّبٍ لَهُ . وَقَرَأْتُ بِخَطِّ الْحَافِظِ أَبِي مُحَمَّدٍ الطَّبَسِيِّ فِي تَخْرِيجٍ لَهُ [1/309] قَالَ : " عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ لَيْسَ بِتَابِعِيٍّ ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ نَيِّفٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا مِنَ التَّابِعِينَ " ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
|