3940 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ ، قَالَ : ثَنَا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ . ( ح ) .
3941 - وَحَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، قَالَا : ثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، وَعَبْدِ اللهِ ، قَالَا : ( الْقَارِنُ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ ، وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ ) .
فَهَذَا عَلِيٌّ وَعَبْدُ اللهِ قَدْ ذَهَبَا فِي طَوَافِ الْقَارِنِ إِلَى خِلَافِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا .
وَأَمَّا وَجْهُ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ ، فَإِنَّا رَأَيْنَا الرَّجُلَ إِذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِمَا فِيهَا مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ ، وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ فِي انْتِهَاكِ مَا قَدْ حُرِّمَ عَلَيْهِ بِإِحْرَامِهِ بِهَا مِنَ الْكَفَّارَاتِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ .
وَكَذَلِكَ إِذَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ أَيْضًا بِمَا فِيهَا مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ فِي انْتِهَاكِ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ بِإِحْرَامِهِ بِهَا مِنَ الْكَفَّارَاتِ ، مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ .
[2/206] وَكَانَ إِذَا جَمَعَهُمَا ، فَكُلٌّ قَدْ أَجْمَعَ أَنَّهُ فِي حُرْمَتَيْنِ : حُرْمَةِ حَجٍّ ، وَحُرْمَةِ عُمْرَةٍ .
فَكَانَ يَجِيءُ فِي النَّظَرِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْكَفَّارَاتِ ، فِي انْتِهَاكِ الْحُرُمِ ، الَّتِي حُرِّمَتْ عَلَيْهِ فِيهَا ، مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ لَهَا ، لَوْ أَفْرَدَهَا .
فَأُدْخِلَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، فَقِيلَ : فَقَدْ رَأَيْنَا الْحَلَالَ يُصِيبُ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ ، لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ ، وَرَأَيْنَا الْمُحْرِمَ يُصِيبُ صَيْدًا فِي الْحِلِّ ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ لِحُرْمَةِ الْحَرَامِ .
وَرَأَيْنَا الْمُحْرِمَ إِذَا أَصَابَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ وَجَبَ عَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ ، لِحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ ، وَدَخَلَ فِيهِ حُرْمَةُ الْجَزَاءِ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ .
وَهُوَ فِي وَقْتِ مَا أَصَابَ ذَلِكَ الصَّيْدَ فِي حُرْمَتَيْنِ : فِي حُرْمَةِ إِحْرَامٍ ، وَحُرْمَةِ حُرُمٍ ، فَلِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحُرْمَتَيْنِ مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ لَهَا لَوْ أَفْرَدَهَا .
قَالُوا : فَكَذَلِكَ الْقَارِنُ ، فِيمَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ عُمْرَتِهِ وَحَجَّتِهِ لَوْ أَفْرَدَهَا ، لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لَمَّا جَمَعَهُمَا إِلَّا مِثْلُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي إِحَدَيْهِمَا ، وَيَدْخُلُ مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ لِلْأُخْرَى ، لَوْ كَانَتْ مُفْرَدَةً فِي ذَلِكَ .
قِيلَ لَهُ : إِنَّكُمْ لَمْ تَقْطَعُوا أَنَّ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ .
وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَأَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمُ اللهُ : إِنَّ الْقِيَاسَ كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ ، أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءَانِ : جَزَاءٌ لِحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ ، وَجَزَاءٌ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ ، وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا خَالَفُوا ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا .
وَلَكِنَّا لَا نَقُولُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالُوا ، بَلِ الْقِيَاسُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرُوا أَنَّهُمُ اسْتَحْسَنُوهُ .
وَذَلِكَ أَنَّا رَأَيْنَا الْأَصْلَ الْمُجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ ، وَلَا يَجْمَعَ بَيْنَ حَجَّتَيْنِ ، وَلَا بَيْنَ عُمْرَتَيْنِ .
فَكَانَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ بَيْنَ شَكْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، فَيَدْخُلَ بِذَلِكَ فِيهِمَا ، وَلَا يَجْمَعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ .
فَلَمَّا كَانَ مَا ذَكَرْنَا كَذَلِكَ ، كَانَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ أَيْضًا بِأَدَائِهِ جَزَاءً وَاحِدًا ، مَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِحُرْمَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ ، وَهُمَا حُرْمَةُ الْحَرَمِ الَّتِي لَا يُجْزِئُ فِيهَا الصَّوْمُ ، وَحُرْمَةُ الْإِحْرَامِ الَّتِي يُجْزِئُ فِيهَا الصَّوْمُ ، وَيَكُونُ بِذَلِكَ الْجَزَاءِ الْوَاحِدِ مُؤَدِّيًا ، عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِمَا .
فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بِأَدَائِهِ جَزَاءً وَاحِدًا ، عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي انْتِهَاكِ حُرْمَتَيْنِ مُؤْتَلِفَتَيْنِ مِنْ شَكْلٍ وَاحِدٍ ، وَهُمَا حُرْمَةُ الْعُمْرَةِ ، وَحُرْمَةُ الْحَجِّ .
كَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ فِي حُرْمَةِ شَيْئَيْنِ مُؤْتَلِفَيْنِ .
وَلَمَّا كَانَ مَا ذَكَرْنَا أَيْضًا كَذَلِكَ ، وَكَانَ الطَّوَافُ لِلْحَجَّةِ ، وَالطَّوَافُ لِلْعُمْرَةِ مِنْ شَكْلٍ وَاحِدٍ ، لَمْ يَكُنْ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ دَاخِلًا فِيهِمَا ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الطَّوَافُ مُجْزِئًا عَنْهُمَا ، وَاحْتَاجَ أَنْ يَدْخُلَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دُخُولًا ، [2/207] عَلَى حِدَةٍ ، قِيَاسًا وَنَظَرًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِمَّا يَجْمَعُهُ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ ، مِنَ الْحَجَّةِ وَالْعُمْرَةِ الْمُخْتَلِفَيْنِ ، وَمِمَّا ذَكَرْنَا مِمَّا لَا يَجْمَعُهُ مِنَ الْحَجَّتَيْنِ الْمُؤْتَلِفَتَيْنِ ، وَالْعُمْرَتَيْنِ الْمُؤْتَلِفَتَيْنِ .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَقَدْ رَأَيْنَاهُ يَحِلُّ مِنْ حَجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ بِحَلْقٍ وَاحِدٍ ، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ ، فَكَذَلِكَ أَيْضًا يَطُوفُ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا ، وَيَسْعَى لَهُمَا سَعْيًا وَاحِدًا ، لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ .
قِيلَ لَهُ : قَدْ رَأَيْنَاهُ يَحِلُّ بِحَلْقٍ وَاحِدٍ مِنْ إِحْرَامَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، لَا يُجْزِيهِ فِيهِمَا إِلَّا طَوَافَانِ مُخْتَلِفَانِ .
وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ، فَطَافَ لَهَا وَسَعَى ، وَسَاقَ الْهَدْيَ ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ، فَصَارَ بِذَلِكَ مُتَمَتِّعًا ، أَنَّهُ كَانَ حُكْمُهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ يَحْلِقَ حَلْقًا وَاحِدًا ، فَيَحِلَّ بِذَلِكَ مِنْهُمَا جَمِيعًا .
فَكَانَ يَحِلُّ بِحَلْقٍ وَاحِدٍ مِنْ إِحْرَامَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، قَدْ كَانَ دَخَلَ فِيهِمَا دُخُولًا مُتَفَرِّقًا .
وَلَمْ يَكُنْ مَا وَجَبَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْحَلْقِ ، مُوجِبًا أَنَّ حُكْمَ الطَّوَافِ لَهُمَا كَانَ كَذَلِكَ ، وَأَنَّهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ ، بَلْ هُوَ طَوَافَانِ .
فَكَذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ حَلْقِ الْقَارِنِ لِعُمْرَتِهِ وَحَجَّتِهِ حَلْقًا وَاحِدًا ، لَا يَجِبُ بِهِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ لِحُكْمِ طَوَافِهِ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا .
وَلَمَّا كَانَ قَدْ يَحِلُّ فِي الْإِحْرَامَيْنِ اللَّذَيْنِ قَدْ دَخَلَ فِيهِمَا دُخُولًا مُتَفَرِّقًا ، بِحَلْقٍ وَاحِدٍ ، كَانَ فِي الْإِحْرَامَيْنِ اللَّذَيْنِ قَدْ دَخَلَ فِيهِمَا دُخُولًا وَاحِدًا ، أَحْرَى أَنْ يَحِلَّ مِنْهُمَا كَذَلِكَ .
فَهَذَا هُوَ النَّظَرُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَبْدِ اللهِ مِنْ وُجُوبِ الطَّوَافِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجَّةِ ، وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ النَّظَرِ عَلَى ذَلِكَ ، مِنْ وُجُوبِ الْجَزَاءِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِمَا .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ ، رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى
.

3940 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ ، قَالَ : ثَنَا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ . ( ح ) .
3941 - وَحَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، قَالَا : ثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، وَعَبْدِ اللهِ ، قَالَا : ( الْقَارِنُ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ ، وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ ) .
فَهَذَا عَلِيٌّ وَعَبْدُ اللهِ قَدْ ذَهَبَا فِي طَوَافِ الْقَارِنِ إِلَى خِلَافِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا .
وَأَمَّا وَجْهُ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ ، فَإِنَّا رَأَيْنَا الرَّجُلَ إِذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِمَا فِيهَا مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ ، وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ فِي انْتِهَاكِ مَا قَدْ حُرِّمَ عَلَيْهِ بِإِحْرَامِهِ بِهَا مِنَ الْكَفَّارَاتِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ .
وَكَذَلِكَ إِذَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ أَيْضًا بِمَا فِيهَا مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ فِي انْتِهَاكِ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ بِإِحْرَامِهِ بِهَا مِنَ الْكَفَّارَاتِ ، مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ .
[2/206] وَكَانَ إِذَا جَمَعَهُمَا ، فَكُلٌّ قَدْ أَجْمَعَ أَنَّهُ فِي حُرْمَتَيْنِ : حُرْمَةِ حَجٍّ ، وَحُرْمَةِ عُمْرَةٍ .
فَكَانَ يَجِيءُ فِي النَّظَرِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْكَفَّارَاتِ ، فِي انْتِهَاكِ الْحُرُمِ ، الَّتِي حُرِّمَتْ عَلَيْهِ فِيهَا ، مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ لَهَا ، لَوْ أَفْرَدَهَا .
فَأُدْخِلَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، فَقِيلَ : فَقَدْ رَأَيْنَا الْحَلَالَ يُصِيبُ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ ، لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ ، وَرَأَيْنَا الْمُحْرِمَ يُصِيبُ صَيْدًا فِي الْحِلِّ ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ لِحُرْمَةِ الْحَرَامِ .
وَرَأَيْنَا الْمُحْرِمَ إِذَا أَصَابَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ وَجَبَ عَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ ، لِحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ ، وَدَخَلَ فِيهِ حُرْمَةُ الْجَزَاءِ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ .
وَهُوَ فِي وَقْتِ مَا أَصَابَ ذَلِكَ الصَّيْدَ فِي حُرْمَتَيْنِ : فِي حُرْمَةِ إِحْرَامٍ ، وَحُرْمَةِ حُرُمٍ ، فَلِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحُرْمَتَيْنِ مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ لَهَا لَوْ أَفْرَدَهَا .
قَالُوا : فَكَذَلِكَ الْقَارِنُ ، فِيمَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ عُمْرَتِهِ وَحَجَّتِهِ لَوْ أَفْرَدَهَا ، لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لَمَّا جَمَعَهُمَا إِلَّا مِثْلُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي إِحَدَيْهِمَا ، وَيَدْخُلُ مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ لِلْأُخْرَى ، لَوْ كَانَتْ مُفْرَدَةً فِي ذَلِكَ .
قِيلَ لَهُ : إِنَّكُمْ لَمْ تَقْطَعُوا أَنَّ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ .
وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَأَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمُ اللهُ : إِنَّ الْقِيَاسَ كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ ، أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءَانِ : جَزَاءٌ لِحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ ، وَجَزَاءٌ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ ، وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا خَالَفُوا ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا .
وَلَكِنَّا لَا نَقُولُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالُوا ، بَلِ الْقِيَاسُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرُوا أَنَّهُمُ اسْتَحْسَنُوهُ .
وَذَلِكَ أَنَّا رَأَيْنَا الْأَصْلَ الْمُجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ ، وَلَا يَجْمَعَ بَيْنَ حَجَّتَيْنِ ، وَلَا بَيْنَ عُمْرَتَيْنِ .
فَكَانَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ بَيْنَ شَكْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، فَيَدْخُلَ بِذَلِكَ فِيهِمَا ، وَلَا يَجْمَعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ .
فَلَمَّا كَانَ مَا ذَكَرْنَا كَذَلِكَ ، كَانَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ أَيْضًا بِأَدَائِهِ جَزَاءً وَاحِدًا ، مَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِحُرْمَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ ، وَهُمَا حُرْمَةُ الْحَرَمِ الَّتِي لَا يُجْزِئُ فِيهَا الصَّوْمُ ، وَحُرْمَةُ الْإِحْرَامِ الَّتِي يُجْزِئُ فِيهَا الصَّوْمُ ، وَيَكُونُ بِذَلِكَ الْجَزَاءِ الْوَاحِدِ مُؤَدِّيًا ، عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِمَا .
فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بِأَدَائِهِ جَزَاءً وَاحِدًا ، عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي انْتِهَاكِ حُرْمَتَيْنِ مُؤْتَلِفَتَيْنِ مِنْ شَكْلٍ وَاحِدٍ ، وَهُمَا حُرْمَةُ الْعُمْرَةِ ، وَحُرْمَةُ الْحَجِّ .
كَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ فِي حُرْمَةِ شَيْئَيْنِ مُؤْتَلِفَيْنِ .
وَلَمَّا كَانَ مَا ذَكَرْنَا أَيْضًا كَذَلِكَ ، وَكَانَ الطَّوَافُ لِلْحَجَّةِ ، وَالطَّوَافُ لِلْعُمْرَةِ مِنْ شَكْلٍ وَاحِدٍ ، لَمْ يَكُنْ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ دَاخِلًا فِيهِمَا ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الطَّوَافُ مُجْزِئًا عَنْهُمَا ، وَاحْتَاجَ أَنْ يَدْخُلَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دُخُولًا ، [2/207] عَلَى حِدَةٍ ، قِيَاسًا وَنَظَرًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِمَّا يَجْمَعُهُ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ ، مِنَ الْحَجَّةِ وَالْعُمْرَةِ الْمُخْتَلِفَيْنِ ، وَمِمَّا ذَكَرْنَا مِمَّا لَا يَجْمَعُهُ مِنَ الْحَجَّتَيْنِ الْمُؤْتَلِفَتَيْنِ ، وَالْعُمْرَتَيْنِ الْمُؤْتَلِفَتَيْنِ .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَقَدْ رَأَيْنَاهُ يَحِلُّ مِنْ حَجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ بِحَلْقٍ وَاحِدٍ ، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ ، فَكَذَلِكَ أَيْضًا يَطُوفُ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا ، وَيَسْعَى لَهُمَا سَعْيًا وَاحِدًا ، لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ .
قِيلَ لَهُ : قَدْ رَأَيْنَاهُ يَحِلُّ بِحَلْقٍ وَاحِدٍ مِنْ إِحْرَامَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، لَا يُجْزِيهِ فِيهِمَا إِلَّا طَوَافَانِ مُخْتَلِفَانِ .
وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ، فَطَافَ لَهَا وَسَعَى ، وَسَاقَ الْهَدْيَ ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ، فَصَارَ بِذَلِكَ مُتَمَتِّعًا ، أَنَّهُ كَانَ حُكْمُهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ يَحْلِقَ حَلْقًا وَاحِدًا ، فَيَحِلَّ بِذَلِكَ مِنْهُمَا جَمِيعًا .
فَكَانَ يَحِلُّ بِحَلْقٍ وَاحِدٍ مِنْ إِحْرَامَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، قَدْ كَانَ دَخَلَ فِيهِمَا دُخُولًا مُتَفَرِّقًا .
وَلَمْ يَكُنْ مَا وَجَبَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْحَلْقِ ، مُوجِبًا أَنَّ حُكْمَ الطَّوَافِ لَهُمَا كَانَ كَذَلِكَ ، وَأَنَّهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ ، بَلْ هُوَ طَوَافَانِ .
فَكَذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ حَلْقِ الْقَارِنِ لِعُمْرَتِهِ وَحَجَّتِهِ حَلْقًا وَاحِدًا ، لَا يَجِبُ بِهِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ لِحُكْمِ طَوَافِهِ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا .
وَلَمَّا كَانَ قَدْ يَحِلُّ فِي الْإِحْرَامَيْنِ اللَّذَيْنِ قَدْ دَخَلَ فِيهِمَا دُخُولًا مُتَفَرِّقًا ، بِحَلْقٍ وَاحِدٍ ، كَانَ فِي الْإِحْرَامَيْنِ اللَّذَيْنِ قَدْ دَخَلَ فِيهِمَا دُخُولًا وَاحِدًا ، أَحْرَى أَنْ يَحِلَّ مِنْهُمَا كَذَلِكَ .
فَهَذَا هُوَ النَّظَرُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَبْدِ اللهِ مِنْ وُجُوبِ الطَّوَافِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجَّةِ ، وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ النَّظَرِ عَلَى ذَلِكَ ، مِنْ وُجُوبِ الْجَزَاءِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِمَا .
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ ، رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى
.