باب بيان مشكل قول الله عز وجل في آية القصاص فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان
يَعْفُوَ الَّذِي لَهُ الدَّمُ عَنِ الَّذِي هُوَ لَهُ عَلَيْهِ عَلَى شَيْءٍ يَشْتَرِطُ لِنَفْسِهِ عَلَيْهِ بَدَلًا مِنَ الْقِصَاصِ ، فَيَتْبَعُهُ بِهِ بِمَعْرُوفٍ ، وَيُؤَدِّيهِ إِلَيْهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ بِإِحْسَانٍ ، وَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِاجْتِمَاعِ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا عَلَيْهِ ، وَإِنَّ الْقَاتِلَ لَوْ أَبَى ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يُؤْخَذْ بِهِ . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : إِنَّ لِلَّذِي لَهُ الدَّمُ أَنْ يَأْخُذَ الَّذِي هُوَ لَهُ عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ ، شَاءَ ذَلِكَ الَّذِي هُوَ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ أَبَى . وَقَالَ آخَرُونَ سِوَاهُ : إِنَّ لِوَلِيِّ الدَّمِ أَنْ يَأْخُذَ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ ، شَاءَ أَوْ أَبَى ، مِنْ جِهَةِ ذِكْرِ أَنَّهَا تُوجِبُ لَهُ مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ ، وَهِيَ أَنَّهُ قَالَ : رَأَيْتُ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - قَدْ أَوْجَبَ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ الدِّيَةَ ، وَأَوْجَبَ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ مَا هُوَ أَغْلَظُ مِنَ الدِّيَةِ وَهُوَ الْقِصَاصُ ، فَإِذَا وَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ الَّذِي كَانَ مِنْهُ الْقِصَاصُ ، وَهُوَ أَغْلَظُ مِنَ الدِّيَةِ ، فَاخْتَارَ الَّذِي لَهُ الدَّمُ رَدَّ الْأَغْلَظِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ بِقَتْلِهِ إِلَى الْأَيْسَرِ الَّذِي كَانَ يَجِبُ لَهُ لَوْ كَانَ الَّذِي كَانَ مِنْهُ أَيْسَرَ مِنَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الَّذِي يُوجِبُ لَهُ الْقِصَاصَ ، كَانَ قَدْ نَزَلَ عَنْ بَعْضِ الْوَاجِبِ لَهُ إِلَى مَا دُونَهُ وَهُوَ الدِّيَةُ ، فَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْقِصَاصُ شَاءَ الْقَاتِلُ أَوْ أَبَى . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّ الْعَفْوَ مِنَ الَّذِي قَالَ لَهُ الْقِصَاصُ تُوجِبُ الدِّيَةَ لَهُ عَلَى الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ ، شَاءَ ذَلِكَ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَوْ أَبَى ، وَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرَ الْمُزَنِيُّ : أَنَّهُ الْأَوْلَى بِالشَّافِعِيِّ بِعَقِبِ حِكَايَتِهِ عَنِ الشَّافِعِيِّ : أَنَّ الدَّمَ الْعَمْدَ لَا يُمْلَكُ بِهِ الْمَالُ إِلَّا بِمَشِيئَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ، إِنْ كَانَ حَيًّا ، وَبِمَشِيئَةِ الْوَرَثَةِ إِنْ كَانَ مَيِّتًا . لَا نَعْلَمُ فِي تَأْوِيلِ الْعَفْوِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلًا غَيْرَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا ، فَتَأَمَّلْنَاهَا لِنَقِفَ عَلَى الْأَوْلَى مِنْهَا بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ - إِنْ شَاءَ اللهُ - فَبَدَأْنَا بِقَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّ مَنْ عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ إِلَى الدِّيَةِ ، اسْتَحَقَّ الدِّيَةَ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِبَعْضِ حَقِّهِ طَالِبٌ لِبَقِيَّتِهِ . فَوَجَدْنَا مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ فَاسِدًا ; لِأَنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ
مَنْ أُصِيبَ بِدَمٍ أَوْ بِخَبْلٍ - يَعْنِي بِالْخَبْلِ الْجِرَاحَ - فَوَلِيُّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِحْدَى ثَلَاثٍ
وَمَا قَد حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مَعبَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بنُ سُلَيمَانَ الوَاسِطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبَّادٌ يَعنِي ابنَ