فَذَكَرَ مَا حَدَّثَنَا يُونُسُ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إِذَا نَكَحَ الرَّجُلُ فَفُوِّضَ إِلَيْهِ ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا الْمَتَاعُ .
قِيلَ لَهُ : لَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا عِنْدَنَا لِمَا قَدْ رَوَيْنَاهُ قَبْلَهُ فِي الْخَلْوَةِ وَالْمَكَانِ ، عَنْ مَنْ رَوَيْنَاهُمَا عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَالتَّفْوِيضُ عِنْدَنَا الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ التَّفْوِيضُ إِلَى الزَّوْجِ فِي تَسْمِيَةِ الصَّدَاقِ لِمَنْ يُزَوِّجُهُ عَلَى غَيْرِ صَدَاقٍ ، فَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ ، ثُمَّ يُطَلِّقُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْمُتْعَةُ ، وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَنَا عَلَى تَفْوِيضٍ مَعَهُ خَلْوَةٌ وَلَا إِمْكَانَ لَهُ مِنَ الْجِمَاعِ ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُحْتَمِلًا لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَهُ عَمَّنْ ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ .
فَإِنْ قَالَ : فَإِنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى مَا تَأَوَّلْنَا عَلَيْهِ مِمَّا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ : { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } وَكَانَ مَعْقُولًا بِذَلِكَ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ وَلَمْ يُمَاسَّ أَنَّ الَّذِي يَلْزَمُهُ بِهَذِهِ [2/114] الْآيَةِ هُوَ نِصْفُ الصَّدَاقِ لَا كُلُّهُ .
قِيلَ لَهُ : إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا فِي هَذَا بِوُجُوبِ الصَّدَاقِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ هُمُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ ، وَلَحِقَ بِهِمْ فِي ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُوَ كَاتِبُ الْوَحْيِ وَالْمُؤْتَمَنُ عَلَيْهِ ، وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ وَهُمْ يَعْرِفُونَ تَأْوِيلَهُ ، وَكَانَ بِمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ مِنْهُ يَسْتَعْلِمُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُعْلِمُهُمْ بِمُرَادِ اللهِ تَعَالَى بِهِ ، وَفِي خِلَافِهِمْ تَجْهِيلٌ لَهُمْ وَالْخُرُوجُ عَنْ مَذَاهِبِهِمْ إِلَى مَا سِوَاهَا ، مِمَّا نَعُوذُ بِاللهِ مِنْهُ ، مَعَ أَنَّا قَدْ وَجَدْنَا فِي اللُّغَةِ مَا قَدْ أُبِيحَ لَنَا أَنْ نُسَمِّيَ مَنْ أَمْكَنَهُ الْمَسِيسُ وَلَمْ يُمَاسَّ بِاسْمِ الْمَسِيسِ ، كَمَا سُمِّيَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ إِمَّا إِسْمَاعِيلُ وَإِمَّا إِسْحَاقُ ذَبِيحًا ، لَا لِأَنَّهُ ذُبِحَ وَلَكِنْ لَمَّا أَمْكَنَ مِنْ نَفْسِهِ وَأَمْكَنَ أَبُوهُ ذَلِكَ مِنْهُ بِأَنْ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ سُمِّيَ بِذَلِكَ ذَبِيحًا وَإِنْ لَمْ يُذْبَحْ .
فَمِثْلُ ذَلِكَ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ إِمْكَانِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا زَوْجَهَا مِنْ جِمَاعِهِ حَتَّى لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ حَائِلٌ وَلَا لَهُ مِنْهُ مَانِعٌ يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مُمَاسٍّ لَهَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمَاسًّا لَهَا فِي الْحَقِيقَةِ ، وَتَدْخُلُ بِذَلِكَ فِي مَعْنَى الْمُطَلَّقِ بَعْدَ الْمَسِيسِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُطَلِّقِ قَبْلَهُ ، وَقَدْ وَجَدْنَا مَا قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي مَنْ بَاعَ شَيْئًا لَهُ بِثَمَنِ حَبْسِهِ حَتَّى يَقْبِضَ ذَلِكَ الثَّمَنَ فَمُكِّنَ مِنْ قَبْضِهِ وَخُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَلَمْ يَضَعْ يَدَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْبِضْهُ وَلَحِقَهُ [2/115] هَلَاكٌ أَنَّهُ يَكُونَ هَالِكًا مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ مَالِ بَائِعِهِ .
وَفِي ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ دَلِيلٌ مَعَ تَعَلُّقِ أَكْثَرِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ بِهَذَا مِنْهُمْ : أَبُو حَنِيفَةَ فِي مُتَّبِعِيهِ ، وَمَالِكٌ فِي مُتَّبِعِينَ مِنْ مُتَّبِعِيهِ ، وَاللَّيْثُ فِي مُتَّبِعِيهِ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي مُتَّبِعِيهِ ، وَالثَّوْرِيُّ فِي مُتَّبِعِيهِ أَيْضًا
، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
.
فَذَكَرَ مَا حَدَّثَنَا يُونُسُ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إِذَا نَكَحَ الرَّجُلُ فَفُوِّضَ إِلَيْهِ ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا الْمَتَاعُ .
قِيلَ لَهُ : لَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا عِنْدَنَا لِمَا قَدْ رَوَيْنَاهُ قَبْلَهُ فِي الْخَلْوَةِ وَالْمَكَانِ ، عَنْ مَنْ رَوَيْنَاهُمَا عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَالتَّفْوِيضُ عِنْدَنَا الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ التَّفْوِيضُ إِلَى الزَّوْجِ فِي تَسْمِيَةِ الصَّدَاقِ لِمَنْ يُزَوِّجُهُ عَلَى غَيْرِ صَدَاقٍ ، فَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ ، ثُمَّ يُطَلِّقُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْمُتْعَةُ ، وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَنَا عَلَى تَفْوِيضٍ مَعَهُ خَلْوَةٌ وَلَا إِمْكَانَ لَهُ مِنَ الْجِمَاعِ ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُحْتَمِلًا لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَهُ عَمَّنْ ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ .
فَإِنْ قَالَ : فَإِنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى مَا تَأَوَّلْنَا عَلَيْهِ مِمَّا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ : { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } وَكَانَ مَعْقُولًا بِذَلِكَ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ وَلَمْ يُمَاسَّ أَنَّ الَّذِي يَلْزَمُهُ بِهَذِهِ [2/114] الْآيَةِ هُوَ نِصْفُ الصَّدَاقِ لَا كُلُّهُ .
قِيلَ لَهُ : إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا فِي هَذَا بِوُجُوبِ الصَّدَاقِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ هُمُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ ، وَلَحِقَ بِهِمْ فِي ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُوَ كَاتِبُ الْوَحْيِ وَالْمُؤْتَمَنُ عَلَيْهِ ، وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ وَهُمْ يَعْرِفُونَ تَأْوِيلَهُ ، وَكَانَ بِمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ مِنْهُ يَسْتَعْلِمُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُعْلِمُهُمْ بِمُرَادِ اللهِ تَعَالَى بِهِ ، وَفِي خِلَافِهِمْ تَجْهِيلٌ لَهُمْ وَالْخُرُوجُ عَنْ مَذَاهِبِهِمْ إِلَى مَا سِوَاهَا ، مِمَّا نَعُوذُ بِاللهِ مِنْهُ ، مَعَ أَنَّا قَدْ وَجَدْنَا فِي اللُّغَةِ مَا قَدْ أُبِيحَ لَنَا أَنْ نُسَمِّيَ مَنْ أَمْكَنَهُ الْمَسِيسُ وَلَمْ يُمَاسَّ بِاسْمِ الْمَسِيسِ ، كَمَا سُمِّيَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ إِمَّا إِسْمَاعِيلُ وَإِمَّا إِسْحَاقُ ذَبِيحًا ، لَا لِأَنَّهُ ذُبِحَ وَلَكِنْ لَمَّا أَمْكَنَ مِنْ نَفْسِهِ وَأَمْكَنَ أَبُوهُ ذَلِكَ مِنْهُ بِأَنْ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ سُمِّيَ بِذَلِكَ ذَبِيحًا وَإِنْ لَمْ يُذْبَحْ .
فَمِثْلُ ذَلِكَ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ إِمْكَانِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا زَوْجَهَا مِنْ جِمَاعِهِ حَتَّى لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ حَائِلٌ وَلَا لَهُ مِنْهُ مَانِعٌ يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مُمَاسٍّ لَهَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمَاسًّا لَهَا فِي الْحَقِيقَةِ ، وَتَدْخُلُ بِذَلِكَ فِي مَعْنَى الْمُطَلَّقِ بَعْدَ الْمَسِيسِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُطَلِّقِ قَبْلَهُ ، وَقَدْ وَجَدْنَا مَا قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي مَنْ بَاعَ شَيْئًا لَهُ بِثَمَنِ حَبْسِهِ حَتَّى يَقْبِضَ ذَلِكَ الثَّمَنَ فَمُكِّنَ مِنْ قَبْضِهِ وَخُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَلَمْ يَضَعْ يَدَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْبِضْهُ وَلَحِقَهُ [2/115] هَلَاكٌ أَنَّهُ يَكُونَ هَالِكًا مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ مَالِ بَائِعِهِ .
وَفِي ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ دَلِيلٌ مَعَ تَعَلُّقِ أَكْثَرِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ بِهَذَا مِنْهُمْ : أَبُو حَنِيفَةَ فِي مُتَّبِعِيهِ ، وَمَالِكٌ فِي مُتَّبِعِينَ مِنْ مُتَّبِعِيهِ ، وَاللَّيْثُ فِي مُتَّبِعِيهِ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي مُتَّبِعِيهِ ، وَالثَّوْرِيُّ فِي مُتَّبِعِيهِ أَيْضًا
، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
.