4861 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَطَاءٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ ، قَالَ : قَالَ [12/348] رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ سُؤَالَ أَهْلِ نَجْدٍ إِيَّاهُ ، وَلَا إِرْدَافَهُ الرَّجُلَ .
فَقَالَ قَائِلٌ : كَيْفَ تَقْبَلُونَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ عَلَى خِلَافِهِ ؟ لِأَنَّكُمْ تَقُولُونَ : إِنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ، قَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْحَجِّ بَقَايَا ، مِنْهَا الْوُقُوفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ ، وَمِنْهَا رَمْيُ الْجِمَارِ ، وَمِنْهَا الْحَلْقُ ، وَمِنْهَا طَوَافُ الزِّيَارَةِ الَّذِي هُوَ أَوْكَدُهَا ، وَالَّذِي لَوْ لَحِقَ بِبَلَدِهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ أُمِرَ بِالرُّجُوعِ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى يَفْعَلَهُ بِهَا ، وَإِنَّهُ بَاقٍ فِي حُرْمَةِ إِحْرَامِهِ عَلَى حَالِهِ ، وَمِنْهَا طَوَافُ الصَّدْرِ ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِثْلَهُ فِي الْوُجُوبِ ، وَالْأَشْيَاءُ الَّتِي قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ تُجْزِئُ فِيهَا الدِّمَاءُ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى تَارِكِهَا الرُّجُوعُ لَهَا إِلَى مَكَّةَ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ طَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَنْ هَذِهِ سَبِيلِهِ مُدْرِكًا لِلْحَجِّ ؟
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَعَوْنِهِ : أَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لَا يَفُوتُ بَعْدَهُ الْحَجُّ ، وَإِنَّ فَوْتَهُ يَفُوتُ بِهِ الْحَجُّ ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْحَجُّ فَائِتًا بِفَوْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ، وَبَعْدَهُ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجِّ مَا بَعْدَهُ مِنْهَا ، جَازَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ مُدْرِكٌ لِلْحَجِّ ; لِأَنَّهُ تَصَدَّرَ مَنْ يَفُوتُهُ الْوُقُوفُ بِهَا لِلْحَجِّ .
[12/349] وَهَذَا كَلَامٌ عَرَبِيٌّ خَاطَبَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَبًا يَعْقِلُونَ مُرَادَهُ مِنْهُ ، وَيَفْهَمُونَ مَعْنَاهُ فِيهِ ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا دَلِيلٌ صَحِيحٌ عَلَى نَفْيِ الِاسْتِحَالَةِ فِيهِ ، وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا قَدْ خَاطَبَهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ فِي غَيْرِ الْحَجِّ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : " مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ " . لَيْسَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ كَمَنْ صَلَّاهَا ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُصَلِّيَ مَا يُصَلِّي مَا بَقِيَ مِنْهَا ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ مِنْ ثَوَابِهَا مَا قَدْ أَدْرَكَهُ مَنْ دَخَلَ فِيهَا مِنْ أَوَّلِهَا ، وَفَهِمَ مُرَادَهُ بِهِ مَنْ خَاطَبَهُ بِهِ ، رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ لُغَتَهُ لُغَتُهُمْ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ } ، فَإِذَا كَانَ مَا خَاطَبَهُمْ بِهِ قَدْ تَبَيَّنُوا بِهِ مُرَادَهُ بِهِ ، غَنَوْا عَنِ الزِّيَادَةِ فِيهِ ، كَمَا قَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِأَشْيَاءَ مُتَجَاوِرَةٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى مِثْلِ هَذَا مِنْهَا : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلهِ الأَمْرُ جَمِيعًا } ، وَغَنِيٌّ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِاللُّغَةِ فِيهِ ، مَا هُوَ ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ لَكَفَرُوا بِهِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ بِهِ .
وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ } ، وَغَنِيَ بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ مَا يَكُونُ لَوْلَا فَضْلُهُ وَرَحْمَتُهُ لِفَهْمِهِمُ الْمُرَادَ بِذَلِكَ ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا كَشْفُ الْمَعْنَى فِيمَا قَدْ رَوَيْنَا فِي هَذَا الْبَابِ ، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
.
4861 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَطَاءٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ ، قَالَ : قَالَ [12/348] رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ سُؤَالَ أَهْلِ نَجْدٍ إِيَّاهُ ، وَلَا إِرْدَافَهُ الرَّجُلَ .
فَقَالَ قَائِلٌ : كَيْفَ تَقْبَلُونَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ عَلَى خِلَافِهِ ؟ لِأَنَّكُمْ تَقُولُونَ : إِنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ، قَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْحَجِّ بَقَايَا ، مِنْهَا الْوُقُوفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ ، وَمِنْهَا رَمْيُ الْجِمَارِ ، وَمِنْهَا الْحَلْقُ ، وَمِنْهَا طَوَافُ الزِّيَارَةِ الَّذِي هُوَ أَوْكَدُهَا ، وَالَّذِي لَوْ لَحِقَ بِبَلَدِهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ أُمِرَ بِالرُّجُوعِ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى يَفْعَلَهُ بِهَا ، وَإِنَّهُ بَاقٍ فِي حُرْمَةِ إِحْرَامِهِ عَلَى حَالِهِ ، وَمِنْهَا طَوَافُ الصَّدْرِ ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِثْلَهُ فِي الْوُجُوبِ ، وَالْأَشْيَاءُ الَّتِي قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ تُجْزِئُ فِيهَا الدِّمَاءُ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى تَارِكِهَا الرُّجُوعُ لَهَا إِلَى مَكَّةَ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ طَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَنْ هَذِهِ سَبِيلِهِ مُدْرِكًا لِلْحَجِّ ؟
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَعَوْنِهِ : أَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لَا يَفُوتُ بَعْدَهُ الْحَجُّ ، وَإِنَّ فَوْتَهُ يَفُوتُ بِهِ الْحَجُّ ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْحَجُّ فَائِتًا بِفَوْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ، وَبَعْدَهُ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجِّ مَا بَعْدَهُ مِنْهَا ، جَازَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ مُدْرِكٌ لِلْحَجِّ ; لِأَنَّهُ تَصَدَّرَ مَنْ يَفُوتُهُ الْوُقُوفُ بِهَا لِلْحَجِّ .
[12/349] وَهَذَا كَلَامٌ عَرَبِيٌّ خَاطَبَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَبًا يَعْقِلُونَ مُرَادَهُ مِنْهُ ، وَيَفْهَمُونَ مَعْنَاهُ فِيهِ ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا دَلِيلٌ صَحِيحٌ عَلَى نَفْيِ الِاسْتِحَالَةِ فِيهِ ، وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا قَدْ خَاطَبَهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ فِي غَيْرِ الْحَجِّ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : " مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ " . لَيْسَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ كَمَنْ صَلَّاهَا ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُصَلِّيَ مَا يُصَلِّي مَا بَقِيَ مِنْهَا ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ مِنْ ثَوَابِهَا مَا قَدْ أَدْرَكَهُ مَنْ دَخَلَ فِيهَا مِنْ أَوَّلِهَا ، وَفَهِمَ مُرَادَهُ بِهِ مَنْ خَاطَبَهُ بِهِ ، رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ لُغَتَهُ لُغَتُهُمْ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ } ، فَإِذَا كَانَ مَا خَاطَبَهُمْ بِهِ قَدْ تَبَيَّنُوا بِهِ مُرَادَهُ بِهِ ، غَنَوْا عَنِ الزِّيَادَةِ فِيهِ ، كَمَا قَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِأَشْيَاءَ مُتَجَاوِرَةٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى مِثْلِ هَذَا مِنْهَا : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلهِ الأَمْرُ جَمِيعًا } ، وَغَنِيٌّ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِاللُّغَةِ فِيهِ ، مَا هُوَ ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ لَكَفَرُوا بِهِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ بِهِ .
وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ } ، وَغَنِيَ بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ مَا يَكُونُ لَوْلَا فَضْلُهُ وَرَحْمَتُهُ لِفَهْمِهِمُ الْمُرَادَ بِذَلِكَ ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا كَشْفُ الْمَعْنَى فِيمَا قَدْ رَوَيْنَا فِي هَذَا الْبَابِ ، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
.