5711 - وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو نُوحٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَزْوَانَ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قُبَاءٍ لِيُصَلِّيَ ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ ، فَسَمِعَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ ، فَجَاؤُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ . قَالَ : قُلْتُ : يَا بِلَالُ ، كَيْفَ كَانَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ ؟ قَالَ : كَانَ يُشِيرُ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ .
قَالَ : فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ يُصَلِّي فِيهِ ، وَفِي هَذَا اضْطِرَابٌ شَدِيدٌ مَعَ مَا قَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ أَيْضًا : خَيْرُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ ، وَذَكَرْتُمُوهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ ، أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ صَلَاتَهُ فِي بَيْتِهِ ، وَخَرَجَ [14/401] إِلَى مَسْجِدِ قُبَاءٍ لِلصَّلَاةِ فِيهِ ، وَتِلْكَ الصَّلَاةُ تَطَوُّعٌ ، فَيَتْرُكُ الْأَفْضَلَ مَعَ تَرْكِ تَجَشُّمِ الْمَسَافَةِ ، وَيَمْضِي إِلَى مَا هُوَ دُونَهُ مِنْ تَجَشُّمِ الْمَصِيرِ إِلَيْهِ مَعَ بَعْدِ الْمَسَافَةِ ، وَهَذَا مِمَّا لَا خَفَاءَ بِهِ .
وَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ مِمَّا رُوِيَ فِيهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمَذْكُورِينَ فِيهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ حَدِيثَ الْمَعْرُورِ ، عَنْ عُمَرَ إِنَّمَا هُوَ لِقَصْدِهِمْ كَانَ إِلَى مَوَاضِعَ لَمْ يُصَلِّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا لِفَضْلٍ فِيهَا عَلَى مَا سِوَاهَا ، وَإِنَّمَا أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَصَلَّى فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مِنْهَا لَا لِفَضْلٍ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَلَى غَيْرِهِ ، فَكَرِهَ عُمَرُ أَنْ يَجْعَلُوا لَهُ فَضْلًا عَلَى غَيْرِهِ ، فَيَرْجِعُونَ بِذَلِكَ إِلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنِ اتِّبَاعِ آثَارِ أَنْبِيَائِهِمْ حَتَّى اتَّخَذُوهَا كَنَائِسَ وَبِيَعًا ، وَكَانَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ لَهُ فَضِيلَةٌ يُؤْتَى مِنْ أَجْلِهَا ، وَهِيَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ فِي غَيْرِهِ مِمَّا بُنِيَ لَمَّا ذَكَرَ الَّذِينَ بَنَوْهُ أَنَّهُمْ بَنَوْهُ لَهُ لِيَكُونَ كَمِثْلِهِ ، فَكَانَ مِنَ اللهِ فِيهِ مَا أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ مِنْ إِظْهَارِهِ وَمَا بَنَوْهُ لَهُ مِنْ إِرَادَتِهِمُ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَمِنْ تَرْكِهِ مَسْجِدَ قُبَاءٍ ، وَإِقْرَارِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلَّا لِفَضِيلَةٍ فِيهِ ، وَرِضًى مِنَ اللهِ تَعَالَى لِمَا بَنَاهُ أَهْلُهُ مِنْ أَجْلِهِ ، ثُمَّ جَهَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَا قَدْ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ حَمْدِهِ إِيَّاهُمْ بِقَوْلِهِ : { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } .
فَأَمَّا الصَّلَاةُ فِيهِ ، فَإِنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ ذَلِكَ لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَّا يَجْلِسَ فِيهِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُ فِيهِ الصَّلَاةُ الَّتِي قَدْ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَفْعَلُوهَا إِذَا دَخَلُوا الْمَسَاجِدَ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسُوا فِيهَا.

5711 - وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو نُوحٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَزْوَانَ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قُبَاءٍ لِيُصَلِّيَ ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ ، فَسَمِعَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ ، فَجَاؤُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ . قَالَ : قُلْتُ : يَا بِلَالُ ، كَيْفَ كَانَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ ؟ قَالَ : كَانَ يُشِيرُ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ .
قَالَ : فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ يُصَلِّي فِيهِ ، وَفِي هَذَا اضْطِرَابٌ شَدِيدٌ مَعَ مَا قَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ أَيْضًا : خَيْرُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ ، وَذَكَرْتُمُوهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ ، أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ صَلَاتَهُ فِي بَيْتِهِ ، وَخَرَجَ [14/401] إِلَى مَسْجِدِ قُبَاءٍ لِلصَّلَاةِ فِيهِ ، وَتِلْكَ الصَّلَاةُ تَطَوُّعٌ ، فَيَتْرُكُ الْأَفْضَلَ مَعَ تَرْكِ تَجَشُّمِ الْمَسَافَةِ ، وَيَمْضِي إِلَى مَا هُوَ دُونَهُ مِنْ تَجَشُّمِ الْمَصِيرِ إِلَيْهِ مَعَ بَعْدِ الْمَسَافَةِ ، وَهَذَا مِمَّا لَا خَفَاءَ بِهِ .
وَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ مِمَّا رُوِيَ فِيهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمَذْكُورِينَ فِيهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ حَدِيثَ الْمَعْرُورِ ، عَنْ عُمَرَ إِنَّمَا هُوَ لِقَصْدِهِمْ كَانَ إِلَى مَوَاضِعَ لَمْ يُصَلِّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا لِفَضْلٍ فِيهَا عَلَى مَا سِوَاهَا ، وَإِنَّمَا أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَصَلَّى فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مِنْهَا لَا لِفَضْلٍ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَلَى غَيْرِهِ ، فَكَرِهَ عُمَرُ أَنْ يَجْعَلُوا لَهُ فَضْلًا عَلَى غَيْرِهِ ، فَيَرْجِعُونَ بِذَلِكَ إِلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنِ اتِّبَاعِ آثَارِ أَنْبِيَائِهِمْ حَتَّى اتَّخَذُوهَا كَنَائِسَ وَبِيَعًا ، وَكَانَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ لَهُ فَضِيلَةٌ يُؤْتَى مِنْ أَجْلِهَا ، وَهِيَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ فِي غَيْرِهِ مِمَّا بُنِيَ لَمَّا ذَكَرَ الَّذِينَ بَنَوْهُ أَنَّهُمْ بَنَوْهُ لَهُ لِيَكُونَ كَمِثْلِهِ ، فَكَانَ مِنَ اللهِ فِيهِ مَا أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ مِنْ إِظْهَارِهِ وَمَا بَنَوْهُ لَهُ مِنْ إِرَادَتِهِمُ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَمِنْ تَرْكِهِ مَسْجِدَ قُبَاءٍ ، وَإِقْرَارِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلَّا لِفَضِيلَةٍ فِيهِ ، وَرِضًى مِنَ اللهِ تَعَالَى لِمَا بَنَاهُ أَهْلُهُ مِنْ أَجْلِهِ ، ثُمَّ جَهَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَا قَدْ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ حَمْدِهِ إِيَّاهُمْ بِقَوْلِهِ : { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } .
فَأَمَّا الصَّلَاةُ فِيهِ ، فَإِنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ ذَلِكَ لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَّا يَجْلِسَ فِيهِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُ فِيهِ الصَّلَاةُ الَّتِي قَدْ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَفْعَلُوهَا إِذَا دَخَلُوا الْمَسَاجِدَ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسُوا فِيهَا.