[1/213] السنة الثالثة من الهجرة أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى ، ثنا أبو يعلى بالموصل ، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن أبي إسرائيل ، ثنا سفيان بن عمرو بن دينار ، سمع جابر بن عبد الله يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : من لكعب بن الأشرف ؟ فإنه قد آذى الله ورسوله ، فقال له محمد بن مسلمة : أنا له يا رسول الله ، أتأذن لي أقول شيئا ؟ قال : بلى ، فأتاه ، فقال : إن هذا سألنا صدقة في أموالنا ، قال وأيضا والله ... قال : فإنا قد اتبعناه فنكره أن ندعه [1/214] حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه ، وإني قد أتيتك أستسلفك ، قال : فارهنوا نسائكم ، قالوا : كيف نرهنك نساءنا ؟ وكنت أجمل العرب ، قال : فارهنوني أبناءكم ، قالوا : كيف نرهنك أبناءنا ؟ تسب الدهر وتعير ، فيقال : رهن بوسق أو وسقين ، ولكنا نرهنك اللأمة أي السلاح ؛ فأتاه ومعه أبو عبس بن جبر ، والحارث بن أوس بن معاذ ، وعباد [1/215] ابن بشر وأبو نائلة ، فقال لهم محمد بن مسلمة : إني محبس رأسه وممسكه ، فإذا قلت اضربوا فاضربوا ، فقال له محمد بن مسلمة : أتأذن لي أن أشم رأسك ؟ فقال : نعم ، فمس ، وقال : ما أطيبك وما أطيب ريحك ، قال : عندي فلانة ، وهي أعظم نساء العرب ، ثم قال له : أتأذن لي أن أشم رأسك ؟ قال : نعم ، فمس رأسه حتى استمكن منه ، قال لهم : اضربوه ، فضربوه حتى قتلوه ، فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبروه .
قال : خرج كعب بن الأشرف إلى مكة ، فقدمها ، ووضع رحله عبد المطلب بن أبي وداعة السهمي ، وجعل ينشد الأشعار ويحرض الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويبكي على قتلى بدر من أصحاب القليب ، ثم رجع إلى المدينة ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : من لكعب بن الأشرف ؟ فإنه قد آذى الله ورسوله ، فقال محمد بن مسلمة : أنا إن تأذن أن أقول - يريد : كذبا في الحرب - ، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج محمد بن مسلمة ، ومعه أربعة نفر : أبو عبس بن جبر ، وعباد بن بشر بن وقش ، وأبو نائلة سلكان بن سلامة بن وقش ، والحارث بن أوس بن معاذ ابن أخي سعد بن معاذ ، فانتهوا إلى كعب بن الأشرف ، وهو في أطم من آطام المدينة ، فقال له محمد بن مسلمة : إن محمدا يأخذ صدقة أموالنا - وأراد المال منه - ثم قال له : أتيتك أستسلفك ، فأرهن [1/216] السلاح ، ثم جاء يغمر رأسه ، فلما استمكن منه ضربه ، وضربوه حتى قتل ، واحتزوا رأسه وجاءوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة قرقرة الكدر ، حامل لواءه علي بن أبي طالب ، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم ، ثم رجع ولم يلق كيدا .
ثم زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم كلثوم ابنته الأخرى من عثمان بن عفان في أول شهر ربيع الأول .
ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة بذي أمر في شهر ربيع الأول ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا أمر عسكر به [1/217] ذا من غطفان ، أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر فبل ثوبه ، ثم نزع ثيابه فعلقها على شجرة ليستجفها ونام تحتها ، فقالت غطفان لدعثور بن الحارث وكان شجاعا : تفرد محمد من أصحابه وأنت لا تجد أخلى منه الساعة ، فأخذ سيفا صارما ثم انحدر ورسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجع ينتظر جفوف ثيابه ، فلم يشعر إلا بدعثور بن الحارث واقف على رأسه بالسيف وهو يقول : من يمنعك مني يا محمد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله ، ودفعه جبريل في صدره ، فوقع السيف من يده ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف ، ثم قام على رأسه وقال : من يمنعك مني ؟ قال : لا أحد ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : قم فاذهب لشأنك ، فلما ولى قال : أنت خير نبي يا محمد ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أحق بذلك منك ، فلما سمعت الأعراب من غطفان برسول الله صلى الله عليه وسلم لحقت بذي الجبال ، فلما أعجزوه رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وولد السائب بن يزيد بن أخت نمر [1/218] وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر جمادى الأولى بحران معدن بناحية الفرع ، ثم رجع رسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يلق كيدا .