النَّوْعُ الْخَامِسَ عَشَرَ : مَعْرِفَةُ الِاعْتِبَارِ وَالْمُتَابَعَاتِ وَالشَّوَاهِدِ
هَذِهِ أُمُورٌ يَتَدَاوَلُونَهَا فِي نَظَرِهِمْ فِي حَالِ الْحَدِيثِ ، هَلْ تَفَرَّدَ بِهِ رَاوِيهِ أَوْ لَا ؟ وَهَلْ هُوَ مَعْرُوفٌ أَوْ لَا ؟
ذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ حِبَّانَ التَّمِيمِيُّ الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ طَرِيقَ [1/83] الِاعْتِبَارِ فِي الْأَخْبَارِ مِثَالُهُ : أَنْ يَرْوِيَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ حَدِيثًا لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَيُنْظَرُ : هَلْ رَوَى ذَلِكَ ثِقَةٌ غَيْرُ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، فَإِنْ وُجِدَ عُلِمَ أَنَّ لِلْخَبَرِ أَصْلًا يُرْجَعُ إِلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَثِقَةٌ غَيْرُ ابْنِ سِيرِينَ رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَإِلَّا فَصَحَابِيٌّ غَيْرُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَيُّ ذَلِكَ وُجِدَ يُعْلَمُ بِهِ أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا يُرْجَعُ إِلَيْهِ ، وَإِلَّا فَلَا .
قُلْتُ : فَمِثَالُ الْمُتَابَعَةِ أَنْ يَرْوِيَ ذَلِكَ الْحَدِيثَ بِعَيْنِهِ عَنْ أَيُّوبَ غَيْرُ حَمَّادٍ ، فَهَذِهِ الْمُتَابَعَةُ التَّامَّةُ ، فَإِنْ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ عَنْ أَيُّوبَ لَكِنْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَوْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَوْ رَوَاهُ غَيْرُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَلِكَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمُتَابَعَةِ أَيْضًا ، لَكِنْ تَقْصُرُ عَنِ الْمُتَابَعَةِ الْأُولَى بِحَسَبِ بُعْدِهَا مِنْهَا ، وَيَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى ذَلِكَ بِالشَّاهِدِ أَيْضًا .
فَإِنْ لَمْ يُرْوَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ أَصْلًا مِنْ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ ، لَكِنْ رُوِيَ حَدِيثٌ آخَرُ بِمَعْنَاهُ فَذَلِكَ الشَّاهِدُ مِنْ غَيْرِ مُتَابَعَةٍ .
[1/84] فَإِنْ لَمْ يُرْوَ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ حَدِيثٌ آخَرُ فَقَدْ تَحَقَّقَ فِيهِ التَّفَرُّدُ الْمُطْلَقُ حِينَئِذٍ ، وَيَنْقَسِمُ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى مَرْدُودٍ مُنْكَرٍ وَغَيْرِ مَرْدُودٍ ، كَمَا سَبَقَ
.
وَإِذَا قَالُوا فِي مِثْلِ هَذَا : " تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ ، وَتَفَرَّدَ بِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ابْنُ سِيرِينَ ، وَتَفَرَّدَ بِهِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَيُّوبُ ، وَتَفَرَّدَ بِهِ عَنْ أَيُّوبَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ " ، كَانَ فِي ذَلِكَ إِشْعَارٌ بِانْتِفَاءِ وُجُوهِ الْمُتَابَعَاتِ فِيهِ .
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ فِي بَابِ الْمُتَابَعَةِ وَالِاسْتِشْهَادِ رِوَايَةُ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَحْدَهُ ، بَلْ يَكُونُ مَعْدُودًا فِي الضُّعَفَاءِ ، وَفِي كِتَابَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ جَمَاعَةٌ مِنَ الضُّعَفَاءِ ذِكْرَاهُمْ فِي الْمُتَابَعَاتِ وَالشَّوَاهِدِ ، وَلَيْسَ كُلُّ ضَعِيفٍ يَصْلُحُ لِذَلِكَ ، وَلِهَذَا يَقُولُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الضُّعَفَاءِ : " فُلَانٌ يُعْتَبَرُ بِهِ ، وَفُلَانٌ لَا يُعْتَبَرُ بِهِ " وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
مِثَالٌ لِلْمُتَابِعِ وَالشَّاهِدِ : رُوِّينَا مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَوْ أَخَذُوا إِهَابَهَا فَدَبَغُوهُ فَانْتَفَعُوا بِهِ " وَرَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ عَطَاءٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الدِّبَاغَ ، فَذَكَرَ الْحَافِظُ أَحْمَدُ الْبَيْهَقِيُّ لِحَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ مُتَابِعًا وَشَاهِدًا :
أَمَّا الْمُتَابِعُ : فَإِنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ تَابَعَهُ عَنْ عَطَاءٍ ، وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ أُسَامَةَ ، عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ [1/85] عَبَّاسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَلَا نَزَعْتُمْ جِلْدَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ ، فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ " .
وَأَمَّا الشَّاهِدُ : فَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ " . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .