التَّاسِعَةُ : اخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ رِوَايَةِ الْمُبْتَدِعِ الَّذِي لَا يُكَفَّرُ فِي بِدْعَتِهِ .
فَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّ رِوَايَتَهُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ بِبِدْعَتِهِ ، وَكَمَا اسْتَوَى فِي الْكُفْرِ الْمُتَأَوِّلُ وَغَيْرُ الْمُتَأَوِّلِ يَسْتَوِي فِي الْفِسْقِ الْمُتَأَوِّلُ وَغَيْرُ الْمُتَأَوِّلِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَ رِوَايَةَ الْمُبْتَدِعِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَسْتَحِلُّ الْكَذِبَ فِي نُصْرَةِ مَذْهَبِهِ أَوْ لِأَهْلِ مَذْهَبِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ دَاعِيَةً إِلَى بِدْعَتِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَعَزَا بَعْضُهُمْ هَذَا إِلَى الشَّافِعِيِّ ، لِقَوْلِهِ : " أَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إِلَّا الْخَطَّابِيَّةَ مِنَ الرَّافِضَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ بِالزُّورِ لِمُوَافَقِيهِمْ " .
وَقَالَ قَوْمٌ : " تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً إلى بدعته ، وَلَا تُقْبَلُ إِذَا كَانَ دَاعِيَةً " . وَهَذَا مَذْهَبُ الْكَثِيرِ أَوِ الْأَكْثَرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ . وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِي [1/115] قَبُولِ رِوَايَةِ الْمُبْتَدِعِ إِذَا لَمْ يَدْعُ إِلَى بِدْعَتِهِ ، وَقَالَ : أَمَّا إِذَا كَانَ دَاعِيَةً فَلَا خِلَافَ بَيْنَهِمْ فِي عَدَمِ قَبُولِ رِوَايَتِهِ .
وَقَالَ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ الْبُسْتِيُّ أَحَدُ الْمُصَنِّفِينَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ : " الدَّاعِيَةُ إِلَى الْبِدَعِ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا قَاطِبَةً ، لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ خِلَافًا " .
وَهَذَا الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ أَعْدَلُهَا وَأَوْلَاهَا ، وَالْأَوَّلُ بَعِيدٌ مُبَاعِدٌ لِلشَّائِعِ عَنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ ، فَإِنَّ كُتُبَهُمْ طَافِحَةٌ بِالرِّوَايَةِ عَنِ الْمُبْتَدِعَةِ غَيْرِ الدُّعَاةِ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ كَثِيرٌ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ فِي الشَّوَاهِدِ وَالْأُصُولِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .