إِحْدَاهَا : اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَنَّ الصَّحَابِيَّ مَنْ ؟ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ طَرِيقَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مِنَ الصَّحَابَةِ . قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ : " مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ رَآهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ . وَبَلَغَنَا عَنْ أَبِي الْمُظَفَّرِ السِّمْعَانِيِّ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ قَالَ : " أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يُطْلِقُونَ اسْمَ الصَّحَابَةِ عَلَى كُلِّ مَنْ رَوَى عَنْهُ حَدِيثًا أَوْ كَلِمَةً ، وَيَتَوَسَّعُونَ حَتَّى يَعُدُّونَ مَنْ رَآهُ رُؤْيَةً مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَهَذَا لِشَرَفِ مَنْزِلَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَوْا كُلَّ مَنْ رَآهُ حُكْمَ الصُّحْبَةِ " . وَذُكِرَ أَنَّ اسْمَ الصَّحَابِيِّ - مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ ، وَالظَّاهِرُ - يَقَعُ عَلَى مَنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَثُرَتْ مُجَالَسَتُهُ لَهُ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ لَهُ وَالْأَخْذِ عَنْهُ ، قَالَ : " وَهَذَا طَرِيقُ الْأُصُولِيِّينَ " . قُلْتُ : وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعُدُّ الصَّحَابِيَّ إِلَّا مَنْ أَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ ، وَغَزَا مَعَهُ غَزْوَةً أَوْ غَزْوَتَيْنِ ، وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا - إِنْ صَحَّ عَنْهُ - رَاجِعٌ إِلَى الْمَحْكِيِّ عَنِ الْأُصُولِيِّينَ . [1/294] وَلَكِنْ فِي عِبَارَتِهِ ضِيقٌ يُوجِبُ أَلَّا يُعَدَّ مِنَ الصَّحَابَةِ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ وَمَنْ شَارَكَهُ فِي فَقْدِ ظَاهِرِ مَا اشْتَرَطَهُ فِيهِمْ ، مِمَّنْ لَا نَعْرِفُ خِلَافًا فِي عَدِّهِ مِنَ الصَّحَابَةِ . وَرُوِّينَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُوسَى السَّبَلَانِيِّ - وَأُثْنِي عَلَيْهِ خَيْرًا - قَالَ : أَتَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَقُلْتُ : هَلْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدٌ غَيْرَكَ ؟ قَالَ : " بَقِيَ نَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ قَدْ رَأَوْهُ ، فَأَمَّا مَنْ صَحِبَهُ فَلَا " . إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، حَدَّثَ بِهِ مُسْلِمٌ بِحَضْرَةِ أَبِي زُرْعَةَ . ثُمَّ إِنَّ كَوْنَ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ صَحَابِيًّا تَارَةً يُعْرَفُ بِالتَّوَاتُرِ ، وَتَارَةً بِالِاسْتِفَاضَةِ الْقَاصِرَةِ عَنِ التَّوَاتُرِ ، وَتَارَةً بِأَنْ يُرْوَى عَنْ آحَادِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ صَحَابِيٌّ ، وَتَارَةً بِقَوْلِهِ وَإِخْبَارِهِ عَنْ نَفْسِهِ - بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَالَتِهِ - بِأَنَّهُ صَحَابِيٌّ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
|