[1/113] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، رَبِّ يَسِّرْ بِرَحْمَتِكَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَصَلَوَاتُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَامُهُ . قَالَ الشَّيْخُ الأجل زَيْنُ الدِّينِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَازِمِيُّ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ، الْكَثِيرُ النَّوَالِ ، الْمُنْعِمُ الْمِفْضَالُ ، الْمَوْصُوفُ بِالْقُدْرَةِ وَالْكَمَالِ ، وَالْعِزَّةِ وَالْجَلَالِ ، الْمُقَدَّسُ عَنْ سِمَاتِ النَّقْصِ وَصُنُوفِ الزَّوَالِ ، مُنْشِئُ السَّحَابِ الثِّقَالِ ، وَمُخْرِجُ الْوَدْقِ مِنَ الْخِلَالِ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى خِير البرية مِنْ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ الْمَبْعُوثِ بِنَسْخِ آثَارِ الضَّلَالِ ، وَرَفْعِ الْآصَارِ وَالْأَغْلَالِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصحبه خَيْرِ صِحَابة وَأَفْضَلِ آلٍ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَهَذَا كِتَابُ أَذْكُرُ فِيهِ مَا انْتَهَتْ إِلَيَّ مَعْرِفَتُهُ مِنْ نَاسِخِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْسُوخِهِ ؛ إِذْ هُوَ عِلْمٌ جَلِيلٌ ذُو غَوْرٍ وَغُمُوضٍ ، دَارَتْ فِيهِ الرُّؤوسُ ، وَتَاهَتْ فِي الْكَشْفِ عَنْ مَكْنُونِهِ النُّفُوسُ ، وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَحْظَ مِنْ مَعْرِفَةِ الْآثَارِ إِلَّا بِآثَارٍ ، وَلَمْ يُحَصِّلْ مِنْ طَريقِ الْأَخْبَارِ إِلَّا إخْبَارًا ، أَنَّ الْخَطْبَ فِيهِ جَلِلٌ يَسِيرٌ ، وَالْمَحْصُولَ مِنْهُ قَلِيلٌ غَيْرُ كَثِيرٍ ، وَمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي الْأَحْكَامِ الْمَنْقُولَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّضَحَ لَهُ مَا قُلْنَاهُ .
وَيَشْهَدُ لِصِحَّةِ مَا رَسَمْنَاهُ :
[1/114] ( م 001 )
مَا أَخْبَرَنِيهِ أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، ثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ جَبْلَةَ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْيدٍ ، ثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ، ثَنَا ضَمْرَةُ عَنْ رجاء بن أبي سلمة عَنْ أَبِي رَزِينٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ :
أَعْيَا الْفُقَهَاءَ وَأَعْجَزَهُمْ أَنْ يَعْرِفُوا نَاسِخَ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – من مَنْسُوخَهُ .
أَلَا تَرَى الزُّهْرِيَّ وَهُوَ أَحَدُ مَنِ انْتَهَى إِلَيْهِ عِلْمُ الصَّحَابَةِ ، وَعَلَيْهِ مَدَارُ حَدِيثِ الْحِجَازِ ، وَهُوَ الْقَائِلُ : " لَمْ يُدَوِّنْ هَذَا الْعِلْمَ أَحَدٌ قَبْلِي تَدْوِينِي " ، وَكَانَ إِلَيْهِ الْمَرْجِعُ فِي الْحَدِيثِ ، وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ فِي الْفُتْيَا ، كَيْفَ اسْتَعْظَمَ هَذَا الشَّأْنَ مُخْبِرًا عَنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ ، ثُمَّ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا جَاءَ [1/115] بَعْدَهُ تَصَدَّى لِهَذَا الْفَنِّ وَلَخَّصَهُ ، وَأَمْعَنَ فِيهِ وَخَصَّصَهُ ، إِلَّا مَا يُوجَدُ في بَعْضِ الْإِيمَاءِ وَالْإِشَارَةِ فِي عَرَضِ الْكَلَامِ عَنْ آحَادِ الْأَئِمَّةِ ، حَتَّى جَاءَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ خَاضَ تَيَّارَهُ وَكَشَفَ أَسْرَارَهُ وَاسْتَنْبَطَ مَعِينَهُ ، وَاسْتَخْرَجَ دَفِينَهُ ، وَاسْتَفْتَحَ بَابَهُ ، وَرَتَّبَ أَبْوَابَهُ .