حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف ، حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، وحدثنا عبد الله بن أحمد موسى عبدان، حدثنا عبد ربه بن خالد النميري: حدثنا الفضيل بن سليمان النميري عن موسى بن عقبة، عن أبي حازم التمار، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : إنما مثلي ومثل الأنبياء قبلي مثل رجل [1/7] بنى بنيانا، فأحسنه وأجمله وأكمله، إلا موضع لبنة، فجعل الناس يطيفون به ويقولون: ما رأينا أحسن من هذا، لولا موضع هذه اللبنة، ألا فكنت أنا تلك اللبنة .
قال أبو محمد: هذا مثل في نبوته صلى الله عليه وسلم، وأنه خاتم الأنبياء، وبه تتم حجة الله على خلقه، ومثل ذلك بالبنيان الذي يشد بعضه بعضا، وهو ناقص الكمال بنقصان بعضه، فأكمل الله به دينه وختم به وحيه.
والعرب تمثل ما يبالغون فيه من الوثاقة والأصالة وعقد المكارم والمفاخر وأشباه ذلك بالبنيان، قال الله عز وجل : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ يعني لا يزول ولا يتخلخل. وأخبر أنه بنى السماء ورفع سمكها، وهو بناء القدرة، لا أن ثم شيئا من آلة الصنعة، قال عبدة بن الطبيب: يذكر قيس بن عاصم (من الطويل):
فما كان قيس هلكه هلك واحد
ولكنه بنيان قوم تهدما
[1/8] وقال آخر (من الطويل):
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنى
وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
البنا: مقصور بضم الباء جمع بنية، هكذا قال لنا إبراهيم بن السري، كما تقول: لحية ولحى، وحليلة وحلى.
وأنشد ابن دريد (من الطويل):
تبوأت بيتا في المكارم والعلى
رفيع البنا بين المجرة والنجم
وقال زياد بن حمل التميمي ( من البسيط):
غمر الندى لا يبيت الحق يثمده
إلا غدا وهو سامي الطرف يبتسم
إن المكارم يبنيها ويعمرها
حتى ينال أمورا دونه قحم
يعنى لا يلج عليه الحق إلا سر به، وقحم تكلف وتعب.
[1/9] وأخبرنا أبو خليفة عن ابن سلام قال : لما أراد الوليد بن عبد الملك -وإنما هو عبد الملك وليس هو الوليد- أن يبايع لابنه يزيد قال جرير ( من الوافر):
وماذا تنظرون بها وفيكم
نهوض بالعظائم واعتلاء
ولو قد بايعوك ولي عهد
لقام الوزن واعتدل البناء
وقال آخر من العرب يمدح قوما ( من الوافر):
هم حلوا من الشرف المعلى
ومن حسب العشيرة حيث شاءوا
بناة مكارم وأساة كلم
دماؤهم من الكلب الشفاء
فأما بيتكم إن عد بيت
فطال السمك واتسع الفناء
وأما أسه فعلى قديم
من العادي إن ذكر البناء
[1/10]
فلو أن السماء دنت لمجد
ومكرمة دنت لكم السماء
قوله: دماؤهم من الكلب الشفاء، الكلب داء يأخد الكلب، وكانت العرب تزعم أن الكلب الكلب، وهو الذي يأخذه هذا الداء إذا عض تلف المعضوض، وإذا استشفى المعضوض بدم الشريف برأ.