حدثنا عبد الله بن أحمد بن معدان ويعرف بالثغري، حدثنا [1/20] إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا أبو أسامة، حدثنا بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم –: إن مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان فالنجاء، فأطاعه طائفة منهم فأدلجوا، فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبته طائفة فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، كذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق .
قال أبو محمد: سمعت أبي يقول: النذير العريان الذي قد ظهر صدقه، ولا أدري عمن حكاه، وإلى من أسنده، إلا أني سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن السري يقول: عري الأمر إذا ظهر، ويقال: الحق عار أي ظاهر مشرق مشرف، كما قيل: الحق أبلج من بلجة الصبح، قال: فند الزماني ( من الهزج ) :
فلما صرح الشر
فأمسى وهو عريان
مشينا مشية الليث
غدا والليث غضبان
وقال الخطيم ( من الطويل ) :
[1/21]
وقال وقد مالت بهم نشوة الكرى
نعاسا ومن يعلق سرى الليل يكسل
أنخ نعط أنضاء النعاس دواءها
قليلا ورفه عن قلائص ذبل
فقلت له كيف الإناخة بعد ما
حدا الليل عريان الطريقة منجل
وأنشدني بعض شيوخنا عن المازني عن الجواداني قال: أنشدني بشار ( من الوافر ) :
أسرت وكم تقدم من أسير
يزين بوجهه عقد الإسار
كبشر أو كبسطام بن قيس
أصيبا ثم ما دنسا بعار
وكيف ينالني من لم ينلهم
أعز بطانة في الحق عار
والطائفة من كل شيء قطعة منه، تقول: طائفة من القوم، وطائفة من الليل، كما قال الله عز وجل : وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ .
وأدنى ما يقع عليه اسم الطائفة واحد، وهذا القول للشافعي رحمه الله في قوله: فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ وقد قال ذلك غير الشافعي، والنذير بمعنى المنذر، كما قال: سميع بمعنى مسمع [1/22] وأليم بمعنى مؤلم، ووجيع بمعنى موجع، قال عمرو بن معدي كرب ( من الوافر ) :
أمن ريحانة الداعي السميع
يؤرقني وأصحابي هجوع
يريد الداعي المسمع، وقوله: أدلجوا، الإدلاج من أول الليل، تقول من ذلك: أدلج يدلج إدلاجا، والادلاج بتشديد الدال من آخر الليل تقول منه: ادلج يدلج ادلاجا، واسمه الدلجة، وهذا الحديث في المعنى قريب من معنى الحديث الذي قبله.