[ مَا نَزَلَ فِي أَهْلِ النِّفَاقِ ]
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَذْكُرُ أَهْلَ النِّفَاقِ : لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ أَيْ إنَّهُمْ يَسْتَطِيعُونَ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ؟ . . . إلَى قَوْلِهِ : لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ : سَارُوا بَيْنَ أَضْعَافِكُمْ ، فَالْإِيضَاعُ : ضَرْبٌ مِنْ السَّيْرِ أَسْرَعَ مِنْ الْمَشْيِ ؛ قَالَ الْأَجْدَعُ بْنُ مَالِكٍ الْهَمْدَانِيُّ :
يَصْطَادُكَ الْوَحَدَ الْمُدِلَّ بِشَأْوِهِ
بِشَرِيجٍ بَيْنَ الشَّدِّ وَالْإِيضَاعِ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
[ عَوْدٌ إلَى مَا نَزَلَ فِي أَهْلِ النِّفَاقِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ الَّذِينَ اسْتَأْذَنُوهُ مِنْ ذَوِي الشَّرَفِ ، فِيمَا بَلَغَنِي ، مِنْهُمْ : [2/550] عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ ، وَالْجَدُّ بْنُ قِيسٍ ؛ وَكَانُوا أَشْرَافًا فِي قَوْمِهِمْ ، فَثَبَّطَهُمْ اللَّهُ لِعِلْمِهِ بِهِمْ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ ، فَيُفْسِدُوا عَلَيْهِ جُنْدَهُ ، وَكَانَ فِي جُنْدِهِ قَوْمٌ أَهْلُ مَحَبَّةٍ لَهُمْ ، وَطَاعَةٍ فِيمَا يَدْعُونَهُمْ إلَيْهِ ، لِشَرَفِهِمْ فِيهِمْ . فَقَالَ تَعَالَى : وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ أَيْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْتَأْذِنُوكَ ، وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ أَيْ لِيَخْذُلُوا عَنْكَ أَصْحَابَكَ وَيَرُدُّوا عَلَيْكَ أَمْرَكَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَكَانَ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ ، فِيمَا سُمِّيَ لَنَا ، الْجَدُّ بْنُ قِيسٍ ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ ، حِينَ دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى جِهَادِ الرُّومِ . ثُمَّ كَانَتْ الْقِصَّةُ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ أَيْ إنَّمَا نِيَّتُهُمْ وَرِضَاهُمْ وَسَخَطَهُمْ لِدُنْيَاهُمْ .