[ مَا نَزَلَ فِي ذِكْرِ أَصْحَابِ الصَّدَقَاتِ ]
ثُمَّ بَيَّنَ الصَّدَقَاتِ لِمَنْ هِيَ ، وَسَمَّى أَهْلَهَا ، فَقَالَ : إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
[ مَا نَزَلَ فِيمَنْ آذَوْا الرَّسُولَ ]
ثُمَّ ذَكَرَ غَشَّهُمْ وَأَذَاهُمْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
وَكَانَ الَّذِي يَقُولُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ ، فِيمَا بَلَغَنِي ، نَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : إنَّمَا مُحَمَّدٌ أُذُنٌ ، مَنْ حَدَّثَهُ شَيْئًا صَدَّقَهُ . يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ أَيْ يَسْمَعُ الْخَيْرَ وَيُصَدِّقُ بِهِ [2/551] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ ثُمَّ قَالَ : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً وَكَانَ الَّذِي قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَدِيعَةَ بْنَ ثَابِتٍ ، أَخُو بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ ، مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، وَكَانَ الَّذِي عُفِيَ عَنْهُ ، فِيمَا بَلَغَنِي : مُخَشِّنَ بْنَ حُمَيِّرٍ الْأَشْجَعِيُّ ، حَلِيفَ بَنِي سَلِمَةَ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَنْكَرَ مِنْهُمْ بَعْضَ مَا سَمِعَ .
ثُمَّ الْقِصَّةُ مِنْ صِفَتِهِمْ حَتَّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ إلَى قَوْلِهِ : مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ وَكَانَ الَّذِي قَالَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ الْجُلَاسَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ صَامِتٍ ، فَرَفَعَهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ كَانَ فِي حِجْرِهِ ، يُقَالُ لَهُ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ ، فَأَنْكَرَهَا وَحَلَفَ بِاَللَّهِ مَا قَالَهَا ، فَلَمَّا نَزَلَ فِيهِمْ الْقُرْآنُ تَابَ وَنَزَعَ ، وَحَسُنَتْ حَالُهُ وَتَوْبَتُهُ ، فِيمَا بَلَغَنِي .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَكَانَ الَّذِي عَاهَدَ اللَّهَ مِنْهُمْ ثَعْلَبَةَ بْنَ حَاطِبٍ ، وَمُعَتِّبَ بْنَ قُشَيْرٍ ، وَهُمَا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ . ثُمَّ قَالَ : الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَكَانَ الْمُطَّوِّعُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ، وَعَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ أَخَا بَنِي الْعَجْلَانِ ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَغَّبَ فِي الصَّدَقَةِ ، وَحَضَّ عَلَيْهَا ، فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، فَتَصَدَّقَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ ، وَقَامَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ ، فَتَصَدَّقَ بِمِئَةِ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ ، فَلَمَزُوهُمَا وَقَالُوا مَا هَذَا إلَّا رِيَاءٌ ، وَكَانَ الَّذِي تَصَدَّقَ بِجَهْدِهِ أَبُو عُقَيْلٍ أَخُو بَنِي أُنَيْفٍ ، أَتَى بِصَاعِ مِنْ تَمْرٍ ، فَأَفْرَغَهَا فِي الصَّدَقَةِ ، فَتَضَاحَكُوا بِهِ ، وَقَالُوا : إنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَاعِ أَبِي عُقَيْلٍ . ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ ، حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِهَادِ ، [2/552] وَأَمَرَ بِالسَّيْرِ إلَى تَبُوكَ ، عَلَى شِدَّةِ الْحَرِّ وَجَدْبِ الْبِلَادِ ، فَقَالَ تَعَالَى : وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا إلَى قَوْلِهِ : وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ