[1/390] خبر بناء الكرخ
أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل القطان ، قال : أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، قال : حدثنا يعقوب بن سفيان ، قال : سنة سبع وخمسين ومائة فيها نقل أبو جعفر الأسواق من المدينة ومدينة الشرقية إلى باب الكرخ وباب الشعير والمحول ، وهي السوق التي تعرف بالكرخ ، وأمر ببنائها من ماله على يدي الربيع مولاه . وفيها وسع طرق المدينة وأرباضها ووضعها على مقدار أربعين ذراعا ، وأمر بهدم ما شخص من الدور عن ذلك القدر .
أخبرني أبو القاسم الأزهري قال : أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي قال : فلما دخلت سنة سبع وخمسين ، وكان أبو جعفر قد ولى الحسبة يحيى بن زكريا ، فاستغوى العامة ، وزين لهم الجموع ، فقتله أبو جعفر بباب الذهب ، وحول أسواق المدينة إلى باب الكرخ وباب الشعير وباب المحول ، وأمر ببناء الأسواق على يد الربيع ، وأوسع الطرق بمدينة السلام وجعلها على أربعين ذراعا وأمر بهدم ما شخص من الدور عن ذلك المقدار . وفي سنة ثمان وخمسين بنى المنصور قصره على دجلة وسماه الخلد .
أخبرنا محمد بن علي الوراق وأحمد بن علي المحتسب ؛ قالا : أخبرنا محمد بن جعفر النحوي ، قال : حدثنا الحسن بن محمد السكوني قال : قال محمد بن خلف : قال الخوارزمي ، يعني محمد بن موسى : وحول أبو جعفر [1/391] الأسواق إلى الكرخ وبناها من ماله بعد مائة سنة وست وخمسين سنة وخمسة أشهر وعشرين يوما ، ثم بدأ بعد ذلك في بناء قصر الخلد على شاطئ دجلة بعد شهر وأحد عشر يوما .
قال محمد بن خلف : وأخبرني الحارث بن أبي أسامة قال : لما فرغ أبو جعفر المنصور من مدينة السلام ، وصير الأسواق في طاقات مدينته من كل جانب ، قدم عليه وفد ملك الروم ، فأمر أن يطاف بهم في المدينة ثم دعاهم ، فقال للبطريق : كيف رأيت هذه المدينة ؟ قال : رأيت أمرها كاملا إلا في خلة واحدة . قال : ما هي ؟ قال : عدوك يخترقها متى شاء وأنت لا تعلم ، وأخبارك مبثوثة في الآفاق لا يمكنك سترها . قال : كيف ؟ قال : الأسواق فيها ، والأسواق غير ممنوع منها أحد فيدخل العدو كأنه يريد أن يتسوق ، وأما التجار فإنها ترد الآفاق فيتحدثون بأخبارك . قال : فزعموا أنه أمر المنصور حينئذ بإخراج الأسواق من المدينة إلى الكرخ ، وأن يبنى ما بين الصراة إلى نهر عيسى ، وولى ذلك محمد بن حبيش الكاتب ، ودعا المنصور بثوب واسع فحد فيه الأسواق ، ورتب كل صنف منها في موضعه ، وقال : اجعلوا سوق القصابين في آخر الأسواق ، فإنهم سفهاء وفي أيديهم الحديد القاطع . ثم أمر أن يبنى لأهل الأسواق مسجد يجتمعون فيه يوم الجمعة لا يدخلون المدينة ويفرد لهم ذلك ، وقلد ذلك رجلا يقال له : الوضاح بن شبا ، فبنى القصر الذي يقال له : قصر الوضاح والمسجد فيه ، وسميت الشرقية لأنها في شرقي الصراة ، ولم يضع المنصور على الأسواق غلة حتى مات . فلما استخلف المهدي أشار عليه أبو عبيد الله بذلك ، فأمر فوضع على الحوانيت الخراج ، وولى [1/392] ذلك سعيدا الخرسي سنة سبع وستين ومائة .
أخبرنا محمد بن علي وأحمد بن علي ؛ قالا : أخبرنا محمد بن جعفر النحوي ، قال : حدثنا الحسن بن محمد السكوني قال : قال محمد بن خلف : كانت سوق دار البطيخ قبل أن تنقل إلى الكرخ في درب يعرف بدرب الأساكفة ، ودرب يعرف بدرب الزيت ، ودرب يعرف بدرب العاج ، فنقلت السوق إلى داخل الكرخ في أيام المهدي ، ودخل أكثر الدروب في الدور التي اشتراها أحمد بن محمد الطائي . وكانت القطائع التي من جانب الصراة مما يلي باب المحول لعقبة بن جعفر بن محمد بن الأشعث ، من ولد أهبان بن صيفي مكلم الذئب ، إقطاعا من المنصور ، ثم خرج عقبة إلى المأمون فنهبت داره ، ثم أقطعها المأمون ولد عيسى بن جعفر . وكانت الدور التي بين الخندق مما يلي باب البصرة وشط الصراة وإزاء دور الصحابة للأشاعثة ، وهي دور آل حماد بن زيد اليوم . وكانت دار جعفر بن محمد بن الأشعث الكندي مما يلي باب المحول ثم صارت للعباس ابنه .
حدثني الحسن بن أبي طالب ، قال : حدثنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز ، قال : حدثنا أبو عبيد الناقد ، قال : حدثنا محمد بن غالب ، قال : سمعت عبد الرحمن بن يونس أبا مسلم يذكر عن الواقدي ، قال : الكرخ مغيض السفل .
قلت : إنما عنى الواقدي بقوله هذا مواضع من الكرخ مخصوصة يسكنها الرافضة دون غيرهم ، ولم يرد سائر نواحي الكرخ ، والله أعلم .
أنشدنا الحسن بن أبي بكر بن شاذان ، قال : أنشدنا أبي ، قال : أنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه لنفسه [ من الطويل ] :
[1/393] سقى أربع الكرخ الغوادي بديمة وكل ملث دائم الهطل مسبل منازل فيها كل حسن وبهجة وتلك لها فضل على كل منزل