[7/309] 453 - بَابُ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ : تُحْرِزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ : عَتِيقَهَا ، وَلَقِيطَهَا ، وَوَلَدَهَا الَّذِي تُلَاعِنُ عَلَيْهِ .
2870 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الْحِمْصِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ سُلَيْمٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ رُؤْبَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ النَّصْرِيِّ ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تُحْرِزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ : عَتِيقَهَا ، وَلَقِيطَهَا ، وَوَلَدَهَا الَّذِي تُلَاعِنُ عَلَيْهِ .
[7/] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُحْرِزُ وَلَاءَ مَنِ الْتَقَطَتْهُ ، فَتَأَمَّلْنَا ذَلِكَ فَوَجَدْنَاهُ مُحْتَمِلًا أَنْ يَكُونَ وَلَاءُ مَنِ الْتَقَطَتْهُ يَجِبُ لَهَا بِالْتِقَاطِهَا إِيَّاهُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِذْ كَانَ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ ، كَمَا لَا نَسَبَ لَهُ مِنْ أَحَدٍ يَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ سَائِرِ النَّاسِ سِوَاهُ مِمَّنْ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ ، فَيَكُونُ لَهُ مُوَالَاةُ مَنْ شَاءَ مِنَ النَّاسِ ، وَيَكُونُ الْأَوْلَى بِهِ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الَّذِي الْتَقَطَهُ وَكَفَلَهُ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ سَبَبًا لِحَيَاتِهِ ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُوَالِيَ سِوَاهُ مِنَ النَّاسِ ، إِذْ لَا أَحَدَ مِنْهُمْ لَهُ عَلَيْهِ مِثْلُ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ مِمَّا ذَكَرْنَا ، فَيَكُونُ الْأَوْلَى بِهِ مُوَالَاتَهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ ، كَمِثْلِ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي إِسْلَامِ الرَّجُلِ عَلَى يَدَيِ الرَّجُلِ أَنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ مَوْلَاهُ ، وَمَا صَرَفْنَا إِلَيْهِ مِنَ التَّأْوِيلِ لَهُ فِي الْبَابِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيهِ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا ، وَيَكُونُ مَا حَرَزَتْهُ الْمَرْأَةُ مِنَ الَّذِي الْتَقَطَتْهُ هُوَ مَا يَلْزَمُهُ لَهَا ، فَيَكُونُ الْأَوْلَى بِهِ لِذَلِكَ أَنْ لَا يُوَالِيَ غَيْرَهَا إِلَّا أَنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ مَوْلًى لَهَا قَبْلَ أَنْ يُوَالِيَهَا .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى . مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ ، أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سُنَيْنٍ أَبِي جَمِيلَةَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ ، أَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا فِي زَمَنِ [7/] عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فَقَالَ : مَا حَمَلَكَ عَلَى أَخْذِ هَذَا النَّسَمَةِ ؟ فَقَالَ : وَجَدْتُهَا ضَائِعَةً ، فَأَخَذْتُهَا ، فَقَالَ لَهُ عَرِيفِيٌٌّّ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ ، قَالَ : أَكَذَاكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : فَاذْهَبْ ، فَهُوَ حُرٌّ وَلَكَ وَلَاؤُهُ ، وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ .
قَالَ مَالِكٌ : وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمَنْبُوذِ أَنَّهُ حُرٌّ ، وَأَنَّ وَلَاءَهُ لِلْمُسْلِمِينَ يَرِثُونَهُ وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ .
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ ، قَالَ : أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ سُنَيْنًا أَبَا جَمِيلَةَ يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ : وَجَدْتُ مَنْبُوذًا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، فَذَكَرَهُ عَرِيفِي لِعُمَرَ ، فَقَالَ : ادْعُهُ ، فَجِئْتُهُ ، فَقَالَ : مَا لَكَ وَلِهَذَا ؟ قُلْتُ : وَجَدْتُ نَفْسًا [7/] مُضَيَّعَةً فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَأْجُرَنِي اللهُ فِيهَا ، فَقَالَ : هُوَ حُرٌّ ، وَلَكَ وَلَاؤُهُ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَقَدْ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللهُ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ قَوْلَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِأَبِي جَمِيلَةَ فِي لَقِيطِهِ هَذَا : هُوَ حُرٌّ ، وَلَكَ وَلَاؤُهُ ، أَيْ : بِجَعْلِي إِيَّاهُ لَكَ ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ الَّذِي يَدُهُ عَلَى الصَّبِيِّ الَّذِي لَا وَلَاءَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ وَلَاءَهُ لِمَنْ شَاءَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَيَكُونَ بِذَلِكَ مَوْلَاهُ ، كَمَا يَكُونُ مَوْلَاهُ لَوْ وَالَاهُ وَهُوَ بَالِغٌ صَحِيحُ الْعَقْلِ ، وَهَذَا مُحْتَمِلُ لِمَا قَالَ .
وَكَذَلِكَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ وَأَصْحَابُهُ جَمِيعًا يَقُولُونَ فِي اللَّقِيطِ : إِنَّهُ حُرٌّ ، وَيُوَالِي مَنْ شَاءَ إِذَا كَبُرَ ، فَإِنْ لَمْ يُوَالِ أَحَدًا حَتَّى مَاتَ ، كَانَ وَلَاؤُهُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ ، وَكَانَ مِيرَاثُهُ يُوضَعُ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ ، وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً قَبْلَ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا فَعَقْلُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ .
وَمَعْنَى مَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : هُوَ حُرٌّ ، لَيْسَ وَجْهُهُ عِنْدَنَا [7/] وَاللهُ أَعْلَمُ - بِحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا فِي الْحَقِيقَةِ ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هُوَ حُرٌّ عَلَى ظَاهِرِهِ ؛ لِأَنَّ النَّاسَ جَمِيعًا عَلَى الْحُرِّيَّةِ حَتَّى تَقُومَ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِهَا ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي اللَّقِيطِ أَيْضًا .
مَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْعَطَّارُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : الْمَنْبُوذُ حُرٌّ ، يَعْنِي اللَّقِيطَ ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُوَالِيَ الَّذِي الْتَقَطَهُ وَالَاهُ ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَهُ وَالَاهُ .
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَمَعْنَى قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : هُوَ حُرٌّ ، كَمَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : هُوَ حُرٌّ ، فِي حَدِيثِهِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ قَبْلَ هَذَا الْحَدِيثِ .
وَفِي قَوْلِ عَلِيٍّ : فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُوَالِيَ الَّذِي الْتَقَطَهُ وَالَاهُ ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَهُ وَالَاهُ ، مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ قَوْلَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِأَبِي جَمِيلَةَ : لَكَ وَلَاؤُهُ ، بِمَعْنَى : بِجَعْلِنَا إِيَّاهُ لَكَ ، لَا أَنَّ لَكَ وَلَاءَهُ بِالْتِقَاطِكَ إِيَّاهُ دُونَ مُوَالَاتِهِ إِيَّاكَ ، وَاللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .