[13/37] 798 - بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - فِي أَمْرِهِمَا بِاتِّهَامِ الرَّأْيِ بِمَا يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ
حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَكِيمٍ الْبَصْرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ - يَعْنِي الْعُمَيْرِيَّ - قَالَ : حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ ، قَالَ : اتَّهِمُوا الرَّأْيَ عَلَى الدِّينِ .
5036 - وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ ، قَالَ : [13/38] حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا حَصِينٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو وَائِلٍ : لَمَّا قَدِمَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مِنْ صِفِّينَ ، أَتَيْنَاهُ نَسْتَخْبِرُهُ ، فَقَالَ : اتَّهِمُوا الرَّأْيَ ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ ، وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرَهُ لَرَدَدْتُ .
5037 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا [13/39] هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ - يَعْنِي الْحَمَّالَ - قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَوْمَ الْجَمَلِ وَيَوْمَ صِفِّينَ ، يَقُولُ : اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ ، وَلَوِ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَرَدَدْتُهُ .
5038 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا هَارُونُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِي ابْنَ سِيَاهٍ - عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، قَالَ : أَتَيْتُ أَبَا وَائِلٍ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : قَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ : أَيُّهَا النَّاسُ ، اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ ، لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ - يَعْنِي الصُّلْحَ الَّذِي كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ - وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا .
[13/40] فَكَانَ مَا فِي حَدِيثَيْ عُمَرَ وَسَهْلٍ هَذَيْنِ ، عَلَى أَنَّ الرَّأْيَ قَدْ يُصَابُ بِهِ حَقِيقَةُ الصَّوَابِ ، وَقَدْ يُقَصِّرُ فِيهِ عَنْ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ اسْتِعْمَالُ الرَّأْيِ فِي الْحَوَادِثِ الَّتِي لَا تُوجَدُ الْأَحْكَامُ فِيهَا فِي الْكِتَابِ ، وَلَا فِي السُّنَّةِ ، وَلَا فِي إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ مَنْصُوصًا ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أُبِيحَ اجْتِهَادُ الرَّأْيِ فِي ذَلِكَ ، وَأُطْلِقَ لَنَا الْحُكْمُ بِهِ ، قَدْ يَكُونُ فِيهِ إِصَابَةُ الصَّوَابِ فِي تِلْكَ الْحَوَادِثِ ، وَقَدْ يَكُونُ التَّقْصِيرُ عَنْ ذَلِكَ ، وَإِنْ كُنَّا مَحْمُودِينَ فِي اجْتِهَادِنَا فِي ذَلِكَ ، إِذْ لَا نَسْتَطِيعُ غَيْرَ مَا قَدْ فَعَلْنَاهُ فِيهِ ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا فِي الْحُكَّامِ ذَوِي الْخِلَافِ ، إِذَا حَكَمُوا فَأَصَابُوا ، فَإِنَّ لَهُمْ أَجْرَيْنِ ، وَإِذَا حَكَمُوا فَأَخْطَؤُوا فَإِنَّ لَهُمْ أَجْرًا وَاحِدًا ، إِذْ كَانُوا قَدِ اجْتَهَدُوا بِالْآلَاتِ الَّتِي يُجْتَهَدُ بِمِثْلِهَا ، فَأَصَابُوا حَقِيقَةَ الْوَاجِبِ فِيمَا اجْتَهَدُوا فِيهِ ، أَوْ قَصَّرُوا عَنْهُ ، وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ السَّلَامَةِ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ الْفِقْهَ ، فَأَمَّا مَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ قَدْ دَخَلَ فِي الْغُلُوِّ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ : إِنَّهُ إِذَا حَكَمَ بِالِاجْتِهَادِ وَمَعَهُ الْآلَةُ الَّتِي لِأَهْلِهَا اجْتِهَادٌ ، أَنَّهُ قَدْ حَكَمَ بِالْحَقِّ الَّذِي لَوْ نَزَلَ الْقُرْآنُ مَا نَزَلَ إِلَّا بِهِ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ وَمِنْ أَهْلِهِ ، وَإِنْ كَانَ بِحَمْدِ اللهِ قَوْلًا مُنْكَسِرًا ، وَأَهْلُهُ مَحْجُوجُونَ بِمَا لَا يَسْتَطِيعُونَ دَفْعَهُ ، وَلَا الْخُرُوجَ مِنْهُ ، فَمِمَّنْ كَانَ غَلَا فِي ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ .
فَحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، قَالَ : لَمَّا بَلَغَنِي هَذَا الْقَوْلُ [13/41] عَنْهُ أَعْظَمْتُهُ ، فَأَتَيْتُهُ فِي يَوْمِي الَّذِي بَلَغَنِي ذَلِكَ الْقَوْلُ عَنْهُ فِيهِ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ لِأُحَقِّقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ قَالَهُ ، فَقَالَ لِي : قَدْ قُلْتُهُ ، قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : هَلِ اسْتَعْمَلْتَ فِي مَسْأَلَةٍ مِنَ الْفِقْهِ رَأْيَكَ ، وَاجْتَهَدْتَ فِيهَا حَتَّى بَلَغْتَ عِنْدَ نَفْسِكَ غَايَةَ الِاجْتِهَادِ الَّذِي عَلَيْكَ فِيهَا ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَكَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الصَّوَابَ فِي غَيْرِ الَّذِي كَانَ أَدَّاكَ إِلَيْهِ اجْتِهَادُكَ فِيهَا ؟ فَقَالَ لِي : نَعَمْ ، نَحْنُ فِي هَذَا أَكْثَرَ نَهَارِنَا ، قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : فَأَيُّ الْقَوْلَيْنِ الَّذِي لَوْ نَزَلَ الْقُرْآنُ نَزَلَ بِهِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ ، هَلْ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ الَّذِي قُلْتَهُ فِيهَا ، أَوْ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي الَّذِي قُلْتَهُ فِيهَا ، وَقَدْ بَلَغْتَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ الَّذِي عَلَيْكَ أَنْ تَبْلُغَهُ فِيهِ مِنَ الِاجْتِهَادِ ؟ قَالَ : فَانْقَطَعَ وَاللهِ فِي يَدِي أَقْبَحَ انْقِطَاعٍ ، وَمَا رَدَّ عَلَيَّ حَرْفًا.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَقَدْ أَجَادَ أَبُو جَعْفَرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فِي ذَلِكَ وَأَقَامَ لِلهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي حُجَّةٍ مِنْ حُجَجِهِ عَلَى مَنْ خَرَجَ عَنْهَا ، وَغَلَا الْغُلُوَّ الَّذِي كَانَ فِيهِ مَذْمُومًا ، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .