[13/217] 826 - بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ضَحِكِ الْمَطَرِ وَمَنْطِقِهِ
5220 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ الصَّائِغُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الرِّيَاحِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : إِنِّي لَجَالِسٌ مَعَ عَمِّي حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ عَرَضَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ شَيْخٌ جَلِيلٌ ، فِي بَصَرِهِ بَعْضُ الضَّعْفِ مِنْ بَنِي غِفَارٍ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ حُمَيْدٌ فَدَعَاهُ ، فَلَمَّا أَقْبَلَ ، قَالَ : ابْنَ أَخِي ، إِنَّ هَذَا قَدْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ ، أَوْسِعْ لَهُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ ، فَأَوْسَعْتُ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ حُمَيْدٌ : الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْتَ أَنَّكَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُهُ فِي السَّحَابِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : إِنَّ اللهَ يُنْشِئُ السَّحَابَ ، فَيَنْطِقُ أَحْسَنَ الْمَنْطِقِ ، وَيَضْحَكُ أَحْسَنَ الضَّحِكِ .
[13/218] فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ ، فَوَجَدْنَا مَا فِيهِ مَوْجُودًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، فَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ ، قَالَ : تَقُولُ الْعَرَبُ : يَوْمٌ ضَاحِكٌ مُصْحٌ ، وَسَحَابٌ نَاطِقٌ هَاطِلٌ ، تَذْهَبُ بِنُطْقِهِ إِلَى رُجُوعِهِ وَمَطَرِهِ ، لِأَنْوَاءٍ يَعْرِفُونَهُ [بِهَا] .
قَالَ الْفَرَّاءُ : وَسَمِعْتُ أَبَا ثَرْوَانَ يَقُولُ : شَتَوْنَا بِأَرْضٍ سَهْلٍ عُبُورُهَا ، كَثِيرٍ حُبُورُهَا ، نَاطِقٍ سَحَابُهَا ، ضَاحِكٍ جَنَّاتُهَا .
فَأَخْبَرَ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِأَفْعَالِ الْآدَمِيِّينَ لِثُبُوتِ الْمَعْرِفَةِ عَلَى مَا قَصَدَ لَهُ بِوَصْفِ السَّحَابِ بِالنُّطْقِ ، يُرِيدُ غَزَارَةَ مَائِهِ ، وَوَصَفَ الْجَنَّاتِ بِالضَّحِكِ ، لِخُرُوجِ زَهْرِهِ ، وَكَبِيرِ مَرْعَاهُ . قَالَ : وَفِي أَمْثَالِهِمْ : نَطَقَ الشَّيْبُ فِي رَأْسِهِ ، وَضَحِكَ الشَّيْبُ كَذَلِكَ أَيْضًا : إِذَا ظَهَرَ ، وَكَذَلِكَ : مَالَ الْجِدَارُ ، وَاحْتَرَقَ الثَّوْبُ ، كُلُّ هَذَا مَعْقُولٌ فِي الْمَعْنَى ، فَخَاطَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَقَوْمُهُ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ ذُرْوَتُهَا وَسَنَامُهَا - الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ بِذَلِكَ -وَهُمْ عَرَبٌ - بِمَا يَفْهَمُونَهُ عَنْهُ ، وَيَعْقِلُونَهُ مِنْ مُرَادِهِ ; لِأَنَّ اللهَ إِنَّمَا أَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ بِلِسَانِهِمْ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ كَمَا قَالَ - عَزَّ وَجَلَّ - : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَخَاطَبَهُمْ بِلِسَانِهِمْ لِعِلْمِهِ بِفَهْمِهِمْ عَنْهُ مَا خَاطَبَهُمْ بِهِ ، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .