[15/399] 992 - بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي السَّبَبِ الَّذِي نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ .
6114 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ . قَالَ : كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الْأَنْصَارِ لَا يَكَادُ يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ ، فَتَحْلِفُ لَئِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ لَتَجْعَلَنَّهُ فِي الْيَهُودِيَّةِ ، فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ إِذَا فِيهِمْ نَاسٌ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَبْنَاؤُنَا ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى : لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ . قَالَ سَعِيدٌ : فَمَنْ شَاءَ لَحِقَ بِهِمْ ، وَمَنْ شَاءَ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ .
[15/400] 6115 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ قَالَ :
سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ، قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ قُلْتُ : خَاصَّةً ؟ قَالَ : خَاصَّةً ؛ كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا كَانَتْ نَزْرَةً أَوْ مِقْلَاتًا تَنْذُرُ : إِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا تَجْعَلُهُ فِي الْيَهُودِ ، تَلْتَمِسُ بِذَلِكَ طُولَ بَقَائِهِ ، فَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَفِيهِمْ مِنْهُمْ ، فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَبْنَاؤُنَا وَإِخْوَانُنَا فِيهِمْ ، فَسَكَتَ عَنْهُمْ ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خَيِّرُوا أَصْحَابَكُمْ ، فَإِنِ اخْتَارُوكُمْ فَهُمْ مِنْكُمْ ، وَإِنِ اخْتَارُوهُمْ فَهُمْ مِنْهُمْ . قَالَ : فَأَجْلَاهُمْ مَعَهُمْ ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي حَدِيثِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ .
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مِنَ الْفِقْهِ يَخْتَلِفُ أَهْلُهُ فِيهَا [15/401] فَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ : مَنِ انْتَحَلَ دِينَ الْيَهُودِ أَوِ النَّصَارَى مِنَ الْعَرَبِ صَارَ مِنْهُمْ ، وَكَانَ لَهُمْ حُكْمُهُمْ فِي حِلِّ ذَبِيحَتِهِمْ وَفِي حِلِّهِ لَنَا إِنْ كَانَتِ امْرَأَةً ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كُلُوا مِنْ ذَبَائِحِ بَنِي تَغْلِبَ ، وَتَزَوَّجُوا مِنْ نِسَائِهِمْ ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ " .
وَمِمَّنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ : أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ ، وَلَا يَخْتَلِفُ عِنْدَهُمْ دُخُولُهُمْ فِي ذَلِكَ أَيَّ وَقْتٍ مَا دَخَلُوا فِيهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ فِي الْإِسْلَامِ .
[15/402] وَقَدْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ ، فَقَالُوا : إِنَّ ذَبَائِحَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ لَا تَحِلُّ لَنَا ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - .
كَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَبِيدَةَ قَالَ :
سَأَلْتُ عَلِيًّا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ ؟ فَقَالَ : لَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا مِنْ دِينِهِمْ إِلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ .
0 وَكَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ عَبِيدَةَ ، عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مِثْلَهُ .
[15/403] وَكَمَا حَدَّثَنَا أَبُو قُرَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّعَيْنِيُّ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ ، عَنْ مُسْلِمٍ يَعْنِي الْمُلَائِيَّ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ .
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : كَانَ يَنْهَى عَنْ ذَبَائِحِ الْمَجُوسِ وَنَصَارَى الْعَرَبِ ، وَإِنْ ذَكَرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا .
فَكَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ حَرْفٌ يَجِبُ الْوُقُوفُ عَلَى مَعْنَاهُ ، قَوْلُهُ فِي نَهْيِهِ عَنْ ذَبَائِحِهِمْ : فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا مِنْ دِينِهِمْ إِلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَوْ تَعَلَّقُوا بِشَرَائِعِ دِينِهِمْ لَكَانُوا فِي ذَلِكَ بِخِلَافِهِمْ ، لَكِنْ لَمَّا تَعَلَّقُوا بِبَعْضِهَا وَتَرَكُوا بَعْضَهَا لَمْ يَتَعَلَّقُوا بِشَيْءٍ ، وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَقَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَا فِي ذَلِكَ سَوَاءً .
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي السَّبَبِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ مَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ ، وَفِيهِ مَعْنًى يَجِبُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ ; وَهُوَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْكُفَّارِ مِنْ رِجَالِهِمْ كَانَ وَلَدُهُ الصَّغِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ ، هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ جَمِيعًا ، وَيَخْتَلِفُونَ فِي إِسْلَامِ الْأُمِّ دُونَ إِسْلَامِ الْأَبِ ، فَيَجْعَلُهُ بَعْضُهُمْ كَإِسْلَامِ الْأَبِ فِي ذَلِكَ ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ سِوَاهُمْ .
وَيَأْبَى ذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَلَا يَجْعَلُهُ كَإِسْلَامِ الْأَبِ ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ أَبَاحَ لَهُمَ الْإِقَامَةَ [15/404] عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ ، وَإِخْوَانِهِمْ كَانُوا كُفَّارًا حِينَئِذٍ لَيْسُوا مِمَّنْ حُكْمُهُمْ حُكْمُ آبَائِهِمْ ، فَلِذَلِكَ خَلَّى بَيْنَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ .
ثُمَّ وَجَدْنَا أَهْلَ الْعِلْمِ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ تَهَوَّدَ مِنَ الْعَرَبِ ، فَيَقُولُونَ هُوَ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ الدِّينِ فِي أَيِّ زَمَانٍ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ فِيهِ ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ .
وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ : إِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ قَبْلَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ خُلِّيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ مُنِعُوا مِنْ ذَلِكَ ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ .
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكْشِفْ عَمَّنْ خُلِّيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ وَإِخْوَانِهِمْ عَنْ دُخُولِهِمْ فِي الْيَهُودِيَّةِ مَتَى كَانَ ؟ هَلْ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ أَوْ قَبْلَهُ ; لِأَنَّ الْفُرْقَانَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ فِيهِ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنْهُ بِمَكَّةَ ، وَقَدْ أَقَامَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ سِنِينَ ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ أَنْ قَدِمَهَا مُهَاجِرًا إِلَيْهَا قَبْلَ إِجْلَائِهِ بَنِي النَّضِيرِ سَبْعَ سِنِينَ ، فَكَانَ فِي تَرْكِ السُّؤَالِ عَمَّنْ تَهَوَّدَ بِهَا مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ : هَلْ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ أَوْ قَبْلَ نُزُولِهِ .
فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَا مُفْتَرِقَيْنِ لَكَشَفَ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يُعْلَمَ كَيْفَ كَانَ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ فِيهِ ، فَيَرُدُّ كُلًّا إِلَى مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ ، وَكَيْفَ يُؤْخَذُ كَافِرٌ دَخَلَ فِي كُفْرٍ بِرُجُوعٍ إِلَى كُفْرٍ آخَرَ ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ النَّاسُ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْإِسْلَامِ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَهُ لَا بِرُجُوعٍ [15/405] مِنْ مِلَّةِ الْكُفْرِ إِلَى مِلَّةٍ أُخْرَى مِنْ مِلَلِ الْكُفْرِ .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَإِنِّي لَا آخُذُهُ بِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ ذَكَرْتَ ، لَكِنِّي أَقُولُ لَهُ : إِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى مَا كُنْتَ عَلَيْهِ أَوْ تُؤْذَنَ بِحَرْبٍ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ : أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِذَلِكَ أَيْضًا ; لِأَنِّي لَا أَرُدُّهُ إِلَى مَا دَعَاهُ اللهُ إِلَيْهِ ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَدْعُهُ اللهُ إِلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا صَارَ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ ، وَبِاللهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .