3796 - وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَجِدَ طَعْمَ الْإِيمَانِ ، فَلْيُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلهِ عَزَّ وَجَلَّ .
قَالَ : فَهَذَا قَدْ يُحْمَدُ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِاكْتِسَابِهِ إِيَّاهُ ، وَالَّذِي فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْبَابِ يَنْفِي أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ اكْتِسَابٌ ، فَهَذَانِ مَعْنَيَانِ مُتَضَادَّانِ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ : أَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ كَمَا ظَنَّهُ ، وَأَنَّهُ لَا تَضَادَّ فِي شَيْءٍ مِمَّا قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; [9/408] لِأَنَّ مَا قَالَهُ فَإِنَّمَا هُوَ وَحْيٌ يُوحَى قَدْ تَوَلَّاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ ، وَلَكِنْ مَعْنَى الْأَحَادِيثِ الْأُوَلِ - وَاللهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْمَحَبَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِيهَا مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ يُحِبُّهُ مِنْ عِبَادِهِ يَكُونُ بَعْدَمَا قَدْ كَانَ مِنْهُمْ مَا أَحَبَّهُمْ عَلَيْهِ ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } . فَكَانَتْ مَحَبَّتُهُ عَزَّ وَجَلَّ إِيَّاهُمْ بِاتِّبَاعِهِمْ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَذَلِكَ مِمَّا قَدْ يَكُونُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ ، فَإِذَا اتَّبَعُوهُ صَارُوا لِرَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ أَوْلِيَاءَ ، فَأَلْقَى فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ مَحَبَّتَهُمْ ، فَيُحِبُّونَهُمْ بِاخْتِيَارِهِمْ ، فَيُثِيبُهُمْ عَلَى ذَلِكَ كَمَثَلِ مَا يُلْقِي فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلا مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً } . فَأَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا تَفَضَّلَ بِهِ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مِمَّا أَلْقَاهُ فِي قُلُوبِهِمْ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُمْ مَا يَحْمَدُهُمْ عَلَيْهِ ، فَيَأْجُرُهُمْ ، وَيُثِيبُهُمْ عَلَيْهِ ، فَمِثْلُ ذَلِكَ الْمَحَبَّةُ لِأَوْلِيَاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِتَحْبِيبِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى مَنْ يُحَبِّبُهُمْ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ ، فَيُحِبُّونَهُمْ بِاخْتِيَارِهِمْ ، وَبِاكْتِسَابِ مَحَبَّتِهِمْ ، فَيَأْجُرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، وَيُثِيبُهُمْ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا مَنْ أَبْغَضَهُ مِنْ عِبَادِهِ بِخُرُوجِهِ عَنْ رَسُولِهِ ، وَلِعُنُودِهِ عَنْ أَمْرِهِ يُبْغِضُهُ عَزَّ وَجَلَّ لِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ عَدُوًّا ، فَيُوقِعُ فِي قُلُوبِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ بُغْضَهُ ، فَيُبْغِضُونَهُ بِاكْتِسَابِهِمْ لِذَلِكَ ، فَيُؤْجَرُونَ عَلَى بُغْضِهِمْ إِيَّاهُ ، وَيُثَابُونَ عَلَى ذَلِكَ ، فَقَدْ بَانَ بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ جَمِيعُ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ ، أَنَّهُ لَا تَضَادَّ فِيهِ ، وَلَا مُخَالَفَةَ لِبَعْضِهِ بَعْضًا
، وَاللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
.
3796 - وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَجِدَ طَعْمَ الْإِيمَانِ ، فَلْيُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلهِ عَزَّ وَجَلَّ .
قَالَ : فَهَذَا قَدْ يُحْمَدُ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِاكْتِسَابِهِ إِيَّاهُ ، وَالَّذِي فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْبَابِ يَنْفِي أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ اكْتِسَابٌ ، فَهَذَانِ مَعْنَيَانِ مُتَضَادَّانِ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ : أَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ كَمَا ظَنَّهُ ، وَأَنَّهُ لَا تَضَادَّ فِي شَيْءٍ مِمَّا قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; [9/408] لِأَنَّ مَا قَالَهُ فَإِنَّمَا هُوَ وَحْيٌ يُوحَى قَدْ تَوَلَّاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ ، وَلَكِنْ مَعْنَى الْأَحَادِيثِ الْأُوَلِ - وَاللهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْمَحَبَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِيهَا مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ يُحِبُّهُ مِنْ عِبَادِهِ يَكُونُ بَعْدَمَا قَدْ كَانَ مِنْهُمْ مَا أَحَبَّهُمْ عَلَيْهِ ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } . فَكَانَتْ مَحَبَّتُهُ عَزَّ وَجَلَّ إِيَّاهُمْ بِاتِّبَاعِهِمْ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَذَلِكَ مِمَّا قَدْ يَكُونُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ ، فَإِذَا اتَّبَعُوهُ صَارُوا لِرَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ أَوْلِيَاءَ ، فَأَلْقَى فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ مَحَبَّتَهُمْ ، فَيُحِبُّونَهُمْ بِاخْتِيَارِهِمْ ، فَيُثِيبُهُمْ عَلَى ذَلِكَ كَمَثَلِ مَا يُلْقِي فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلا مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً } . فَأَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا تَفَضَّلَ بِهِ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مِمَّا أَلْقَاهُ فِي قُلُوبِهِمْ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُمْ مَا يَحْمَدُهُمْ عَلَيْهِ ، فَيَأْجُرُهُمْ ، وَيُثِيبُهُمْ عَلَيْهِ ، فَمِثْلُ ذَلِكَ الْمَحَبَّةُ لِأَوْلِيَاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِتَحْبِيبِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى مَنْ يُحَبِّبُهُمْ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ ، فَيُحِبُّونَهُمْ بِاخْتِيَارِهِمْ ، وَبِاكْتِسَابِ مَحَبَّتِهِمْ ، فَيَأْجُرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، وَيُثِيبُهُمْ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا مَنْ أَبْغَضَهُ مِنْ عِبَادِهِ بِخُرُوجِهِ عَنْ رَسُولِهِ ، وَلِعُنُودِهِ عَنْ أَمْرِهِ يُبْغِضُهُ عَزَّ وَجَلَّ لِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ عَدُوًّا ، فَيُوقِعُ فِي قُلُوبِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ بُغْضَهُ ، فَيُبْغِضُونَهُ بِاكْتِسَابِهِمْ لِذَلِكَ ، فَيُؤْجَرُونَ عَلَى بُغْضِهِمْ إِيَّاهُ ، وَيُثَابُونَ عَلَى ذَلِكَ ، فَقَدْ بَانَ بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ جَمِيعُ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ ، أَنَّهُ لَا تَضَادَّ فِيهِ ، وَلَا مُخَالَفَةَ لِبَعْضِهِ بَعْضًا
، وَاللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
.