حَدِيثُ مُوسَى وَالْخَضِرِ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
45 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كُنَّا عِنْدَهُ فَقَالَ الْقَوْمُ : إِنَّ نَوْفًا الشَّامِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى الَّذِي ذَهَبَ يَطْلُبُ الْعِلْمَ لَيْسَ هُوَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ مُتَّكِئًا فَاسْتَوَى جَالِسًا ، فَقَالَ : أَكَذَلِكَ يَا سَعِيدُ ؟ قُلْتُ : أَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - : كَذَبَ نَوْفٌ ، حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى ، لَوْلَا أَنَّهُ اسْتَحَى وَأَخَذَتْهُ ذَمَامَةٌ ، فَقَالَ :
{
إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي
}
لَرَأَى
[25/290]
مِنْ صَاحِبِهِ عَجَبًا " .
قَالَ : وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا ذَكَرَ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ : " رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى صَالِحٍ ، وَرَحْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى أَخِي عَادٍ " ثُمَّ قَالَ : " إِنَّ مُوسَى بَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ قَوْمَهُ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ قَالَ لَهُمْ : مَا فِي الْأَرْضِ أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنِّي ، فَأَوْحَى اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - إِلَيْهِ أَنَّ فِي الْأَرْضِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنْ تَزَوَّدَ حُوتًا مَالِحًا ، فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهُوَ حَيْثُ تَفْقِدُهُ ، فَتَزَوَّدَ حُوتًا مَالِحًا وَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْمَوْضِعَ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ انْتَهَوْا إِلَى الصَّخْرَةِ ، وَانْطَلَقَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَطْلُبُ ، وَوَضَعَ فَتَاهُ الْحُوتَ عَلَى الصَّخْرَةِ فَاضْطَرَبَ فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ، قَالَ فَتَاهُ : إِذَا جَاءَ نَبِيُّ اللهِ حَدَّثْتُهُ ، فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ، فَانْطَلَقَا فَأَصَابَهُمَا مَا يُصِيبُ الْمُسَافِرِينَ مِنَ النَّصَبِ وَالْكَلَالِ ، وَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُهُ مَا يُصِيبُ الْمُسَافِرَ مِنَ النَّصَبِ وَالْكَلَالِ حَتَّى جَاوَزَ مَا أُمِرَ بِهِ ، فَقَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ : آتِنَا غَدَاءَنَا ؛ لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ، قَالَ فَتَاهُ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ ؟ فَإِنِّي نَسِيتُ أَنْ أُحَدِّثَكَ ، وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ، وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا . قَالَ : ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي ، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا يَقُصَّانِ الْأَثَرَ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ .
فَأَطَافَ بِهَا فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ مُسَجًّى ثَوْبًا لَهُ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، قَالَ : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : مُوسَى ، قَالَ : مَنْ مُوسَى ؟ قَالَ : مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، قَالَ : مَا لَكَ ؟ قَالَ : أُخْبِرْتُ أَنَّ عِنْدَكَ عِلْمًا فَأَرَدْتُ أَنْ أَصْحَبَكَ ،
{
قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا
}
،
{
قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا
*
قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا
}
، فَانْطَلَقَا حَتَّى رَكِبَا خَرَجَ مَنْ كَانَ فِيهَا وَتَخَلَّفَ لِيَخْرِقَهَا ، قَالَ لَهُ
[25/291]
مُوسَى :
{
أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا
}
؟
{
لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا
*
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا
}
،
{
قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا
}
، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا عَلَى غِلْمَانٍ يَلْعَبُونَ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ ، وَفِيهِمْ غُلَامٌ لَيْسَ فِي الْغِلْمَانِ أَنْظَفُ مِنْهُ ، فَأَخَذَهُ فَقَتَلَهُ ، فَنَفَرَ مُوسَى عِنْدَ ذَلِكَ وَقَالَ :
{
أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ
*
لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا
}
،
{
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا
}
، فَأَخَذَتْهُ ذَمَامَةٌ مِنْ صَاحِبِهِ فَاسْتَحْيَا ، فَقَالَ :
{
إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا
}
، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ لِئَامًا وَقَدْ أَصَابَ مُوسَى جَهْدٌ فَلَمْ يُضَيِّفُوهُمَا ،
{
فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ
}
، قَالَ لَهُ مُوسَى مِمَّا رَأَى فِيهِمْ مِنَ الْجَهْدِ :
{
لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا
}
، قَالَ :
{
هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ
}
، فَأَخَذَ مُوسَى بِطَرَفِ ثَوْبِهِ ، فَقَالَ :
{
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ
}
{
وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا
}
، فَإِذَا مَرَّ عَلَيْهَا فَرَآهَا مُتَخَرِّقَةً تَرَكَهَا وَرَقَّعَهَا أَهْلُهَا بِقِطْعَةِ خَشَبٍ فَانْتَفَعُوا بِهَا ، وَأَمَّا الْغُلَامُ فَإِنَّهُ طُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا ، وَكَانَ قَدْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ مَحَبَّةٌ مِنْ أَبَوَيْهِ ، وَلَوْ عَاشَ لَأَرْهَقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ،
{
فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا
}
وَوَقَعَ أَبُوهُ عَلَى أُمِّهِ فَعَلِقَتْ فَوَلَدَتْ خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ،
{
وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْـزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْـزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا
}
.
حَدِيثُ مُوسَى وَالْخَضِرِ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
45 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كُنَّا عِنْدَهُ فَقَالَ الْقَوْمُ : إِنَّ نَوْفًا الشَّامِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى الَّذِي ذَهَبَ يَطْلُبُ الْعِلْمَ لَيْسَ هُوَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ مُتَّكِئًا فَاسْتَوَى جَالِسًا ، فَقَالَ : أَكَذَلِكَ يَا سَعِيدُ ؟ قُلْتُ : أَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - : كَذَبَ نَوْفٌ ، حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى ، لَوْلَا أَنَّهُ اسْتَحَى وَأَخَذَتْهُ ذَمَامَةٌ ، فَقَالَ :
{
إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي
}
لَرَأَى
[25/290]
مِنْ صَاحِبِهِ عَجَبًا " .
قَالَ : وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا ذَكَرَ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ : " رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى صَالِحٍ ، وَرَحْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى أَخِي عَادٍ " ثُمَّ قَالَ : " إِنَّ مُوسَى بَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ قَوْمَهُ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ قَالَ لَهُمْ : مَا فِي الْأَرْضِ أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنِّي ، فَأَوْحَى اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - إِلَيْهِ أَنَّ فِي الْأَرْضِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنْ تَزَوَّدَ حُوتًا مَالِحًا ، فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهُوَ حَيْثُ تَفْقِدُهُ ، فَتَزَوَّدَ حُوتًا مَالِحًا وَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْمَوْضِعَ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ انْتَهَوْا إِلَى الصَّخْرَةِ ، وَانْطَلَقَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَطْلُبُ ، وَوَضَعَ فَتَاهُ الْحُوتَ عَلَى الصَّخْرَةِ فَاضْطَرَبَ فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ، قَالَ فَتَاهُ : إِذَا جَاءَ نَبِيُّ اللهِ حَدَّثْتُهُ ، فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ، فَانْطَلَقَا فَأَصَابَهُمَا مَا يُصِيبُ الْمُسَافِرِينَ مِنَ النَّصَبِ وَالْكَلَالِ ، وَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُهُ مَا يُصِيبُ الْمُسَافِرَ مِنَ النَّصَبِ وَالْكَلَالِ حَتَّى جَاوَزَ مَا أُمِرَ بِهِ ، فَقَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ : آتِنَا غَدَاءَنَا ؛ لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ، قَالَ فَتَاهُ : يَا نَبِيَّ اللهِ ، أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ ؟ فَإِنِّي نَسِيتُ أَنْ أُحَدِّثَكَ ، وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ، وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا . قَالَ : ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي ، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا يَقُصَّانِ الْأَثَرَ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ .
فَأَطَافَ بِهَا فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ مُسَجًّى ثَوْبًا لَهُ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، قَالَ : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : مُوسَى ، قَالَ : مَنْ مُوسَى ؟ قَالَ : مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، قَالَ : مَا لَكَ ؟ قَالَ : أُخْبِرْتُ أَنَّ عِنْدَكَ عِلْمًا فَأَرَدْتُ أَنْ أَصْحَبَكَ ،
{
قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا
}
،
{
قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا
*
قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا
}
، فَانْطَلَقَا حَتَّى رَكِبَا خَرَجَ مَنْ كَانَ فِيهَا وَتَخَلَّفَ لِيَخْرِقَهَا ، قَالَ لَهُ
[25/291]
مُوسَى :
{
أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا
}
؟
{
لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا
*
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا
}
،
{
قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا
}
، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا عَلَى غِلْمَانٍ يَلْعَبُونَ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ ، وَفِيهِمْ غُلَامٌ لَيْسَ فِي الْغِلْمَانِ أَنْظَفُ مِنْهُ ، فَأَخَذَهُ فَقَتَلَهُ ، فَنَفَرَ مُوسَى عِنْدَ ذَلِكَ وَقَالَ :
{
أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ
*
لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا
}
،
{
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا
}
، فَأَخَذَتْهُ ذَمَامَةٌ مِنْ صَاحِبِهِ فَاسْتَحْيَا ، فَقَالَ :
{
إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا
}
، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ لِئَامًا وَقَدْ أَصَابَ مُوسَى جَهْدٌ فَلَمْ يُضَيِّفُوهُمَا ،
{
فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ
}
، قَالَ لَهُ مُوسَى مِمَّا رَأَى فِيهِمْ مِنَ الْجَهْدِ :
{
لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا
}
، قَالَ :
{
هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ
}
، فَأَخَذَ مُوسَى بِطَرَفِ ثَوْبِهِ ، فَقَالَ :
{
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ
}
{
وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا
}
، فَإِذَا مَرَّ عَلَيْهَا فَرَآهَا مُتَخَرِّقَةً تَرَكَهَا وَرَقَّعَهَا أَهْلُهَا بِقِطْعَةِ خَشَبٍ فَانْتَفَعُوا بِهَا ، وَأَمَّا الْغُلَامُ فَإِنَّهُ طُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا ، وَكَانَ قَدْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ مَحَبَّةٌ مِنْ أَبَوَيْهِ ، وَلَوْ عَاشَ لَأَرْهَقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ،
{
فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا
}
وَوَقَعَ أَبُوهُ عَلَى أُمِّهِ فَعَلِقَتْ فَوَلَدَتْ خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ،
{
وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْـزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْـزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا
}
.