مَا قَدْ حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَاطِبٍ ، عَنْ أَبِيهِ هَكَذَا ، حَدَّثَنَاهُ بَحْرٌ ، وَإِنَّمَا هُوَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : أَتَى رَجُلَانِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فِي غُلَامٍ مِنْ وِلَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُ : هَذَا هُوَ ابْنِي ، وَيَقُولُ : هَذَا هُوَ ابْنِي ، فَدَعَا لَهُمَا عُمَرُ قَائِفًا مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْغُلَامِ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ الْمُصْطَلِقِيُّ ، ثُمَّ نَظَرَ ، ثُمَّ قَالَ لِعُمَرَ : وَالَّذِي أَكْرَمَكَ إِنِّي لَأَجِدُهُمَا قَدِ اشْتَرَكَا فِيهِ جَمِيعًا ، فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ حَتَّى اضْطَجَعَ ، ثُمَّ [12/255] قَالَ : وَاللهِ لَقَدْ ذَهَبَ بِكَ النَّظَرُ إِلَى غَيْرِ مَذْهَبٍ ، ثُمَّ دَعَا أُمَّ الْغُلَامِ ، فَسَأَلَهَا فَقَالَتْ : إِنَّ هَذَا - لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ - قَدْ كَانَ غَلَبَ عَلَيَّ النَّاسَ حَتَّى وَلَدْتُ لَهُ أَوْلَادًا ، ثُمَّ وَقَعَ بِي عَلَى نَحْوِ مَا كَانَ يَفْعَلُ ، فَحَمَلْتُ فِيمَا أَرَى فَأَصَابَنِي هِرَاقَةٌ مِنْ دَمٍ حَتَّى وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنْ لَا شَيْءَ فِي بَطْنِي ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْآخَرَ وَقَعَ بِي ، فَوَاللهِ مَا أَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ ، فَقَالَ عُمَرُ لِلْغُلَامِ : اتَّبِعْ أَيَّهُمَا شِئْتَ ، فَاتَّبَعَ أَحَدَهُمَا ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَاطِبٍ : وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ مُتَّبِعًا لِأَحَدِهِمَا ، فَذَهَبَ بِهِ ، وَقَالَ عُمَرُ : قَاتَلَ اللهُ أَخَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ .
[12/256] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَقَدْ دَلَّ مَا فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ رَاوِيهِ ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَاطِبٍ : فَكَأَنَّنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ مُتَّبِعًا لِأَحَدِهِمَا عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي إِسْنَادِهِ أَنَّهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ ، أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِلْغُلَامِ : اتَّبِعْ أَيَّهُمَا شِئْتَ ، وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي حَدِيثَيِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْتَ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ جَلَّ وَعَزَّ وَعَوْنِهِ : أَنَّ مَا فِي حَدِيثَيِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ فِي صَبِيٍّ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَيَدُ مُدَّعِيَيْهِ عَلَيْهِ ، فَرَدَّ حُكْمَهُ إِلَى مَا يَقُولَانِ فِيهِ ، فَجَعَلَهُ إِلَيْهِمَا جَمِيعًا .
وَمَا فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي صَبِيٍّ سِوَاهُ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لَوِ ادَّعَاهُ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ ، أَوْ رَجُلٌ هُوَ فِي يَدِهِ لَا يَدَ عَلَيْهِ غَيْرُ يَدِهِ فَدَفَعَهُ عَنْ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ إِيَّاهُ لِدَفْعِهِ إِيَّاهُ عَنْهَا ، فَلَمْ يَقْضِ عُمَرُ بِهِ لَهُمَا لِذَلِكَ ، وَرَدَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ إِلَى مَا يَقُولُهُ الْغُلَامُ الْمُدَّعَى فِيهِ ، وَهَكَذَا نَقُولُ نَحْنُ فِي الْغُلَامِ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ إِذَا ادَّعَاهُ رَجُلَانِ أَيْدِيهِمَا عَلَيْهِ لَا يَدَ عَلَيْهِ سِوَى أَيْدِيهِمَا أَنَّهُ يَكُونُ ابْنَهُمَا جَمِيعًا ، وَإِذَا كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يُجْعَلِ ابْنَهُمَا جَمِيعًا بِدَعْوَاهُمَا إِيَّاهُ ، وَجُعِلَ ابْنَ الَّذِي يُصَدِّقُهُ مِنْهُمَا عَلَى مَا يَدَّعِيهِ فِيهِ ، فَكُنَّا نَحْنُ الْمُتَمَسِّكِينَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ كُلِّهَا ، وَكَانَ هُوَ فِيهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ ، وَعَادَ مَا احْتَجَّ بِهِ عَلَيْنَا لِقَوْلِهِ فِيمَا ذَكَرْنَا حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِ فِيمَا خَالَفَنَا فِيهِ .
[12/257] وَفِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَسْتَعْمِلْ قَوْلَ الْقَافَةِ لِمَعْنًى غَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا ، وَهُوَ : أَنَّ قَوْلَ الْقَافَةِ لَوْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي ذَلِكَ لَكَانَ الْوَلَدُ الْمُدَّعَى لَمَّا صَدَقَ أَحَدُ مُدَّعِيَيْهِ ، يَكُونُ قَوْلُ الْقَافَةِ حُجَّةً لِلْآخَرِ أَنَّهُ ابْنُهُ ، وَيَكُونُ كَوَلَدٍ ادَّعَاهُ رَجُلَانِ ، فَصَدَقَ أَحَدُهُمَا وَكَذَبَ الْآخَرُ ، فَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُهُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ لَهُ بِهَا ، وَأَنَّهَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْغُلَامِ ، فَفِي تَرْكِهِمُ الْأَخْذَ لَهُ بِقَوْلِ الْقَافَةِ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا مَعْنَى كَانَ لِقَوْلِ الْقَافَةِ عِنْدَهُ مِنْ وُجُوبِ حُكْمٍ بِهِ فِي نَسَبٍ ، وَلَا فِي غَيْرِهِ .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : كَيْفَ يَجُوزُ مَا ذَكَرْتَ ، وَيَكُونُ قَوْلُ الْقَافَةِ عِنْدَهُ لَا مَعْنَى لَهُ ، وَهُوَ قَدْ دَعَاهُمْ وَسَأَلَهُمْ عَنْ مَا خُوصِمَ إِلَيْهِ فِيهِ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلَّا وَبِهِ حَاجَةٌ إِلَى قَوْلِهِمْ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَعَوْنِهِ : أَنَّهُ قَدْ كَانَتْ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى قَوْلِهِمْ : إِنَّ الْوَلَدَ قَدْ يَكُونُ مِنْ رَجُلَيْنِ ، وَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ ، فَيُسْتَعْمَلُ فِيهِ الْوَاجِبُ اسْتِعْمَالُهُ بِقَوْلِ مُدَّعِيَيِ الْوَلَدِ ، لَا بِقَوْلِ الْقَافَةِ ، أَوْ يَكُونُ مُحَالًا فَلَا يَتَشَاغَلُ بِذَلِكَ ، وَلَا يَقُولُ فِيهِ شَيْئًا
، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ كَذَلِكَ :
مَا قَدْ حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَاطِبٍ ، عَنْ أَبِيهِ هَكَذَا ، حَدَّثَنَاهُ بَحْرٌ ، وَإِنَّمَا هُوَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : أَتَى رَجُلَانِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فِي غُلَامٍ مِنْ وِلَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُ : هَذَا هُوَ ابْنِي ، وَيَقُولُ : هَذَا هُوَ ابْنِي ، فَدَعَا لَهُمَا عُمَرُ قَائِفًا مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْغُلَامِ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ الْمُصْطَلِقِيُّ ، ثُمَّ نَظَرَ ، ثُمَّ قَالَ لِعُمَرَ : وَالَّذِي أَكْرَمَكَ إِنِّي لَأَجِدُهُمَا قَدِ اشْتَرَكَا فِيهِ جَمِيعًا ، فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ حَتَّى اضْطَجَعَ ، ثُمَّ [12/255] قَالَ : وَاللهِ لَقَدْ ذَهَبَ بِكَ النَّظَرُ إِلَى غَيْرِ مَذْهَبٍ ، ثُمَّ دَعَا أُمَّ الْغُلَامِ ، فَسَأَلَهَا فَقَالَتْ : إِنَّ هَذَا - لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ - قَدْ كَانَ غَلَبَ عَلَيَّ النَّاسَ حَتَّى وَلَدْتُ لَهُ أَوْلَادًا ، ثُمَّ وَقَعَ بِي عَلَى نَحْوِ مَا كَانَ يَفْعَلُ ، فَحَمَلْتُ فِيمَا أَرَى فَأَصَابَنِي هِرَاقَةٌ مِنْ دَمٍ حَتَّى وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنْ لَا شَيْءَ فِي بَطْنِي ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْآخَرَ وَقَعَ بِي ، فَوَاللهِ مَا أَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ ، فَقَالَ عُمَرُ لِلْغُلَامِ : اتَّبِعْ أَيَّهُمَا شِئْتَ ، فَاتَّبَعَ أَحَدَهُمَا ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَاطِبٍ : وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ مُتَّبِعًا لِأَحَدِهِمَا ، فَذَهَبَ بِهِ ، وَقَالَ عُمَرُ : قَاتَلَ اللهُ أَخَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ .
[12/256] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَقَدْ دَلَّ مَا فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ رَاوِيهِ ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَاطِبٍ : فَكَأَنَّنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ مُتَّبِعًا لِأَحَدِهِمَا عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي إِسْنَادِهِ أَنَّهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ ، أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِلْغُلَامِ : اتَّبِعْ أَيَّهُمَا شِئْتَ ، وَهَذَا خِلَافُ مَا فِي حَدِيثَيِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْتَ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ جَلَّ وَعَزَّ وَعَوْنِهِ : أَنَّ مَا فِي حَدِيثَيِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ فِي صَبِيٍّ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَيَدُ مُدَّعِيَيْهِ عَلَيْهِ ، فَرَدَّ حُكْمَهُ إِلَى مَا يَقُولَانِ فِيهِ ، فَجَعَلَهُ إِلَيْهِمَا جَمِيعًا .
وَمَا فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي صَبِيٍّ سِوَاهُ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لَوِ ادَّعَاهُ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ ، أَوْ رَجُلٌ هُوَ فِي يَدِهِ لَا يَدَ عَلَيْهِ غَيْرُ يَدِهِ فَدَفَعَهُ عَنْ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ إِيَّاهُ لِدَفْعِهِ إِيَّاهُ عَنْهَا ، فَلَمْ يَقْضِ عُمَرُ بِهِ لَهُمَا لِذَلِكَ ، وَرَدَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ إِلَى مَا يَقُولُهُ الْغُلَامُ الْمُدَّعَى فِيهِ ، وَهَكَذَا نَقُولُ نَحْنُ فِي الْغُلَامِ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ إِذَا ادَّعَاهُ رَجُلَانِ أَيْدِيهِمَا عَلَيْهِ لَا يَدَ عَلَيْهِ سِوَى أَيْدِيهِمَا أَنَّهُ يَكُونُ ابْنَهُمَا جَمِيعًا ، وَإِذَا كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يُجْعَلِ ابْنَهُمَا جَمِيعًا بِدَعْوَاهُمَا إِيَّاهُ ، وَجُعِلَ ابْنَ الَّذِي يُصَدِّقُهُ مِنْهُمَا عَلَى مَا يَدَّعِيهِ فِيهِ ، فَكُنَّا نَحْنُ الْمُتَمَسِّكِينَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ كُلِّهَا ، وَكَانَ هُوَ فِيهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ ، وَعَادَ مَا احْتَجَّ بِهِ عَلَيْنَا لِقَوْلِهِ فِيمَا ذَكَرْنَا حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِ فِيمَا خَالَفَنَا فِيهِ .
[12/257] وَفِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَسْتَعْمِلْ قَوْلَ الْقَافَةِ لِمَعْنًى غَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا ، وَهُوَ : أَنَّ قَوْلَ الْقَافَةِ لَوْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي ذَلِكَ لَكَانَ الْوَلَدُ الْمُدَّعَى لَمَّا صَدَقَ أَحَدُ مُدَّعِيَيْهِ ، يَكُونُ قَوْلُ الْقَافَةِ حُجَّةً لِلْآخَرِ أَنَّهُ ابْنُهُ ، وَيَكُونُ كَوَلَدٍ ادَّعَاهُ رَجُلَانِ ، فَصَدَقَ أَحَدُهُمَا وَكَذَبَ الْآخَرُ ، فَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُهُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ لَهُ بِهَا ، وَأَنَّهَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْغُلَامِ ، فَفِي تَرْكِهِمُ الْأَخْذَ لَهُ بِقَوْلِ الْقَافَةِ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا مَعْنَى كَانَ لِقَوْلِ الْقَافَةِ عِنْدَهُ مِنْ وُجُوبِ حُكْمٍ بِهِ فِي نَسَبٍ ، وَلَا فِي غَيْرِهِ .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : كَيْفَ يَجُوزُ مَا ذَكَرْتَ ، وَيَكُونُ قَوْلُ الْقَافَةِ عِنْدَهُ لَا مَعْنَى لَهُ ، وَهُوَ قَدْ دَعَاهُمْ وَسَأَلَهُمْ عَنْ مَا خُوصِمَ إِلَيْهِ فِيهِ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلَّا وَبِهِ حَاجَةٌ إِلَى قَوْلِهِمْ .
فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَعَوْنِهِ : أَنَّهُ قَدْ كَانَتْ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى قَوْلِهِمْ : إِنَّ الْوَلَدَ قَدْ يَكُونُ مِنْ رَجُلَيْنِ ، وَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ ، فَيُسْتَعْمَلُ فِيهِ الْوَاجِبُ اسْتِعْمَالُهُ بِقَوْلِ مُدَّعِيَيِ الْوَلَدِ ، لَا بِقَوْلِ الْقَافَةِ ، أَوْ يَكُونُ مُحَالًا فَلَا يَتَشَاغَلُ بِذَلِكَ ، وَلَا يَقُولُ فِيهِ شَيْئًا
، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ كَذَلِكَ :