224 حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ، ثَنَا حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، ثَنَا كَثِيرُ بْنُ شِنْظِيرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ، وَوَاضِعُ الْعِلْمِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ كَمُقَلِّدِ الْخَنَازِيرِ الْجَوْهَرَ وَاللُّؤْلُؤَ وَالذَّهَبَ .

قَوْلُهُ : ( طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ : أَرَادَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الْعِلْمَ الَّذِي لَا يَسَعُ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ جَهْلُهُ أَوْ عِلْمَ مَا يَطْرَأُ لَهُ أَوْ أَرَادَ أَنَّهُ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حَتَّى يَقُومَ بِهِ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ ، وَقَالَ : سُئِلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ ، فَقَالَ : لَيْسَ هُوَ الَّذِي يَظُنُّونْ ، إِنَّمَا هُوَ أَنْ يَقَعَ الرَّجُلُ فِي شَيْءٍ مِنَ أُمُورِ دِينِهِ فَيَسْأَلُ عَنْهُ حَتَّى يَعْلَمَهُ ، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ : الْمُرَادُ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَا مَنْدُوحَةَ لِلْعَبْدِ مِنْهُ كَمَعْرِفَةِ الصَّانِعِ وَالْعِلْمِ بِوَحْدَانِيِّتِهِ وَنُبُوَّةِ رَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَكَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ ، فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ فَرْضُ عَيْنٍ ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ : هُوَ الَّذِي لَا يُعْذَرُ الْعَبْدُ فِي الْجَهْلِ بِهِ ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَفْصٍ : هُوَ الْمَشْهُورُ ، فَإِنَّ غَيْرَهُ اخْتُلِفَ فِي الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ فَرِيضَةٌ ، فَقِيلَ : هُوَ عِلْمُ الْإِخْلَاصِ مَأْمُورٌ بِهِ كَمَا أَنَّ الْعِلْمَ مَأْمُورٌ بِهِ ، وَشَهَوَاتُ النَّفْسِ تُخَرِّبُ مَبَانِيَ الْإِخْلَاصِ مِنَ الْمَأْمُورِ ، بِهِ فَصَارَ عِلْمُ ذَلِكَ فَرْضًا ، وَقِيلَ : مَعْرِفَةُ الْخَوَاطِرِ وَتَفْصِيلُهَا فَرِيضَةٌ ، لِأَنَّ الْخَوَاطِرَ فِي نَشْأَةِ الْعَقْلِ ، وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ الْفَرْقُ بَيْنَ لَمَّةِ الْمَلَكِ وَلَمَّةِ الشَّيْطَانِ ، وَقِيلَ : هُوَ طَلَبُ عِلْمِ الْحَلَالِ حَيْثُ كَانْ أَكْلُ الْحَلَالِ فَرِيضَةً ، وَقِيلَ : هُوَ عِلْمُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ إِذَا أَرَادَ الدُّخُولَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُ عِلْمِهِ ، وَقِيلَ : هُوَ عِلْمُ الْفَرَائِضِ الْخَمْسِ الَّتِي بُنِيَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ ، وَقِيلَ : هُوَ طَلَبُ عِلْمِ التَّوْحِيدِ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَالنَّقْلِ ، وَقِيلَ : هُوَ طَلَبُ عِلْمِ الْبَاطِنِ وَهُوَ مَا يَزْدَادُ بِهِ الْعَبْدُ يَقِينًا ، وَهُوَ الَّذِي يُكْتَسَبُ بِصُحْبَةِ الصَّالِحِينَ وَالزُّهَّادِ وَالْمُقَرَّبِينَ ، فَهُمْ وَرَثَةُ عِلْمِ النَّبِيِّينَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ - أَجْمَعِينَ ، انْتَهَى .
قَوْلُهُ : ( عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ) [1/99] أَيْ مُكَلَّفٍ لِيَخْرُجَ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ مِنَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَمَوْضُوعُهُ الشَّخْصُ ، فَيَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ، وَقَالَ السَّخَاوِيُّ فِي الْمَقَاصِدِ : أَلْحَقَ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ بِآخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَمُسْلِمَةٍ ، وَلَيْسَ لَهَا ذِكْرٌ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةَ الْمَعْنَى ، وَوَاضِعٌ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ .
قَالَ الطِّيبِيُّ : هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ يَخْتَصُّ بِاسْتِعْدَادٍ ، وَلَهُ أَهْلٌ فَإِذَا وَضَعَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ، فُقِدَ فَمِثْلُهُ تَقْلِيدُ أَخَسِّ الْحَيَوَانَاتِ بِأَنْفَسِ الْجَوَاهِرِ تَهْجِينًا لِذَلِكَ الْوَضْعِ وَتَنْفِيرًا عَنْهُ ، وَفِي تَعَقُّبِ هَذَا التَّمْثِيلِ قَوْلُهُ طَلَبُ الْعِلْمِ إِعْلَامٌ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ أَحَدٍ طَلَبُ مَا يَلِيقُ بِاسْتِعْدَادِهِ وَيُوَافِقُ مَنْزِلَتَهُ بَعْدَ حُصُولِ مَا هُوَ وَاجِبٌ مِنَ الْفَرَائِضِ الْعَامَّةِ ، وَعَلَى الْعَالِمِ أَنْ يَخُصَّ كُلَّ طَالِبٍ بِمَا هُوَ مُسْتَعِدٌّ لَهُ ، انْتَهَى .
وَفِي الزَّوَائِدِ : إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ حَفْصِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ : سُئِلَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ ، فَقَالَ : إِنَّهُ ضَعِيفٌ أَيْ سَنَدًا ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا أَيْ مَعْنًى ، وَقَالَ تِلْمِيذُهُ جَمَالُ الدِّينِ الْمِزِّيُّ : هَذَا الْحَدِيثُ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ تَبْلُغُ رُتْبَةَ الْحَسَنِ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ : فَإِنِّي رَأَيْتُ لَهُ نَحْوَ خَمْسِينَ طَرِيقًا ، وَقَدْ جَمَعْتُهَا فِي جُزْءٍ انْتَهَى .