2 - بَاب الِاقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا قَالَ : أَئمَّةً نَقْتَدِي بِمَنْ قَبْلَنَا ، وَيَقْتَدِي بِنَا مَنْ بَعْدَنَا . وَعن ابْنُ عَوْنٍ : ثَلَاثٌ أُحِبُّهُنَّ لِنَفْسِي وَلِإِخْوَانِي : هَذِهِ السُّنَّةُ أَنْ يَتَعَلَّمُوهَا وَيَسْأَلُوا عَنْهَا ، وَالْقُرْآنُ أَنْ يَتَفَهَّمُوهُ وَيَسْأَلُوا النَّاسَ عَنْهُ ، وَيَدَعُوا النَّاسَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ .
7275 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ وَاصِلٍ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ : جَلَسْتُ إِلَى شَيْبَةَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ قَالَ : جَلَسَ إِلَيَّ عُمَرُ فِي مَجْلِسِكَ هَذَا ، فَقَالَ : هَمَمْتُ أَنْ لَا أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ إِلَّا قَسَمْتُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، قُلْتُ : مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ . قَالَ : لِمَ ؟ قُلْتُ : لَمْ يَفْعَلْهُ صَاحِبَاكَ . قَالَ : هُمَا الْمَرْآنِ يُقْتَدَى بِهِمَا .


[13/263] [13/264] [13/265] قَوْلُهُ : بَابُ الِاقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) أَيْ قَبُولُهَا وَالْعَمَلُ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ ، فَأَمَّا أَقْوَالُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَشْتَمِلُ عَلَى أَمْرٍ وَنَهْيٍ وَإِخْبَارٍ ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ ، وَأَمَّا أَفْعَالُهُ فَتَأْتِي أَيْضًا فِي بَابٍ مُفْرَدٍ قَرِيبًا .
قَوْلُهُ : وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا قَالَ أَئِمَّةً نَقْتَدِي بِمَنْ قَبْلَنَا وَيَقْتَدِي بِنَا مَنْ بَعْدَنَا ) كَذَا لِلْجَمِيعِ بِإِبْهَامِ الْقَائِلِ ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ أَخْرَجَهُ الْفِرْيَابِيُّ ، وَالطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَيْضًا ، قَالَ يَقُولُ : اجْعَلْنَا أَئِمَّةً فِي التَّقْوَى حَتَّى نَأْتَمَّ بِمَنْ كَانَ قَبْلَنَا وَيَأْتَمَّ بِنَا مَنْ بَعْدَنَا ، وَلِلطَّبَرِيِّ ، وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمَعْنَى " اجْعَلْنَا أَئِمَّةَ التَّقْوَى لِأَهْلِهِ يَقْتَدُونَ بِنَا " لَفْظُ الطَّبَرِيِّ ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ : اجْعَلْنَا أَئِمَّةَ هُدًى لِيُهْتَدَى بِنَا وَلَا تَجْعَلْنَا أَئِمَّةَ ضَلَالَةٍ " لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى لِأَهْلِ السَّعَادَةِ : وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَقَالَ لِأَهْلِ الشَّقَاوَةِ : وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ
وَرَجَّحَ الطَّبَرِيُّ أَنَّهُمْ سَأَلُوا أَنْ يَكُونُوا لِلْمُتَّقِينَ أَئِمَّةً وَلَمْ يَسْأَلُوا أَنْ يَجْعَلَ الْمُتَّقِينَ لَهُمْ أَئِمَّةً ، ثُمَّ تَكَلَّمَ الطَّبَرِيُّ عَلَى إِفْرَادِ " إِمَامًا " مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ جَمَاعَةٌ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْإِمَامَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ فَمَا فَوْقَهُ ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا أَيْ قَادَةً فِي الْخَيْرِ وَدُعَاةَ هُدًى يُؤْتَمُّ بِنَا فِي الْخَيْرِ ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ : لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ نَؤُمَّ النَّاسَ ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا : اجْعَلْنَا أَئِمَّةً لَهُمْ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ يَقْتَدُونَ بِنَا فِيهِ ، وَمِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ مَعْنَاهُ اجْعَلْنِي رِضًا فَإِذَا قُلْتُ صَدَّقُونِي وَقَبِلُوا مِنِّي .
( تَنْبِيهٌ ) :
اقْتَصَرَ شَيْخُنَا ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحِهِ تَبَعًا لِمَنْ تَقَدَّمَهُ عَلَى عَزْوِ التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَلَمْ أَرَ لَهُ عَنْهُ سَنَدًا ، وَالثَّانِي لِلضَّحَّاكِ وَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْذَبٍ .
قَوْلُهُ : وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ ( ثَلَاثٌ أُحِبُّهُنَّ لِنَفْسِي إِلَخْ ) وَصَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي " كِتَابِ السُّنَّةِ " وَالْجَوْزَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ : ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ أَخْضَرَ سَمِعْتُ ابْنَ عَوْنٍ يَقُولُ - غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثٍ - : ثَلَاثٌ أُحِبُّهُنَّ لِنَفْسِي . الْحَدِيثَ . وَوَصَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ اللَّالَكَائِيُّ فِي " كِتَابِ السُّنَّةِ " مِنْ طَرِيقِ الْقُعْنَبِيِّ سَمِعْتُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ : قَالَ ابْنُ عَوْنٍ .
قَوْلُهُ : وَلِإِخْوَانِي ) فِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ : وَلِأَصْحَابِي " .
قَوْلُهُ ( هَذِهِ السُّنَّةُ ) أَشَارَ إِلَى طَرِيقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِشَارَةً نَوْعِيَّةً لَا شَخْصِيَّةً ، وَقَوْلُهُ " أَنْ يَتَعَلَّمُوهَا وَيَسْأَلُوا عَنْهَا " فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى هَذَا الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَتْبَعُهُ وَيَعْمَلُ بِمَا فِيهِ .
قَوْلُهُ : وَالْقُرْآنُ أَنْ يَتَفَهَّمُوهُ وَيَسْأَلُوا النَّاسَ عَنْهُ ) فِي رِوَايَةِ يَحْيَى " فَيَتَدَبَّرُوهُ " بَدَلَ فَيَتَفَهَّمُوهُ وَهُوَ الْمُرَادُ .
قَوْلُهُ ( وَيَدَعُوا النَّاسَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِفَتْحِ الدَّالِ مِنْ يَدَعُوا ، وَهُوَ مِنَ الْوَدْعِ بِمَعْنَى التَّرْكِ ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِسُكُونِ الدَّالِ مِنَ الدُّعَاءِ ، وَكَذَا هُوَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى " وَرَجُلٌ أَقْبَلَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَهَا عَنِ النَّاسِ ، إِلَّا مِنْ خَيْرٍ " لِأَنَّ فِي تَرْكِ الشَّرِّ خَيْرًا كَثِيرًا . قَالَ الْكِرْمَانِيُّ : قَالَ فِي الْقُرْآنِ : يَتَفَهَّمُوهُ ، وَفِي السُّنَّةِ : يَتَعَلَّمُوهَا ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُسْلِمَ يَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْوَصِيَّةِ بِتَعَلُّمِهِ ، فَلِهَذَا أَوْصَى بِتَفَهُّمِ مَعْنَاهُ وَإِدْرَاكِ مَنْطُوقِهِ انْتَهَى . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ أَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ جُمِعَ بَيْنَ دَفَّتَيِ الْمُصْحَفِ وَلَمْ تَكُنِ [13/266] السُّنَّةُ يَوْمئِذٍ جُمِعَتْ ، فَأَرَادَ بِتَعَلُّمِهَا جَمْعَهَا لِيَتَمَكَّنَ مِنْ تَفَهُّمِهَا ، بِخِلَافِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ مَجْمُوعٌ فَلْيُبَادَرْ لِتَفَهُّمِهِ .
ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ حَدِيثًا :
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ : عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ ) بِمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ هُوَ الْبَاهِلِيُّ ، بَصْرِيٌّ يُكْنَى أَبَا عُثْمَانَ مِنْ طَبَقَةِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ ، وَ " عَبْدُ الرَّحْمَنِ " هُوَ ابْنُ مَهْدِيٍّ ، و " سُفْيَانُ " هُوَ الثَّوْرِيُّ ، و " وَاصِلٌ " هُوَ ابْنُ حِبَّانَ وَتَقَدَّمَ تَصْرِيحُ الثَّوْرِيِّ عَنْهُ بِالتَّحْدِيثِ فِي " كِتَابِ الْحَجِّ " وَ " أَبُو وَائِلٍ " هُوَ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ .
قَوْلُهُ : جَلَسْتُ إِلَى شَيْبَةَ ) هُوَ ابْنُ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ الْعَبْدَرِيُّ حَاجِبُ الْكَعْبَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَسَبُهُ عِنْدَ شَرْحِ حَدِيثِهِ فِي بَابِ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ مِنْ " كِتَابِ الْحَجِّ " وَلَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَحْدَهُ .
قَوْلُهُ ( أَنْ لَا أَدْعَ فِيهَا ) الضَّمِيرُ لِلْكَعْبَةِ - وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ - لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْجِدِ فِي قَوْلِ أَبِي وَائِلٍ " جَلَسْتُ إِلَى شَيْبَةَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ " نَفْسِ الْكَعْبَةِ ، فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَيْهَا . فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ الْحَجِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ " عَلَى كُرْسِيٍّ فِي الْكَعْبَةِ " أَيْ عِنْدَ بَابِهَا كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْحَجَبَةِ .
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : أَرَادَ عُمَرُ قِسْمَةَ الْمَالِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا ذَكَّرَهُ شَيْبَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ بَعْدَهُ لَمْ يَتَعَرَّضَا لَهُ لَمْ يَسَعْهُ خِلَافُهُمَا ، وَرَأَى أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِهِمَا وَاجِبٌ .
قُلْتُ : وَتَمَامُهُ أَنَّ تَقْرِيرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ حُكْمِهِ بِاسْتِمْرَارِ مَا تَرَكَ تَغْيِيرَهُ ، فَيَجِبُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي ذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَاتَّبِعُوهُ وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَدَلَّ عَدَمُ تَعَرُّضِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مِنْ فِعْلِهِ مَا يُعَارِضُ التَّقْرِيرَ الْمَذْكُورَ ، وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ لَفَعَلَهُ ؛ لَا سِيَّمَا مَعَ احْتِيَاجِهِ لِلْمَالِ لِقِلَّتِهِ فِي مُدَّتِهِ ، فَيَكُونُ عُمَرُ مَعَ وُجُودِ كَثْرَةِ الْمَالِ فِي أَيَّامِهِ أَوْلَى بِعَدَمِ التَّعَرُّضِ .