25 - بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ
7361 - وَقَالَ أَبُو الْيَمَانِ : أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ ، عَنْ الزُّهْرِيِّ ، أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يُحَدِّثُ رَهْطًا مِنْ قُرَيْشٍ بِالْمَدِينَةِ ، وَذَكَرَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ فَقَالَ : إِنْ كَانَ مِنْ أَصْدَقِ هَؤُلَاءِ الْمُحَدِّثِينَ الَّذِينَ يُحَدِّثُونَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَإِنْ كُنَّا مَعَ ذَلِكَ لَنَبْلُو عَلَيْهِ الْكَذِبَ .


قَوْلُهُ : ( بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ ) هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ : " أَنَّ عُمَرَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَقَرَأَهُ عَلَيْهِ ، فَغَضِبَ وَقَالَ : لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً ، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي " وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ إِلَّا أَنَّ فِي مُجَالِدٍ ضَعْفًا ، وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ : " أَنَّ عُمَرَ نَسَخَ صَحِيفَةً مِنَ التَّوْرَاةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ " وَفِي سَنَدِهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَاسْتَعْمَلَهُ فِي التَّرْجَمَةِ لِوُرُودِ مَا يَشْهَدُ بِصِحَّتِهِ مِنَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ حُرَيْثِ بْنِ ظَهِيرٍ قَالَ : " قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ ؛ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ أَضَلُّوا أَنْفُسَهُمْ ، فَتُكَذِّبُوا بِحَقٍّ ، أَوْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ " ، وَأَخْرَجَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ : " لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ ؛ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا ، أَنْ تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ ، أَوْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ " وَسَنَدُهُ حَسَنٌ ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ ، عَنِ الْمُهَلَّبِ : هَذَا النَّهْيُ إِنَّمَا هُوَ فِي سُؤَالِهِمْ عَمَّا لَا نَصَّ فِيهِ ؛ لِأَنَّ شَرْعَنَا مُكْتَفٍ بِنَفْسِهِ ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ نَصٌّ فَفِي النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ غِنًى عَنْ سُؤَالِهِمْ ، [13/346] وَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ سُؤَالُهُمْ عَنِ الْأَخْبَارِ الْمُصَدِّقَةِ لِشَرْعِنَا وَالْأَخْبَارِ عَنِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ فَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ ، وَالنَّهْيُ إِنَّمَا هُوَ عَنْ سُؤَالِ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ مِنْهُمْ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ يَخْتَصُّ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، وَالنَّهْيُ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ .
قَوْلُهُ : ( وَقَالَ أَبُو الْيَمَانِ ) كَذَا عِنْدَ الْجَمِيعِ ، وَلَمْ أَرَهُ بِصِيغَةِ حَدَّثَنَا ، وَأَبُو الْيَمَانِ مِنْ شُيُوخِهِ ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ عَنْهُ مُذَاكَرَةً ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَرَكَ التَّصْرِيحَ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا ؛ لِكَوْنِهِ أَثَرًا مَوْقُوفًا ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا فَاتَهُ سَمَاعُهُ ، ثُمَّ وَجَدْتُ الْإِسْمَاعِيلِيَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ الطَّيَالِسِيِّ ، عَنِ الْبُخَارِيِّ قَالَ : " حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ " ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فَذَكَرَهُ ، فَظَهَرَ أَنَّهُ مَسْمُوعٌ لَهُ ، وَتَرَجَّحَ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي ، ثُمَّ وَجَدْتُهُ فِي التَّارِيخِ الصَّغِيرِ لِلْبُخَارِيِّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ .
قَوْلُهُ : ( حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ) أَيِ : ابْنِ عَوْفٍ ، وَقَوْلُهُ : " سَمِعَ مُعَاوِيَةَ " أَيْ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ ، وَحَذْفُ " أَنَّهُ " يَقَعُ كَثِيرًا .
قَوْلُهُ : ( رَهْطًا مِنْ قُرَيْشٍ ) لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِهِمْ ، وَقَوْلُهُ : " بِالْمَدِينَةِ " يَعْنِي لَمَّا حَجَّ فِي خِلَافَتِهِ .
قَوْلُهُ : ( إِنْ كَانَ مِنْ أَصْدَقِ ) إِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى " لَمِنْ أَصْدَقِ " بِزِيَادَةِ اللَّامِ الْمُؤَكِّدَةِ .
قَوْلُهُ : ( يُحَدِّثُونَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ) أَيِ الْقَدِيمُ ، فَيَشْمَلُ التَّوْرَاةَ وَالصُّحُفَ ، وَفِي رِوَايَةِ الذُّهْلِيِّ فِي الزُّهْرِيَّاتِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ بِهَذَا السَّنَدِ " يَتَحَدَّثُونَ " بِزِيَادَةِ مُثَنَّاةٍ .
قَوْلُهُ : ( لَنَبْلُو ) بِنُونٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ أَيْ نَخْتَبِرُ ، وَقَوْلُهُ : " عَلَيْهِ الْكَذِبَ " أَيْ : يَقَعُ بَعْضُ مَا يُخْبِرُنَا عَنْهُ بِخِلَافِ مَا يُخْبِرُنَا بِهِ ، قَالَ ابْنُ التِّينِ : وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَقِّ كَعْبٍ الْمَذْكُورِ بَدَلَ مَنْ قَبْلَهُ فَوَقَعَ فِي الْكَذِبِ ، قَالَ : وَالْمُرَادُ بِالْمُحَدِّثِينَ : أَنْدَادُ كَعْبٍ مِمَّنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأَسْلَمَ فَكَانَ يُحَدِّثُ عَنْهُمْ ، وَكَذَا مَنْ نَظَرَ فِي كُتُبِهِمْ فَحَدَّثَ عَمَّا فِيهَا ، قَالَ : وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا مِثْلَ كَعْبٍ إِلَّا أَنَّ كَعْبًا كَانَ أَشَدَّ مِنْهُمْ بَصِيرَةً وَأَعْرَفَ بِمَا يَتَوَقَّاهُ ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي " كِتَابِ الثِّقَاتِ " : أَرَادَ مُعَاوِيَةُ أَنَّهُ يُخْطِئُ أَحْيَانَا فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ كَانَ كَذَّابًا ، وَقَالَ غَيْرُهُ : الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ : " لَنَبْلُو عَلَيْهِ " لِلْكِتَابِ لَا لِكَعْبٍ ، وَإِنَّمَا يَقَعُ فِي كِتَابِهِمُ الْكَذِبَ ؛ لِكَوْنِهِمْ بَدَّلُوهُ وَحَرَّفُوهُ ، وَقَالَ عِيَاضٌ : يَصِحُّ عَوْدُهُ عَلَى الْكِتَابِ ، وَيَصِحُّ عَوْدُهُ عَلَى كَعْبٍ وَعَلَى حَدِيثِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدِ الْكَذِبَ وَيَتَعَمَّدْهُ إِذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي مُسَمَّى الْكَذِبِ التَّعَمُّدُ ، بَلْ هُوَ الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ فِيهِ تَجْرِيحٌ لِكَعْبٍ بِالْكَذِبِ ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : الْمَعْنَى أَنَّ بَعْضَ الَّذِي يُخْبِرُ بِهِ كَعْبٌ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَكُونُ كَذِبًا لَا أَنَّهُ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ كَعْبٌ مِنْ أَخْيَارِ الْأَحْبَارِ ، وَهُوَ كَعْبُ بْنُ مَاتِعٍ - بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ - ابْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ مِنْ آلِ ذِي رَعِينٍ ، وَقِيلَ : ذِي الْكَلَاعِ الْحِمْيَرِيِّ ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فِي اسْمِ جَدِّهِ وَنَسَبِهِ ، يُكْنَى أَبَا إِسْحَاقَ ، كَانَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا ، وَكَانَ يَهُودِيًّا عَالِمًا بِكُتُبِهِمْ حَتَّى كَانَ يُقَالُ لَهُ كَعْبٌ الْحَبْرُ ، وَكَعْبُ الْأَحْبَارِ ، وَكَانَ إِسْلَامُهُ فِي عَهْدِ عُمَرَ ، وَقِيلَ : فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ ، وَقِيلَ : إِنَّهُ أَسْلَمَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَأَخَّرَتْ هِجْرَتُهُ ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ ، وَالثَّانِي قَالَهُ أَبُو مُسْهِرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَأَسْنَدَهُ ابْنُ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ ، وَسَكَنَ الْمَدِينَةَ وَغَزَا الرُّومَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ ، ثُمَّ تَحَوَّلَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ إِلَى الشَّامِ فَسَكَنَهَا إِلَى أَنْ مَاتَ بِحِمْصٍ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ ، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ : ذَكَرُوهُ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ فَقَالَ : إِنَّ عِنْدَ ابْنِ الْحِمْيَرِيَّةِ لَعِلْمًا كَثِيرًا ، وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ : قَالَ [13/347] مُعَاوِيَةُ أَلَا إِنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ أَحَدُ الْعُلَمَاءِ ، إِنْ كَانَ عِنْدَهُ لَعِلْمٌ كَالْبِحَارِ وَإِنْ كُنَّا فِيهِ لَمُفَرِّطِينَ ، وَفِي تَارِيخِ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ : مَا أَصَبْتُ فِي سُلْطَانِي شَيْئًا إِلَّا قَدْ أَخْبَرَنِي بِهِ كَعْبٌ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ . ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ .