[1/411] بَابُ مَا ذُكِرَ من ائْتِمَامِ الْمَأْمُومِ بِإِمَامِهِ إِذَا صَلَّى جَالِسًا
((ح 140))
قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْقَاضِي ، أَخْبَرَكَ أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِهِ ، أَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ ، أَنَا دَعْلَجٌ ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ :
سَقَطَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ فَرَسٍ ، فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ ، فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا ، فَصَلَّيْنَا قُعُودًا ، فَلَمَّا قَضَى [1/412] الصَّلَاةَ قَالَ :
إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ؛ إِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا ، وإذا ركع فاركعوا ، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا ، وَإِذَا قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، فَقُولُوا : رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا ، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا ، أَجْمَعُونَ

أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ ؛ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ .
((ح 141)) أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيُّ ، [1/413] أَنَا مَكِّيُّ بْنُ مَنْصُورٍ ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ ، أَنَا الرَّبِيعُ قال : أَنَا الشَّافِعِيُّ ، أَنَا مَالِكٌ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاك ، فَصَلَّى جَالِسًا ، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا ، فأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ؛ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا ، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا ، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَجَابِرٍ ، وَمُعَاوِيَةَ .
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْإِمَامِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا مِنْ مَرَضٍ :
فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : يُصَلُّونَ قُعُودًا اقْتِدَاءً بِهِ ، وَذَهَبُوا إِلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، وَرَأَوْهَا مُحْكَمَةً ، وَمِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ : جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ ، وَإِسْحَاقُ ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ .
[1/414] قَالَ أَحْمَدُ : كَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَعَلَهُ أَرْبَعَةٌ مِنْ الصحابة ، وَالرَّابِعُ هُوَ فِي خَبَرِ :
((ح 142))
قَيْسِ بْنِ فَهْدٍ ( أَنَّ إِمَامَهُمْ شَكَى عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يَؤُمُّنَا جَالِسًا وَنَحْنُ جُلُوسٌ ) .
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لَا يَؤُمُّ الْقَاعِدُ الْقَائِمِينَ ، فَإِنْ فَعَلُوا لَمْ يُجْزِهِمْ ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ : تَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ ، وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ إِذَا صَفُّوا خَلْفَهُ جُلُوسًا .
وقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ : يُصَلُّونَ قِيَامًا ، وَلَا يُتَابِعُونَ الْإِمَامَ فِي الْجُلُوسِ ، وَرَأَوْا أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مَنْسُوخَةٌ ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ مِنَ الْعُلَمَاءِ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ ، وَقَدْ حَكَيْنَا نَحْوَ هَذَا عَنِ الثَّوْرِيِّ .
نَسْخُ ذَلِكَ
((ح 143))
أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْلِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ الْجُنَيْدِ ، أَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيُّ فِي كِتَابِهِ ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ موسى بْنِ شَاذَانَ ، [1/415] أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، أَنَا الرَّبِيعُ ، أَنَا الشَّافِعِيُّ ، أَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ فِي مَرَضِهِ فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي بالناس ، فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَنْ كَمَا أَنْتَ ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ .
((ح 144))
وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا :
عَنِ الثِّقَةِ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، [1/416] عَنْ عَائِشَةَ مَوْصُولًا .
((ح 145 ))
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي طَالِبٍ الْكَتَّانِيِّ بِوَاسِطِ الْعِرَاقِ ، أَخْبَرَكَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ فِي كِتَابِهِ ، أَنَا الْحَسَنُ بْنُ أحمد بْنِ شَاذَانَ ، أَنَا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْأَسْوَدِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ :
لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ ، فَقَالَ : ( مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ) - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ - قَالَتْ : فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً ، قَالَتْ : فَقَامَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلَاهُ تَخُطَّانِ فِي الْأَرْضِ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ ، فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَنْ قُمْ كَمَا أَنْتَ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَتْ : فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ م صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا ، وَكَانَ بَكْرٍ قَائِم ، يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ [1/417] بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَالنَّاسُ يَقْتَدُونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، وأخرجه أيضا عَنْ مُسَدَّدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ الْخُرَيْبِيِّ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ : فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ ، وَقَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى جَنْبِهِ يُصَلِّي .
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَفَصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ الْأَعْمَشِ .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ وَكِيعٍ ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ ، وَعَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِمَعْنَاهُ دُونَ ذِكْرِ الْيَسَارِ .
وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ ، قَالُوا : فَهَذَا الْفِعْلُ الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَحِيحٌ عَنْهُ ، وَيَكُونُ نَاسِخًا لِلْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ .
وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ ، قَالَ : الْمُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعِ الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ وَلَا يَؤُمَّ قَاعِدًا ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا مَرِضَ اسْتَخْلَفَ فِي أَكْثَرِ الصَّلَوَاتِ ، وَإِنَّمَا صَلَّى بِنَفْسِهِ دُفْعَةً وَاحِدَةً .
((ث 028))
قَرَأْتُ عَلَى رَوْحِ بْنِ بَدْرِ بْنِ ثَابِتٍ الرَّادانيِّ ، [1/418] أَخْبَرَكَ أَبُو الْفَتْحِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ إِذْنًا ، عَنْ كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الصَّيْرَفِيِّ ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، أَنَا الرَّبِيعُ ، أَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ :
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا قُلْتُ - شَيْءٌ مَنْسُوخٌ وَنَاسِخٌ ، - فَذَكَرَ حَدِيثَ أَنَسٍ وَحَدِيثَ عَائِشَةَ ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُمَا ، ثُمَّ قَالَ : وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْسُوخٌ بِسُنَّتِهِ ، ذَلِكَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ روى : أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى جَالِسًا مِنْ سَقْطَةِ فَرَسٍ ، وَعَائِشَةَ تَرْوِي ذَلِكَ ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ يُوَافِقُ رِوَايَتَهُمَا ، وَأَمَرَ مَنْ خَلْفَهُ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ بِالْجُلُوسِ إِذَا صَلَّى جَالِسًا ، ثُمَّ يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَالِسًا ، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا ، قَالَ : وَهِيَ آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِالنَّاسِ ، بِأَبِي وَأُمِّي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا نَاسِخًا .
وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ ، حَيْثُ أَمَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ قَاعِدٌ ، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ : فَأَمَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ قَاعِدٌ ، وَأَمَّ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ وَهُوَ قَائِمٌ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ إِمَامًا فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ بِإِمَامَيْنِ ، وَإِنَّمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ الْإِمَامُ ، وَأَبُو بَكْرٍ كَانَ يُبَلِّغُ النَّاسَ التَّكْبِيرَ ، فَسُمِّيَ لِذَلِكَ إِمَامًا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي الرِّسَالَةِ :
[1/419] فَلَمَّا كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَاعِدًا ، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا ، اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ لِلنَّاسِ بِالْجُلُوسِ فِي سَقْطَتِهِ عَنِ الْفَرَسِ قَبْلَ مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ، وَكَانَتْ صَلَاتُهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَاعِدًا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَام نَاسِخَةً لِأَنْ يَجْلِسَ النَّاسُ بِجُلُوسِ الْإِمَامِ .
وَكَانَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ بِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ أَجْمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ؛ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ قَائِمًا إِذَا أَطَاقَهَا الْمُصَلِّي ، وَقَاعِدًا إِذَا لَمْ يُطِقْ ، وَأَنْ لَيْسَ لِلْمُطِيقِ الْقِيَامُ مُنْفَرِدًا ، أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا .
فَكَانَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يصَلّي فِي مَرَضِهِ قَاعِدًا ، وَمَنْ خَلْفَهُ قِيَامًا ، مَعَ أَنَّهَا نَاسِخَةٌ لِسُنَّتِهِ الْأُولَى قَبْلَهَا ، مُوَافَقًا بسُنَّتِهِ فِي الصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ .
وَإِجْمَاعُ النَّاسِ : أَنْ يُصَلِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَرْضَهُ ، كَمَا يُصَلِّي المريض خَلْفَ الْإِمَامِ الصَّحِيحِ قَاعِدًا وَالْإِمَامُ قَائِمًا .
وَهَكَذَا نَقُولُ : يُصَلِّي الْإِمَامُ جَالِسًا ، وَمَنْ خَلْفَهُ مِنَ الْأَصِحَّاءِ قِيَامًا ؛ فَيُصَلِّي كُلُّ وَاحِدٍ فَرْضَهُ ، وَلَوْ وَكَّلَ غَيْرَهُ كَانَ حَسَنًا .
وَقَدْ أُوهِمَ بَعْضٌ ، فَقَالَ : لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدَ النَّبِيِّ جَالِسًا ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ مُنْقَطِعا عَنْ رَجُلٍ مَرْغُوبِ عن الرِّوَايَةِ عَنْهُ ، لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ حُجَّةٌ عَلَى أَحَدٍ ، فِيهِ :
((ح 146 ))
لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا .
[1/420] ((ث 029))
أَخْبَرَنِي أَبُو الْمَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّاهِدُ ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَن أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ ، أَن الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَا الْأَصَمُّ ، أَنَا الرَّبِيعُ ، أَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ :
فَقَدْ روي فِي هَذَا الصِّنْفِ - يَعْنِي في الصَّلَاةَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي جَالِسًا - يَغْلَطُ فِيهِ بَعْضُ مَنْ يذَهَبَ إِلَى الْحَدِيثِ ، وَذَلِكَ :
((ث 030))
أَنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيَّ ، أَنبأ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، [1/421] عَنْ جَابِرٍ :
أَنَّهُمْ خَرَجُوا يُشَيِّعُونَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَصَلَّى جَالِسًا ، وَصَلَّوْا خَلْفَهُ جُلُوسًا .
((ث 031))
قَالَ :
وَأَنَا الثَّقَفِيُّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ :
وَفِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ يَعْلَمُ الشَّيْءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَعْلَمُ خِلَافَهُ عَنْهُ ، فَيَقُولُ بِمَا عَلِمَ ، ثُمَّ لَا يَكُونُ فِي قَوْلِهِ بِمَا عَلِمَ وَرَوَى حُجَّةٌ عَلَى أَحَدٍ علم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ قَوْلًا أَوْ عَمِلَ عَمَلًا يَنْسَخُ الْعَمَلَ الَّذِي قَالَ بِهِ غَيْرُهُ وَعَمِلَهُ ، - وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي هَذَا ، وَأَرَادَ أَنَّهُمَا إِنَّمَا فَعَلَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمَا النَّسْخُ ، وقَالَ :
وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى : أَنَّ عِلْمَ الْخَاصَّةِ يُوجَدُ عِنْدَ بَعْضٍ وَيَغْرُبُ عَنْ بَعْضٍ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
آخر الجزء الثالث ، والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم . يتلوه الجزء الرابع .
بسم الله الرحمن الرحيم ، صلى الله على محمد وآله ، أخبرنا [1/422] الشيخ الأجل القاضي الفقيه سديد الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن سماقا الأسعردي رضي الله عنه بالقاهرة مناولة وإجازة في ذي الحجة سنة تسع وثمانين وخمسمائة قال : أخبرنا الشيخ الإمام الأجل العالم الحافظ زين الدين ناصر السنة أبو بكر محمد بن أبي عثمان موسى الحازمي بقراءتي عليه بمدينة السلام ، قال :
الْجُزْءُ الرَّابِعُ مِنْ كِتَابِ الِاعْتِبَارِ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فِي الْحَدِيثِ ، تَأْلِيفِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْأَجَلِّ الْعَالِمِ الْحَافِظِ زَيْنِ الدِّينِ نَاصِرِ السُّنَّةِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ مُوسَى بْنِ عُثْمَانَ الْحَازِمِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَةِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ سَدِيدِ الدِّينِ أَبِي إِسْحَاقَ بن إِبْرَاهِيمَ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سُمَاقَا الْأَسْعَرديِّ ، أَدَامَ اللَّهُ كَرَامَتَهُ بِتَقْوَاهُ .