[ 5 ] ( 5 ) - وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبِي . ( ح ) ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ؛ قَالَا : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ ، عن أبي هريرة قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ .
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ بِمِثْلِ ذَلِكَ .
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ : بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنْ الْكَذِبِ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ .
وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : قَالَ لِي مَالِكٌ : اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ يَسْلَمُ رَجُلٌ حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ، وَلَا يَكُونُ إِمَامًا أَبَدًا وَهُوَ يُحَدِّثُ بِكُلِّ مَا سَمِعَ .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنْ الْكَذِبِ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ .
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ يَقُولُ : لَا يَكُونُ الرَّجُلُ إِمَامًا يُقْتَدَى بِهِ حَتَّى يُمْسِكَ عَنْ بَعْضِ مَا سَمِعَ .
وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُقَدَّمٍ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ : سَأَلَنِي إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ : إِنِّي أَرَاكَ قَدْ كَلِفْتَ بِعِلْمِ الْقُرْآنِ ، فَاقْرَأْ عَلَيَّ سُورَةً وَفَسِّرْ حَتَّى أَنْظُرَ فِيمَا عَلِمْتَ . قَالَ : فَفَعَلْتُ ، فَقَالَ لِيَ : احْفَظْ عَلَيَّ مَا أَقُولُ لَكَ : إِيَّاكَ وَالشَّنَاعَةَ فِي الْحَدِيثِ ، فَإِنَّهُ قَلَّمَا حَمَلَهَا أَحَدٌ إِلَّا ذَلَّ فِي نَفْسِهِ وَكُذِّبَ فِي حَدِيثِهِ .
وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَا : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ : مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً .

( 3 ) بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْحَدِيثِ بِكُلِّ مَا سَمِعَ
فِيهِ ( خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ) . وَفِي الطَّرِيقِ الْآخَرِ : عَنْ خُبَيْبٍ أَيْضًا ، عَنْ حَفْصٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ بِمِثْلِ ذَلِكَ . وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الْكَذِبِ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ، وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ نَحْوِهِ .
أَمَّا أَسَانِيدُهُ فخبيب بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْفَصْلِ بَيَانُهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ خُبَيْبٌ بِالْمُعْجَمَةِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ ؛ هَذَا ، وَخُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ ، وَأَبُو خُبَيْبٍ كُنْيَةُ ابْنِ الزُّبَيْرِ .
وَفِيهِ ( هُشَيْمٌ ) بِضَمِّ الْهَاءِ ، وَهُوَ ابْنُ بَشِيرٍ السُّلَمِيُّ الْوَاسِطِيُّ أَبُو مُعَاوِيَةَ ، اتَّفَقَ أَهْلُ عَصْرِهِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى جَلَالَتِهِ وَكَثْرَةِ حِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ وَصِيَانَتِهِ ، وَكَانَ مُدَلِّسًا . وَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ هُنَا : عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ . وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ أَنَّ الْمُدَلِّسَ إِذَا قَالَ : عَنْ ، لَا يُحْتَجُّ بِهِ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ سَمَاعُهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى ، وَإنَّ مَا كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ ذَلِكَ فَمَحْمُولٌ عَلَى ثُبُوتِ سَمَاعِهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى ، وَهَذَا مِنْهُ .
وَفِيهِ ( أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ ) بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ ، مَنْسُوبٌ إِلَى جَدٍّ مِنْ أَجْدَادِهِ وَهُوَ نَهْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ لَيْثٍ . وَأَبُو عُثْمَانَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَفُضَلَائِهِمْ ، وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَلٍّ ؛ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا ، وَاللَّامُ مُشَدَّدَةٌ عَلَى الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ . وَيُقَالُ : مِلْءٍ ؛ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ . وَأَسْلَمَ أَبُو عُثْمَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَلْقَهُ ، وَسَمِعَ جَمَاعَاتٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَاتٌ مِنَ التَّابِعِينَ ، وَهُوَ كُوفِيٌّ ثُمَّ بَصْرِيٌّ ، كَانَ بِالْكُوفَةِ مُسْتَوْطِنًا ، فَلَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَحَوَّلَ مِنْهَا فَنَزَلَ الْبَصْرَةَ ، وَقَالَ : لَا أَسْكُنُ بَلَدًا قُتِلَ فِيهِ ابْنُ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَرُوِّينَا عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ : لَا أَعْلَمُ فِي التَّابِعِينَ مِثْلَ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ وَقَيْسِ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ . وَمِنْ طُرَفِ أَخْبَارِهِ مَا رُوِّينَاهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : بَلَغْتُ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَقَدْ أَنْكَرْتُهُ إِلَّا أَمَلِي ؛ فَإِنِّي أَجِدهُ كَمَا هُوَ . مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ ، وَقِيلَ : سَنَةَ مِائَةٍ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَفِي الْإِسْنَادِ الْآخَرِ ( عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ) .
أَمَّا ( عَبْدُ الرَّحْمَنِ ) فَابْنُ مَهْدِيٍّ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ أَبُو سَعِيدٍ الْبَصْرِيُّ .
وَأَمَّا ( سُفْيَانُ ) فَهُوَ الثَّوْرِيُّ ، الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ .
وَأَمَّا ( أَبُو إِسْحَاقَ ) فَهُوَ السَّبِيعِيُّ ؛ بِفَتْحِ السِّينِ ، وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ .
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ : سَمِعَ ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ عَلِيُّ ابْنُ الْمَدِينِيِّ : رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ سَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ لَمْ يَرْوِ عَنْهُمْ غَيْرُهُ . وَهُوَ [1/68] مَنْسُوبٌ إِلَى جَدٍّ مِنْ أَجْدَادِهِ اسْمُهُ السَّبِيعُ بْنُ صَعْبِ بْنِ مُعَاوِيَةَ .
وَأَمَّا ( أَبُو الْأَحْوَصِ ) فَاسْمُهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الْجُشَمِيُّ الْكُوفِيُّ التَّابِعِيُّ الْمَعْرُوفُ ، لِأَبِيهِ صُحْبَةٌ .
وَأَمَّا ( عَبْدُ اللَّهِ ) فَابْنُ مَسْعُودٍ ، الصَّحَابِيُّ السَّيِّدُ الْجَلِيلُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ .
وَأَمَّا ( ابْنُ وَهْبٍ ) فِي الْإِسْنَادِ الْآخَرِ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبِ بْنِ مُسْلِمٍ ، أَبُو مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ الْفِهْرِيُّ مَوْلَاهُمُ ، الْبَصْرِيُّ ، الْإِمَامُ الْمُتَّفَقُ عَلَى حِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ وَجَلَالَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَفِي الْإِسْنَادِ الْآخَرِ : ( يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ) .
أَمَّا ( يُونُسُ ) فَهُوَ ابْنُ يَزِيدَ ، أَبُو يَزِيدَ الْقُرَشِيُّ الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمْ ، الإبلي بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ . وَفِي يُونُسَ سِتُّ لُغَاتٍ : ضَمُّ النُّونِ وَكَسْرُهَا وَفَتْحُهَا مَعَ الْهَمْزِ ، وَتَرْكُهُ . وَكَذَلِكَ فِي يُوسُفَ اللُّغَاتُ السِّتُّ وَالْحَرَكَاتُ الثَّلَاثُ فِي سِينِهِ ، ذَكَرَ ابْنُ السِّكِّيتِ مُعْظَمَ اللُّغَاتِ فِيهِمَا ، وَذَكَرَ أَبُو الْبَقَاءِ بَاقِيهِنَّ .
وَأَمَّا ( ابْنُ شِهَابٍ ) فَهُوَ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَرْثِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ ، أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ ، سَكَنَ الشَّامَ ، وَأَدْرَكَ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ نَحْوَ عَشَرَةٍ ، وَأَكْثَرَ مِنَ الرِّوَايَاتِ عَنِ التَّابِعِينَ ، وَأَكْثَرُوا مِنَ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ . وَأَحْوَالُهُ فِي الْعِلْمِ وَالْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ وَالْإِتْقَانِ وَالِاجْتِهَادِ فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْمَشَقَّةِ فِيهِ وَبَذْلِ النَّفْسِ فِي تَحْصِيلِهِ وَالْعِبَادَةِ وَالْوَرَعِ وَالْكَرَمِ وَهَوَانِ الدُّنْيَا عِنْدَهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَرَ وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُشْهَرَ .
وَأَمَّا ( عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ) فَهُوَ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ ، الْإِمَامُ الْجَلِيلُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ .
وَأَمَّا فِقْهُ الْإِسْنَادِ فَهَكَذَا وَقَعَ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ عَنْ حَفْصٍ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُرْسَلًا ، فَإِنَّ حَفْصًا تَابِعِيٌّ . وَفِي الطَّرِيقِ الثَّانِي عَنْ حَفْصٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَّصِلًا . فَالطَّرِيقُ الْأَوَّلُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، وَكِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ غُنْدَرٌ ، عَنْ شُعْبَةَ فَأَرْسَلَهُ . وَالطَّرِيقُ الثَّانِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَفْصٍ ، عَنْ شُعْبَةَ . قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : الصَّوَابُ الْمُرْسَلُ عَنْ شُعْبَةَ ، كَمَا رَوَاهُ مُعَاذٌ وَابْنُ مَهْدِيٍّ وَغُنْدَرٌ . قُلْتُ : وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ أَيْضًا مُرْسَلًا وَمُتَّصِلًا ، فَرَوَاهُ مُرْسَلًا عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ النُّمَيْرِيِّ ، عَنْ شُعْبَةَ ، وَرَوَاهُ مُتَّصِلًا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ حَفْصٍ . وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ رُوِيَ مُتَّصِلًا وَمُرْسَلًا فَالْعَمَلُ عَلَى أَنَّهُ مُتَّصِلٌ ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْفُقَهَاءُ وَأَصْحَابُ الْأُصُولِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الْأَكْثَرِينَ رَوَوْهُ مُرْسَلًا ؛ فَإِنَّ الْوَصْلَ زِيَادَةٌ مِنْ ثِقَةٍ وَهِيَ مَقْبُولَةٌ ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُوَضَّحَةً فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِي : ( بِمِثْلِ ذَلِكَ ) فَهِيَ رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفُصُولِ بَيَانُ هَذَا وَكَيْفِيَّةُ الرِّوَايَةِ بِهِ .

[1/69] وَقَوْلُهُ : ( بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الْكَذِبِ ) هُوَ بِإِسْكَانِ السِّينِ ، وَمَعْنَاهُ : يَكْفِيهِ ذَلِكَ مِنَ الْكَذِبِ ، فَإِنَّهُ قَدِ اسْتَكْثَرَ مِنْهُ . وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ وَالْآثَارِ الَّتِي فِي الْبَابِ فَفِيهَا الزَّجْرُ عَنِ التَّحْدِيثِ بِكُلِّ مَا سَمِعَ الْإِنْسَانُ ، فَإِنَّهُ يَسْمَعُ فِي الْعَادَةِ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ ، فَإِذَا حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ فَقَدْ كَذَبَ لِإِخْبَارِهِ بِمَا لَمْ يَكُنْ . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الْكَذِبَ الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا هُوَ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَمُّدُ ؛ لَكِنَّ التَّعَمُّدُ شَرْطٌ فِي كَوْنِهِ إِثْمًا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( وَلَا يَكُونُ إِمَامًا وَهُوَ يُحَدِّثُ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ) فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ كَثُرَ الْخَطَأُ فِي رِوَايَتِهِ ، فَتُرِكَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَالْأَخْذُ عَنْهُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( أَرَاكَ قَدْ كَلِفْتَ بِعِلْمِ الْقُرْآنِ ) فَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ اللَّامِ بِالْفَاءِ ، وَمَعْنَاهُ : وَلِعْتَ بِهِ وَلَازَمْتَهُ . قَالَ ابْنُ فَارِسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ : الْكَلَفُ الْإِيلَاعُ بِالشَّيْءِ . وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الزَّمَخْشَرِيُّ : الْكَلَفُ الْإِيلَاعُ بِالشَّيْءِ مَعَ شَغْلِ قَلْبٍ وَمَشَقَّةٍ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( إِيَّاكَ وَالشَّنَاعَةَ فِي الْحَدِيثِ ) فَهِيَ بِفَتْحِ الشِّينِ ، وَهِيَ الْقُبْحُ . قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : الشَّنَاعَةُ الْقُبْحُ ، وَقَدْ شَنُعَ الشَّيْءُ - بِضَمِّ النُّونِ - أَيْ قَبُحَ ، فَهُوَ أَشْنَعُ وَشَنِيعٌ . وَشَنِعْتُ بِالشَّيْءِ - بِكَسْرِ النُّونِ - وَشَنِعْتُهُ ؛ أَيْ : أَنْكَرْتُهُ ، وَشَنَّعْتُ عَلَى الرَّجُلُ ؛ أَيْ : ذَكَرْتُهُ بِقَبِيحٍ . وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّهُ حَذَّرَهُ أَنْ يُحَدِّثَ بِالْأَحَادِيثِ [1/70] الْمُنْكَرَةِ الَّتِي يَشْنُعُ عَلَى صَاحِبِهَا وَيُنْكَرُ وَيَقْبُحُ حَالُ صَاحِبِهَا فَيُكَذَّبُ أَوْ يُسْتَرَابُ فِي رِوَايَاتِهِ فَتَسْقُطُ مَنْزِلَتُهُ وَيَذِلُّ فِي نَفْسِهِ ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .