حدثنا يوسف بن يعقوب، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: أخبروني بشجرة كالرجل المسلم، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، لا يتحات ورقها، ثم قال: هي النخلة .
حدثنا محمد بن علي الناقد: حدثنا إبراهيم بن الحسن العلاف ، حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل جمارا، فقال : ( إن من الشجر كالرجل المؤمن ) . فأردت أن أقول : هي النخلة ، فنظرت في وجوه القوم فإذا أنا أحدثهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هي النخلة . قوله : ( لا يتحات ورقها ) يعني : لا يتساقط، كما يتساقط ورق الشجر ، وورقها : خوصها ، وأصل الحت : الفرك، قال الشاعر : ( من الطويل ) :
تحت بقرنيها برير أراكة
وتعطو بظلفيها إذا الغصن طالها
وسمى الخوص ورقا، كما سمى النخلة شجرة . وفي هذا [1/70] كلام بين الفقهاء ، والنخلة سيدة الشجر ، ضربها الله تعالى مثلا لقول لا إله إلا الله ، فقال: مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (14|24) .
ومثلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالرجل المؤمن القوي في إيمانه ، المنتفع به في جميع أحواله . والعرب تعظمها وتكثر في أشعارهم ذكرها، وزعم قوم ممن يتعمق في الاشتقاق: إن اسمها مشتق من الانتخال ، وهو التصفية والاختيار . قالوا : فهي صفوة الشجر، ومختار المعاش . وهذا قول نادر شاذ . تقول : نخلت الشيء إذا صفيته ، ونخلت الكلام والشعر إذا هذبته ولخصته . قال الشاعر ( من الطويل ) :
تنخلتها مدحا لقوم ولم أكن
لغيرهم فيما مضى أتنخل
وبه سمي المتنخل الشاعر ، ويقال : آشر من نخلة ، وأعظم بركة من نخلة ، وتوصف المرأة الجزلة بها ، وتوصف الفرس بجذعها ، والقمر حين يبدو بعرجونها ، ونسبة الخلق في تمامه وشطاطه بمجالها ، ويسمى طلعها الكافور ، وجمارها الإغريض - وهو الفضة - ويقال : إنه ليس في المأكول أنظف منها .
وقال رجل من العرب يصف نسوة : كلامهن أقتل من النبل، وأوقع في القلوب من الوبل [1/71] في المحل، وفروعهن أحسن من فروع النخل، وقال الشاعر ( من الوافر ) :
كأن فروعهن بكل ريح
عذارى بالذوائب ينتصينا
وقال العرجي ( من الكامل ) :
حوراء يمنعها القيام إذا
قعدت تمام الخلق والبهر
كالعذق في رأس الكثيب نما
طولا ومال بفرعه الوفر
وقال الحارث المخزومي ( من الكامل ) :
كالعذق زعزعه رياح حرجف
فاهتز بعد فروعه قنوانه
ويقال في بلوغ الغاية في صفاء الشيء وليانه ومخه : ما هو إلا جمارة ، وكأنه جمارة النخل ، كما قال الهيتي ( من الرمل ) :
أنتم جمارة من هاشم
والكرانيف سواكم والحطب
حدثنا يوسف بن يعقوب، حدثنا محمد بن كثير، حدثنا [1/72] سليمان بن كثير، عن حصين، عن عكرمة في قول الله تعالى: مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ (14|24) قال: هي النخلة لا يزال فيها شيء ينتفع به، إما ثمره وإما حطبه، وكذلك الكلمة الطيبة ينتفع بها صاحبها في الدنيا والآخرة.
حدثنا الحسن بن المثنى، حدثنا أبو حذيفة، حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الشجرة الطيبة النخلة، والخبيثة الحنظلة، مثل المؤمن والكافر.
حدثنا يوسف، حدثنا المقدمي، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا شعيب بن الحبحاب، قال: كنا عند أنس بن مالك فجيء بطبق من رطب، فقال: كلوا فإن هذه التي ذكر الله: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ (14|24)، قال: وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ (14|26) تلكم الحنظلة .