[1/311] مَا ذُكِرَ فِي سَهْوِ الْكَلَامِ دُونَ عَمْدِهِ
( ح 077 )
ذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَزْوِينِيُّ ، أنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الطَّبَرِيُّ ، أنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ عَنْبَسَةَ ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ ، عَنْ كُلْثُومِ بْنِ الْمُصْطَلِقِ الْخُزَاعِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَوَّدَنِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلَامُ ، فَأَتَيْتُهُ ذَاتَ يَوْمٍ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ ، وَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يُحْدِثُ فِي أَمْرِهِ مَا [1/312] يَشَاءُ ؛ وَقَدْ أَحْدَثَ لَكُمْ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَنَّ أَحَدٌ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَمَا يَنْبَغِي مِنْ تَحْمِيدِهِ وَتَمْجِيدِهِ ، وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ .
وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَابِ يَجْرِي في فَصْلَيْنِ :
أَحَدُ الْفَصْلَيْنِ : فِي الْمَنْعِ عَنْ مُطْلَقِ الْكَلَامِ ؛ سَهْوِهِ وَعَمْدِهِ .
وَالثَّانِي : فِي اخْتِصَاصِ الْمَنْعِ بِالْعَمْدِ دُونَ السَّهْوِ .
أَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ : فَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ قَاطِبَةً عَلَى أَنَّ مَنْ تَكَلَّمُ عَامِدًا وَهُوَ لَا يُرِيدُ تَعْلِيمَ أَحَدٍ ، أَوْ إِصْلَاحَ شَيْءٍ أَنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ ، وَذَهَبُوا إِلَى الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا .
وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي فِي السَّهْوِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُصَلِّي يُسَلِّمُ فِي صَلَاتِهِ سَاهِيًا ، أَوْ يَتَكَلَّمُ سَاهِيًا قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ ، فَذَهَبَ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَكَلَّمَ سَاهِيًا يَسْتَأْنِفُ صَلَاتَهُ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ قَتَادَةُ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ ، وَتَمَسَّكُوا بِظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ ، فَيَتَنَاوَلُ حَالَتَيِ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ .
وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ ، وَقَالُوا : يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ . وَسَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي رَكْعَتَيْنِ سَاهِيًا ، وَبَنَى عَلَيْهِمَا ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَصَابَ .
وَبِهِ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، وَعَطَاءٌ ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، وقَتَادَةُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَنَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَصْحَابُهُ ، وَأَحْمَدُ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالشَّامِ .
وَذَهَبُوا فِي ذَلِكَ إِلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَرَأَوْهُ نَاسِخًا لِلسَّهْوِ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ دُونَ الْعَمْدِ ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ الْحَدِيثَيْنِ .
[1/313] ( ح 078 )
أَخْبَرَنِي أَبُو مُسْلِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجُنَيْدِ ، أنَا أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ أبي عَبْدِ اللَّهِ الْمُطَرِّزُ ، أنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ، أنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى أَبِي أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ ، فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ : أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ . قَالَ : قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّاسِ فَقَالَ : صَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : فَأَتَمَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بَقِيَ مِنَ [1/314] الصَّلَاةِ ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ مَا سَلَّمَ .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ قُتَيْبَةَ ، عَنْ مَالِكٍ ، وَلَهُ طُرُقٌ فِي الصِّحَاحِ .
( ح 079 )
أخبرنَا عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، أنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، أنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرَشِيُّ ، أنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، أنَا الرَّبِيعُ ، أنَا الشَّافِعِيُّ ، أنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، قَالَ : سَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ مِنَ الْعَصْرِ ، ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ الْحُجْرَةَ ، فَقَامَ الْخِرْبَاقُ - وهو رَجُلٌ بَسِيطُ الْيَدَيْنِ - فَنَادَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ ؟ فَخَرَجَ مُغْضَبًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ ، فَأَخْبَرَ ، فَصَلَّى تِلْكَ الرَّابعة الَّتِي كَانَ تَرَكَ ، ثُمَّ سَلَّمَ ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ ، ثُمَّ سَلَّمَ .
[1/315] رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ .
( ث 018 )
أخبرنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَافِظُ فِي كِتَابِهِ ، أنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصَّيْرَفِيُّ ، أنَا الْمَحَامِلِيُّ ، أنَا الدَّارَقُطْنِيُّ ، وَذَكَرَ عَنِ الْقَاضِي أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ : قَالَ أَبِي : قَالَ الشَّافِعِيُّ : إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْعَمْدِ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ بِمَكَّةَ - يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ - وَحَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ بِالْمَدِينَةِ ؛ فَهُوَ نَاسِخٌ .
( ث 019 )
أَخْبَرَنِي أَبُو الْمَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّاهِدُ ، [1/316] أنَا زَاهِرُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُسْتَمْلِي ، أنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، أنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ، أنَا الرَّبِيعُ قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ - بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيجٍ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاتِهِ سَاهِيًا - :
وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ ، وَلَيْسَ بِخِلَافِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ َحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ ، وحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْكَلَامِ جُمْلَةً ، وَدَلَّ حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَ كَلَامِ الْعَامْدِ وَالنَّاسِي ؛ لِأَنَّهُ فِي صَلَاةٍ ، والمتكلم وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ أَكْمَلَ الصَّلَاةَ ، فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ وَقَالَ : حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ ثَابِتٌ ، وَلَكِنَّهُ مَنْسُوخٌ . فَقُلْتُ : وَمَا نَاسِخُهُ ؟ فَقَالَ : حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ . فَقُلْتُ لَهُ : وَالنَّاسِخُ إِذَا اخْتَلَفَ الْحَدِيثَانِ الْآخِرُ مِنْهُمَا ؟ قَالَ : نَعَمْ . فَقُلْتُ لَهُ : أَلَسْتَ تَحَفَظُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ قَالَ : فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي فِي فِنَاءِ الْكَعْبَةِ ، وَأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَشَهِدَ بَدْرًا ؟ قَالَ : بَلَى . فَقُلْتُ لَهُ : فإِذَا كَانَ مَقْدِمُ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ ، ثُمَّ كَانَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنِ يَرْوِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ فِي مَسْجِدِهِ إِلَّا بَعْدَ هِجْرَتِهِ مِنْ مَكَّةَ ؟ قَالَ : بَلَى . قُلْتُ : فَحَدِيثُ عِمْرَانَ يَدُلُّكَ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ لَيْسَ بِنَاسِخٍ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ .