6 - بَاب مَا جَاءَ فِي الْعِلْمِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى : وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا
الْقِرَاءَةُ وَالْعَرْضُ عَلَى الْمُحَدِّثِ وَرَأَى الْحَسَنُ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ الْقِرَاءَةَ جَائِزَةً وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ بِحَدِيثِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ ؟ قال : نعم قَالَ : فَهَذِهِ قِرَاءَةٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ ضِمَامٌ قَوْمَهُ بِذَلِكَ فَأَجَازُوهُ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِالصَّكِّ يُقْرَأُ عَلَى الْقَوْمِ فَيَقُولُونَ أَشْهَدَنَا فُلَانٌ وَيُقْرَأُ ذَلِكَ قِرَاءَةً عَلَيْهِمْ وَيُقْرَأُ عَلَى الْمُقْرِئِ فَيَقُولُ الْقَارِئُ أَقْرَأَنِي فُلَانٌ . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْوَاسِطِيُّ ، عَنْ عَوْفٍ ، عَنْ الْحَسَنِ قال : لا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ . وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ قال : حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ : إِذَا قُرِئَ عَلَى الْمُحَدِّثِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تقُولَ : حَدَّثَنِي قَالَ : وَسَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ يَقُولُ عَنْ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْعَالِمِ وَقِرَاءَتُهُ سَوَاءٌ
63 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، قال : حدثنا اللَّيْثُ ، عَنْ سَعِيدٍ هُوَ الْمَقْبُرِيُّ ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ : بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَقُلْنَا : هَذَا الرَّجُلُ الْأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَبْتُكَ فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلَا تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ فَقَالَ : سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ فَقَالَ : أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ ؟ فَقَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ؟ قَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنْ السَّنَةِ ؟ قَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ فَقَالَ الرَّجُلُ : آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي ، وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ، رَوَاهُ مُوسَى ، وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا .


[1/179] قَوْلُهُ : ( بَابُ الْقِرَاءَةِ وَالْعَرْضِ عَلَى الْمُحَدِّثِ ) إِنَّمَا غَايَرَ بَيْنَهُمَا بِالْعَطْفِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ ، [1/180] لِأَنَّ الطَّالِبَ إِذَا قَرَأَ كَانَ أَعَمَّ مِنَ الْعَرْضِ وَغَيْرِهِ ، وَلَا يَقَعُ الْعَرْضُ إِلَّا بِالْقِرَاءَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَرْضَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُعَارِضُ بِهِ الطَّالِبُ أَصْلَ شَيْخِهِ مَعَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ بِحَضْرَتِهِ فَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الْقِرَاءَةِ . وَتَوَسَّعَ فِيهِ بَعْضُهُمْ فَأَطْلَقَهُ عَلَى مَا إِذَا أَحْضَرَ الْأَصْلَ لِشَيْخِهِ فَنَظَرَ فِيهِ وَعَرَفَ صِحَّتَهُ وَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَدِّثَهُ بِهِ أَوْ يَقْرَأَهُ الطَّالِبُ عَلَيْهِ . وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا يُسَمَّى عَرْضَ الْمُنَاوَلَةِ بِالتَّقْيِيدِ لَا الْإِطْلَاقِ . وَقَدْ كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ لَا يَعْتَدُّونَ إِلَّا بِمَا سَمِعُوهُ مِنَ أَلْفَاظِ الْمَشَايِخِ دُونَ مَا يُقْرَأُ عَلَيْهِمْ ، وَلِهَذَا بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ عَلَى جَوَازِهِ وَأَوْرَدَ فِيهِ قَوْلَ الْحَسَنِ - وهو الْبَصْرِيُّ - لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ . ثُمَّ أَسْنَدَهُ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ عَلَّقَهُ وَكَذَا ذُكِرَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، وَمَالِكٍ مَوْصُولًا أَنَّهُمَا سَوَّيَا بَيْنَ السَّمَاعِ مِنَ الْعَالِمِ وَالْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ . وَقَوْلُهُ : " جَائِزًا " وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ : " جَائِزَةً " أَيِ : الْقِرَاءَةَ ; لِأَنَّ السَّمَاعَ لَا نِزَاعَ فِيهِ .
قَوْلُهُ : ( وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ ) الْمُحْتَجُّ بِذَلِكَ هُوَ الْحُمَيْدِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ قَالَهُ فِي كِتَابِ النَّوَادِرِ لَهُ ، كَذَا قَالَ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْتُهُ وَتَبِعْتُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي خِلَافُهُ وَأَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ الْحَدَّادُ ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ خُزَيْمَةَ قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلٍ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ : قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْحَدَّادُ : عِنْدِي خَبَرٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ . فَقِيلَ لَهُ ، فَقَالَ : قِصَّةُ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَ : آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا ؟ قال : نعم ، انْتَهَى . وَلَيْسَ فِي الْمَتْنِ الَّذِي سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ بَعْدُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ ضِمَامٍ أَنَّ ضِمَامًا أَخْبَرَ قَوْمَهُ بِذَلِكَ ، وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ أُخْرَى ذَكَرَهَا أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ نُوَيْفِعٍ ، عَنْ كُرَيْبٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : بَعَثَ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ ، وَفِي آخِرِهِ أَنَّ ضِمَامًا قَالَ لِقَوْمِهِ عِنْدَمَا رَجَعَ إِلَيْهِمْ : " إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ رَسُولًا وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا ، وَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِهِ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَنَهَاكُمْ عَنْهُ " قَالَ : فَوَاللَّهِ مَا أَمْسَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِي حَاضِرِهِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إِلَّا مُسْلِمًا . فَمَعْنَى قَوْلِ الْبُخَارِيِّ " فَأَجَازُوهُ " أَيْ : قَبِلُوهُ مِنْهُ ، وَلَمْ يَقْصِدِ الْإِجَازَةَ الْمُصْطَلَحَةَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ .
قَوْلُهُ : ( وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِالصَّكِّ ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : الصَّكُّ - يَعْنِي بِالْفَتْحِ - الْكِتَابُ ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ . وَالْجَمْعُ صِكَاكٌ وَصُكُوكٌ . وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَكْتُوبُ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ إِقْرَارُ الْمُقِرِّ ; لِأَنَّهُ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِ فَقَالَ : " نَعَمْ " سَاغَتِ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ هُوَ بِمَا فِيهِ ، فَكَذَلِكَ إِذَا قُرِئَ عَلَى الْعَالِمِ فَأَقَرَّ بِهِ صَحَّ أَنْ يُرْوَى عَنْهُ . وَأَمَّا قِيَاسُ مَالِكٍ قِرَاءَةَ الْحَدِيثِ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَرَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي الْكِفَايَةِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ : سَمِعْتُ مَالِكًا ، وَسُئِلَ عَنِ الْكُتُبِ الَّتِي تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَيَقُولُ الرَّجُلُ حَدَّثَنِي ؟ قَالَ : نَعَمْ ، كَذَلِكَ الْقُرْآنُ . أَلَيْسَ الرَّجُلُ يَقْرَأُ عَلَى الرَّجُلِ فَيَقُولُ : أَقْرَأَنِي فُلَانٌ ؟ وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ مُطَرِّفٍ قَالَ : صَحِبْتُ مَالِكًا سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً ، فَمَا رَأَيْتُهُ قَرَأَ الْمُوَطَّأِ عَلَى أَحَدٍ ، بَلْ يَقْرَءُونَ عَلَيْهِ . قَالَ : وَسَمِعْتُهُ يَأْبَى أَشَدَّ الْإِبَاءِ عَلَى مَنْ يَقُولُ : لَا يَجْزِيهِ إِلَّا السَّمَاعُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ ، وَيَقُولُ : كَيْفَ لَا يَجْزِيكَ هَذَا فِي الْحَدِيثِ ، وَيَجْزِيكَ فِي الْقُرْآنِ ، وَالْقُرْآنُ أَعْظَمُ ؟ قُلْتُ : وَقَدِ انْقَرَضَ الْخِلَافُ فِي كَوْنِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الشَّيْخِ لَا تَجْزِي ، وَإِنَّمَا كَانَ يَقُولُهُ بَعْضُ الْمُتَشَدِّدِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ ، فَرَوَى الْخَطِيبُ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : لَا تَدَعُونَ تَنَطُّعَكُمْ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ ، الْعَرْضُ مِثْلُ السَّمَاعِ . وَبَالَغَ بَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ فِي مُخَالَفَتِهِمْ فَقَالُوا : إِنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى الشَّيْخِ أَرْفَعُ مِنَ السَّمَاعِ مِنْ لَفْظِهِ ، وَنَقَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ عَنْهُ ، وَنَقَلَهُ الْخَطِيبُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ شُعْبَةَ ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ [1/181] وَيَحْيَى الْقَطَّانِ . وَاعْتَلُّوا بِأَنَّ الشَّيْخَ لَوْ سَهَا لَمْ يَتَهَيَّأْ لِلطَّالِبِ الرَّدُّ عَلَيْهِ . وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ : الْقِرَاءَةُ عَلَيَّ أَثْبَتُ وَأَفْهَمُ لِي مِنْ أَنْ أَتَوَلَّى الْقِرَاءَةَ أَنَا . وَالْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ وَعَنْ سُفْيَانَ - وهو الثَّوْرِيُّ - أَنَّهُمَا سَوَاءٌ ، وَالْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ السَّمَاعَ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ أَرْفَعُ رُتْبَةً مِنَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ . مَا لَمْ يَعْرِضْ عَارِضٌ يُصَيِّرُ الْقِرَاءَةَ عَلَيْهِ أَوْلَى ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ السَّمَاعُ مِنْ لَفْظِهِ فِي الْإِمْلَاءِ أَرْفَعَ الدَّرَجَاتِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ مِنْ تَحَرُّزِ الشَّيْخِ وَالطَّالِبِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ : ( عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ ) هَذَا الْأَثَرُ رَوَاهُ الْخَطِيبُ أَتَمَّ سِيَاقًا مِمَّا هُنَا ، فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْوَاسِطِيِّ ، عَنْ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الْحَسَنَ فَقَالَ : يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْزِلِي بَعِيدٌ ، وَالِاخْتِلَافُ يَشُقُّ عَلَيَّ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَى بِالْقِرَاءَةِ بَأْسًا قَرَأْتُ عَلَيْكَ . قَالَ : مَا أُبَالِي قَرَأْتُ عَلَيْكَ أَوْ قَرَأْتَ عَلَيَّ . قَالَ : فَأَقُولُ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ . وَرَوَاهُ أَبُو الْفَضْلِ السُّلَيْمَانِيُّ فِي كِتَابِ الْحَثِّ عَلَى طَلَبِ الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ سَهْلِ بْنِ الْمُتَوَكِّلِ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ ، بِلَفْظِ : " قُلْنَا لِلْحَسَنِ : هَذِهِ الْكُتُبُ الَّتِي تُقْرَأُ عَلَيْكَ أَيْشِ نَقُولُ فِيهَا ؟ قَالَ : قُولُوا : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ " .
قَوْلُهُ : ( اللَّيْثُ ، عَنْ سَعِيدٍ ) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ اللَّيْثِ ، حَدَّثَنِي سَعِيدٌ ، وَكَذَا لِابْنِ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنِ اللَّيْثِ ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، عَنِ اللَّيْثِ قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ وَغَيْرُهُ عَنْ سَعِيدٍ مَوْهُومَةٌ مَعْدُودَةٌ مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ اللَّيْثَ سَمِعَهُ عَنْ سَعِيدٍ بِوَاسِطَةٍ ثُمَّ لَقِيَهُ فَحَدَّثَهُ بِهِ . وَفِيهِ اخْتِلَافٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ ، وَالْبَغَوِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ مَنْدَهْ منْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَلَمْ يَقْدَحْ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِيهِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ لِأَنَّ اللَّيْثَ أَثْبَتَهُمْ فِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِسَعِيدٍ فِيهِ شَيْخَانِ ، لَكِنْ تَتَرَجَّحَ رِوَايَةُ اللَّيْثِ بِأَنَّ الْمَقْبُرِيَّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ جَادَّةٌ مَأْلُوفَةٌ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهَا إِلَى غَيْرِهَا إِلَّا مَنْ كَانَ ضَابِطًا مُتَثَبِّتًا ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، عن أبيه : رِوَايَةُ الضَّحَّاكِ وَهْمٌ . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ : رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَوَهِمُوا فِيهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ اللَّيْثِ . أَمَّا مُسْلِمٌ فَلَمْ يُخَرِّجْهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بَلْ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهَا الْمُصَنِّفُ عَقِبَ هَذِهِ الطَّرِيقِ . وَمَا فَرَّ مِنْهُ مُسْلِمٌ وَقَعَ فِي نَظِيرِهِ ، فَإِنَّ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي ثَابِتٍ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ثَابِتٍ فَأَرْسَلَهُ ، وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ رِوَايَةَ حَمَّادٍ .
قَوْلُهُ : ( ابْنُ أَبِي نَمِرٍ ) هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ ، لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ ، ذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الصَّحَابَةِ ، وَأَخْرَجَ لَهُ ابْنُ السَّكَنِ حَدِيثًا ، وَأَغْفَلَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ تَبَعًا لِأُصُولِهِ .
قَوْلُهُ : ( فِي الْمَسْجِدِ ) أَيْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
قَوْلُهُ : ( وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَّكِئٌ ) فِيهِ جَوَازُ اتِّكَاءِ الْإِمَامِ بَيْنَ أَتْبَاعِهِ ، وَفِيهِ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِ التَّكَبُّرِ لِقَوْلِهِ : بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ ، وَهِيَ بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ بَيْنَهُمْ ، وَزِيدَ لَفْظُ الظَّهْرِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ ظَهْرًا مِنْهُمْ قُدَّامَهُ وَظَهْرًا وَرَاءَهُ ، فَهُوَ مَحْفُوفٌ بِهِمْ مِنْ جَانِبَيْهِ ، وَالْأَلِفُ وَالنُّونُ فِيهِ [1/182] لِلتَّأْكِيدِ قَالَهُ صَاحِبُ الْفَائِقِ . وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْآتِي ذِكْرُهَا آخِرَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَوَّلِهِ : " عَنْ أَنَسٍ قَالَ : نُهِينَا فِي الْقُرْآنِ أَنْ نَسْأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلِ فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ ، فَجَاءَ رَجُلٌ " وَكَأَنَّ أَنَسًا أَشَارَ إِلَى آيَةِ الْمَائِدَةِ ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِيهَا فِي التَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
قَوْلُهُ : ( دَخَلَ ) زَادَ الْأَصِيلِيُّ قَبْلَهَا " إِذْ " .
قَوْلُهُ : ( ثُمَّ عَقَلَهُ ) بِتَخْفِيفِ الْقَافِ أَيْ : شَدَّ عَلَى سَاقِ الْجَمَلِ - بَعْدَ أَنْ ثَنَى رُكْبَتَهُ - حَبْلًا . قَوْلُهُ : ( فِي الْمَسْجِدِ ) اسْتَنْبَطَ مِنْهُ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ طَهَارَةَ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَرْوَاثِهَا ، إِذْ لَا يُؤْمَنُ ذَلِكَ مِنْهُ مُدَّةَ كَوْنِهِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَدَلَالَتُهُ غَيْرُ وَاضِحَةٍ ، وَإِنَّمَا فِيهِ مُجَرَّدُ احْتِمَالٍ ، وَيَدْفَعُهُ رِوَايَةُ أَبِي نُعَيْمٍ : " أَقْبَلَ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ فَأَنَاخَهُ ثُمَّ عَقَلَهُ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ " فَهَذَا السِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا دَخَلَ بِهِ الْمَسْجِدَ ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ ، وَالْحَاكِمِ وَلَفْظُهَا : " فَأَنَاخَ بَعِيرَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَعَقَلَهُ ثُمَّ دَخَلَ " ، فَعَلَى هَذَا فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ مَجَازُ الْحَذْفِ ، وَالتَّقْدِيرُ : فَأَنَاخَهُ فِي سَاحَةِ الْمَسْجِدِ ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ .
قَوْلُهُ : ( الْأَبْيَضُ ) أَيِ : الْمُشْرَبُ بِحُمْرَةٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرٍ : " الْأَمْغَرُ " أَيْ : بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ حَمْزَةُ بْنُ الْحَارِثِ : هُوَ الْأَبْيَضُ الْمُشْرَبُ بِحُمْرَةٍ . وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي فِي صِفَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَبْيَضَ وَلَا آدَمَ ، أَيْ : لَمْ يَكُنْ أَبْيَضَ صِرْفًا .
قَوْلُهُ : ( أَجَبْتُكَ ) أَيْ : سَمِعْتُكَ ، وَالْمُرَادُ إِنْشَاءُ الْإِجَابَةِ ، أَوْ نَزَّلَ تَقْرِيرَهُ لِلصَّحَابَةِ فِي الْإِعْلَامِ عَنْهُ مَنْزِلَةَ النُّطْقِ ، وَهَذَا لَائِقٌ بِمُرَادِ الْمُصَنِّفِ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّمَا لَمْ يَقُلْ لَهُ نَعَمْ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطِبْهُ بِمَا يَلِيقُ بِمَنْزِلَتِهِ مِنَ التَّعْظِيمِ ، لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى : لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا وَالْعُذْرُ عَنْهُ - إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ قَدَّمَ مُسْلِمًا - أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ ، وَكَانَتْ فِيهِ بَقِيَّةٌ مِنْ جَفَاءِ الْأَعْرَابِ ، وَقَدْ ظَهَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : " فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ " وَفِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ : " وَزَعَمَ رَسُولُكُ أَنَّكَ تَزْعُمُ " وَلِهَذَا وَقَعَ فِي أَوَّلِ رِوَايَةِ ثَابِتِ ، عَنْ أَنَسٍ : " كُنَّا نُهِينَا فِي الْقُرْآنِ أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَيْءٍ ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلَ فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ " زَادَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ : " وَكَانُوا أَجْرَأَ عَلَى ذَلِكَ مِنَّا " يَعْنِي أَنَّ الصَّحَابَةَ وَاقِفُونَ عِنْدَ النَّهْيِ ، وَأُولَئِكَ يُعْذَرُونَ بِالْجَهْلِ ، وَتَمَنَّوْهُ عَاقِلًا لِيَكُونَ عَارِفًا بِمَا يَسْأَلُ عَنْهُ . وَظَهَرَ عَقْلُ ضِمَامٍ فِي تَقْدِيمِهِ الِاعْتِذَارَ بَيْنَ يَدَيْ مَسْأَلَتِهِ لِظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إِلَى مَقْصُودِهِ إِلَّا بِتِلْكَ الْمُخَاطَبَةِ . وَفِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ مِنَ الزِّيَادَةِ أَنَّهُ سَأَلَهُ : " مَنْ رَفَعَ السَّمَاءَ وَبَسَطَ الْأَرْضَ " وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمَصْنُوعَاتِ ، ثُمَّ أَقْسَمَ عَلَيْهِ بِهِ أَنْ يَصْدُقَهُ عَمَّا يَسْأَلُ عَنْهُ ، وَكَرَّرَ الْقَسَمَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ تَأْكِيدًا وَتَقْرِيرًا لِلْأَمْرِ ، ثُمَّ صَرَّحَ بِالتَّصْدِيقِ ، فَكُلُّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ تَصَرُّفِهِ وَتَمَكُّنِ عَقْلِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ : " مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ مَسْأَلَةً وَلَا أَوْجَزَ مِنْ ضِمَامٍ " .
قَوْلُهُ : ( ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ) بِفَتْحِ النُّونِ عَلَى النِّدَاءِ . وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ : " يَا ابْنَ " بِإِثْبَاتِ حَرْفِ النِّدَاءِ .
قَوْلُهُ : ( فَلَا تَجِدْ ) أَيْ : لَا تَغْضَبْ . وَمَادَّةُ " وَجَدَ " مُتَّحِدَةُ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ مُخْتَلِفَةُ الْمَصَادِرِ ، بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَعَانِي يُقَالُ فِي الْغَضَبِ مَوْجِدَةٌ وَفِي الْمَطْلُوبِ وُجُودًا وَفِي الضَّالَّةِ وِجْدَانًا وَفِي الْحُبِّ وَجْدًا [1/183] بِالْفَتْحِ ، وَفِي الْمَالِ وُجْدًا بِالضَّمِّ ، وَفِي الْغِنَى جِدَةٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ الْمَفْتُوحَةِ عَلَى الْأَشْهَرِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ، وَقَالُوا أَيْضًا فِي الْمَكْتُوبِ وِجَادَةٌ وَهِيَ مُوَلَّدَةٌ .
قَوْلُهُ : ( أَنْشُدُكَ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَأَصْلُهُ مِنَ النَّشِيدِ ، وهو رَفْعُ الصَّوْتِ ، وَالْمَعْنَى سَأَلْتُكَ رَافِعًا نَشِيدَتِي قَالَهُ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ . وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ : نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ أَيْ سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ ، كَأَنَّكَ ذَكَّرْتَهُ فَنَشَدَ أَيْ : تَذَكَّرَ .
قَوْلُهُ : ( آللَّهُ ) بِالْمَدِّ فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا .
قَوْلُهُ : ( اللَّهُمَّ نَعَمْ ) الْجَوَابُ حَصَلَ بِنَعَمْ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُمَّ تَبَرُّكًا بِهَا ، وَكَأَنَّهُ اسْتَشْهَدَ بِاللَّهِ فِي ذَلِكَ تَأْكِيدًا لِصِدْقِهِ . وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُوسَى : " فَقَالَ : صَدَقْتَ . قَالَ : فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ ؟ قَالَ : اللَّهُ . قَالَ : فَمَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالْجِبَالَ ؟ قَالَ : اللَّهُ . قَالَ : فَمَنْ جَعَلَ فِيهَا الْمَنَافِعَ ؟ قَالَ : اللَّهُ . قَالَ : فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَخَلَقَ الْأَرْضَ وَنَصَبَ الْجِبَالَ وَجَعَلَ فِيهَا الْمَنَافِعَ ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ " وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ .
قَوْلُهُ : ( أَنْ تُصَلِّيَ ) بِتَاءِ الْمُخَاطَبِ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ . وَوَقَعَ عِنْدَ الْأَصِيلِيِّ بِالنُّونِ فِيهَا . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : هُوَ أَوْجَهُ . وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ ثَابِتٍ بِلَفْظِ : " إِنَّ عَلَيْنَا خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا : " وَسَاقَ الْبَقِيَّةَ كَذَلِكَ . وَتَوْجِيهُ الْأَوَّلِ أَنَّ كُلَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَى أُمَّتِهِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ الِاخْتِصَاصِ . وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ ، وَالسَّرَخْسِيِّ : " الصَّلَاةُ الْخَمْسُ " بِالْإِفْرَادِ عَلَى إِرَادَةِ الْجِنْسِ .
قَوْلُهُ : ( أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ ) قَالَ ابْنُ التِّينِ : فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْءَ لَا يُفَرِّقُ صَدَقَتَهُ بِنَفْسِهِ .
قُلْتُ : وَفِيهِ نَظَرٌ . وَقَوْلُهُ : " عَلَى فُقَرَائِنَا " خَرَجَ مَخْرَجَ الْأَغْلَبِ لِأَنَّهُمْ مُعْظَمُ أَهْلِ الصَّدَقَةِ .
قَوْلُهُ : ( آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِخْبَارًا ، وهو اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ ، وَرَجَّحَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ ، وَأَنَّهُ حَضَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ مُسْتَثْبِتًا مِنَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَخْبَرَهُ بِهِ رَسُولُهُ إِلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ : " فَإِنَّ رَسُولَكَ زَعَمَ " وَقَالَ فِي رِوَايَةِ كُرَيْبٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ : " أَتَتْنَا كُتُبُكَ وَأَتَتْنَا رُسُلُكَ " وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْحَاكِمُ أَصْلَ طَلَبِ عُلُوِّ الْإِسْنَادِ لِأَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ الرَّسُولِ وَآمَنَ وَصَدَّقَ ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشَافَهَةً ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : " آمَنْتُ " إِنْشَاءً ، وَرَجَّحَهُ الْقُرْطُبِيُّ لِقَوْلِهِ : " زَعَمَ " قَالَ : وَالزَّعْمُ الْقَوْلُ الَّذِي لَا يُوثَقُ بِهِ ، قَالَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ وَغَيْرُهُ . قُلْتُ : وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الزَّعْمَ يُطْلَقُ عَلَى الْقَوْلِ الْمُحَقَّقِ أَيْضًا كَمَا نَقَلَهُ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ فِي شَرْحِ فَصِيحِ شَيْخِهِ ثَعْلَبٍ ، وَأَكْثَرَ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ : " زَعَمَ الْخَلِيلُ " فِي مَقَامِ الِاحْتِجَاجِ ، وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ . وَأَمَّا تَبْوِيبُ أَبِي دَاوُدَ عَلَيْهِ : " بَابُ الْمُشْرِكِ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ " فَلَيْسَ مَصِيرًا مِنْهُ إِلَى أَنَّ ضِمَامًا قَدِمَ مُشْرِكًا بَلْ وَجْهُهُ أَنَّهُمْ تَرَكُوا شَخْصًا قَادِمًا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْصَالٍ . وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ قَوْلَهُ " آمَنْتُ " إِخْبَارٌ أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ عَنْ دَلِيلِ التَّوْحِيدِ ، بَلْ عَنْ عُمُومِ الرِّسَالَةِ وَعَنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ ، وَلَوْ كَانَ إِنْشَاءً لَكَانَ طَلَبَ مُعْجِزَةٍ تُوجِبُ لَهُ التَّصْدِيقَ ، قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ . وَعَكَسَهُ الْقُرْطُبِيُّ فَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ إِيمَانِ الْمُقَلِّدِ لِلرَّسُولِ وَلَوْ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ مُعْجِزَةٌ . وَكَذَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
( تَنْبِيهٌ ) : لَمْ يَذْكُرِ الْحَجَّ فِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ هَذِهِ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فَقَالَ مُوسَى فِي رِوَايَتِهِ [1/184] : " وَإِنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ؟ قَالَ : صَدَقَ " وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا ، وهو فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا . وَأَغْرَبَ ابْنُ التِّينِ فَقَالَ : إِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فُرِضَ . وَكَأَنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ مَا جَزَمَ بِهِ الْوَاقِدِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ أَنَّ قُدُومَ ضِمَامٍ كَانَ سَنَةَ خَمْسٍ فَيَكُونُ قَبْلَ فَرْضِ الْحَجِّ ، لَكِنَّهُ غَلَطٌ مِنْ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّ قُدُومَهُ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ النَّهْيِ فِي الْقُرْآنِ عَنْ سُؤَالِ الرَّسُولِ ، وَآيَةُ النَّهْيِ فِي الْمَائِدَةِ وَنُزُولُهَا مُتَأَخِّرٌ جِدًّا .
ثَانِيهَا : أَنَّ إِرْسَالَ الرُّسُلِ إِلَى الدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ إِنَّمَا كَانَ ابْتِدَاؤُهُ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَمُعْظَمُهُ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ .
ثَالِثُهَا : أَنَّ فِي الْقِصَّةِ أَنَّ قَوْمَهُ أَوْفَدُوهُ ، وَإِنَّمَا كَانَ مُعْظَمُ الْوُفُودِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ .
رَابِعُهَا : فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ قَوْمَهُ أَطَاعُوهُ وَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَدْخُلْ بَنُو سَعْدٍ - وهو ابْنُ بَكْرِ بْنُ هَوَازِنَ - فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا بَعْدَ وَقْعَةِ حُنَيْنٍ وَكَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ كَمَا سَيَأْتِي مَشْرُوحًا فِي مَكَانِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . فَالصَّوَابُ أَنَّ قُدُومَ ضِمَامٍ كَانَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ إِسْحَاقَ ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُمَا . وَغَفَلَ الْبَدْرُ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ : إِنَّمَا لَمْ يَذْكُرِ الْحَجَّ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ فِي شَرِيعَةِ إِبْرَاهِيمَ ، انْتَهَى . وَكَأَنَّهُ لَمْ يُرَاجِعْ صَحِيحَ مُسْلِمٍ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي ) مَنْ مَوْصُولَةٌ وَرَسُولُ مُضَافٌ إِلَيْهَا ، وَيَجُوزُ تَنْوِينُهُ وَكَسْرُ مَنْ لَكِنْ لَمْ تَأْتِ بِهِ الرِّوَايَةُ . وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ كُرَيْبٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ : " جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ مُسْتَرْضَعًا فِيهِمْ - فَقَالَ : أَنَا وَافِدُ قَوْمِي وَرَسُولُهُمْ " وَعِنْدَ أَحْمَدَ ، وَالْحَاكِمِ : " بَعَثَتْ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدِمَ عَلَيْنَا " فَذَكَرَ الْحَدِيثَ . فَقَوْلُ ابْنُ عَبَّاسٍ : " فَقَدِمَ عَلَيْنَا " يَدُلُّ عَلَى تَأْخِيرِ وِفَادَتِهِ أَيْضًا ; لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إِنَّمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ . وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ قَالَ : " وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيْهن وَلَا أَنْقُصُ . فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ " وَكَذَا هِيَ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ . وَوَقَعَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَهِيَ الْحَامِلَةُ لِمَنْ سَمَّى الْمُبْهَمَ فِي حَدِيثِ طَلْحَةَ ، ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ ، كَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرِهِ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْقُرْطُبِيَّ مَالَ إِلَى أَنَّهُ غَيْرُهُ . وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا قَبْلُ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ ضِمَامًا قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ : " فَأَمَّا هَذِهِ الْهَنَاةُ فَوَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَنَتَنَزَّهُ عَنْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ " يَعْنِي الْفَوَاحِشَ . فَلَمَّا أَنْ وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . " فَقُهَ الرَّجُلُ " . قَالَ : وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ : مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مَسْأَلَةً وَلَا أَوْجَزَ مِنْ ضِمَامٍ . وَوَقَعَ فِي آخِرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ : " فَمَا سَمِعْنَا بِوَافِدِ قَوْمٍ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ ضِمَامٍ " وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ، وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ مَجِيءُ ضِمَامٍ مُسْتَثْبِتًا لِأَنَّهُ قَصَدَ اللِّقَاءَ وَالْمُشَافَهَةَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ الْحَاكِمِ ، وَقَدْ رَجَعَ ضِمَامٌ إِلَى قَوْمِهِ وَحْدَهُ فَصَدَّقُوهُ وَآمَنُوا كَمَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَفِيهِ نِسْبَةُ الشَّخْصِ إِلَى جَدِّهِ إِذَا كَانَ أَشْهَرَ مِنْ أَبِيهِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ : " أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ " . وَفِيهِ الِاسْتِحْلَافُ عَلَى الْأَمْرِ الْمُحَقَّقِ لِزِيَادَةِ التَّأْكِيدِ ، وَفِيهِ رِوَايَةُ الْأَقْرَانِ لِأَنَّ سَعِيدًا ، وَشَرِيكًا تَابِعِيَّانِ مِنْ دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُمَا مَدَنِيَّانِ .
قَوْلُهُ : ( رَوَاهُ مُوسَى ) هُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوذَكِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ ، وَحَدِيثُهُ مَوْصُولٌ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَعِنْدَ ابْنِ مَنْدَهْ فِي الْإِيمَانِ ، وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَجَّ بِشَيْخِهِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَقَدْ [1/185] خُولِفَ فِي وَصْلِهِ فَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ مُرْسَلًا ، وَرَجَّحَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ ، وَزَعَمَ أَنَّهَا عِلَّةٌ تَمْنَعُ مِنْ تَصْحِيحِ الْحَدِيثِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ لِحَدِيثِ شَرِيكٍ أَصْلًا .
قَوْلُهُ : ( وَعَلِيُّ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ) هُوَ الْمَعْنِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ بَعْدَهَا يَاءُ النَّسَبِ ، وَحَدِيثُهُ مَوْصُولٌ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ أَخْرَجَهُ عَنِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ الْمُعَلَّقِ .
قَوْلُهُ : ( بِهَذَا ) أَيْ : هَذَا الْمَعْنَى ، وَإِلَّا فَاللَّفْظُ كَمَا بَيَّنَّا مُخْتَلِفٌ . وَسَقَطَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْوَقْتِ ، وَابْنِ عَسَاكِرَ . وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( تَنْبِيهٌ ) : وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْبَغْدَادِيَّةِ - الَّتِي صَحَّحَهَا الْعَلَّامَةُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الصَّغَانِيِّ اللُّغَوِيُّ بَعْدَ أَنْ سَمِعَهَا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي الْوَقْتِ وَقَابَلَهَا عَلَى عِدَّةِ نُسَخٍ وَجَعَلَ لَهَا عَلَامَاتٍ عَقِبَ قَوْلِهِ رَوَاهُ مُوسَى ، وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ ثَابِتٍ مَا نَصُّهُ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ ، عَنْ أَنَسٍ ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ . وَقَالَ الصَّغَانِيُّ فِي الْهَامِشِ : هَذَا الْحَدِيثُ سَاقِطٌ مِنَ النُّسَخِ كُلِّهَا إِلَّا فِي النُّسْخَةِ الَّتِي قُرِئَتْ عَلَى الْفَرَبْرِيِّ صَاحِبِ الْبُخَارِيِّ وَعَلَيْهَا خَطُّهُ . قُلْتُ : وَكَذَا سَقَطَتْ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا . وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .