[355] 208 - وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ الْأَعْمَشِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ وَرَهْطَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا فَهَتَفَ : يَا صَبَاحَاهْ ، فَقَالُوا : مَنْ هَذَا الَّذِي يَهْتِفُ ؟ قَالُوا : مُحَمَّدٌ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ ، فَقَالَ : يَا بَنِي فُلَانٍ ، يَا بَنِي فُلَانٍ ، يَا بَنِي فُلَانٍ ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ ، فَقَالَ : أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ ؟ قَالُوا : مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا ، قَالَ : فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ . قَالَ : فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ : تَبًّا لَكَ أَمَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا ؟ ثُمَّ قَامَ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ : تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ ، كَذَا قَرَأَ الْأَعْمَشُ ... إِلَى آخِرِ السُّورَةِ .
[356] وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ : صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الصَّفَا ، فَقَالَ : يَا صَبَاحَاهْ ... بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ نُزُولَ الْآيَةِ : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ

قَوْلُهُ : ( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ( وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ ، فَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ قَوْلَهُ : ( وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) كَانَ قُرْآنًا أُنْزِلَ ثُمَّ نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ ، وَلَمْ تَقَعْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ .
قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ ؟ ) أَمَّا ( سَفْحُ الْجَبَلِ ) فَبِفَتْحِ السِّينِ وَهُوَ أَسْفَلُهُ ، وَقِيلَ : عَرْضُهُ ، وَأَمَّا ( مُصَدِّقِيَّ ) فَبِتَشْدِيدِ الدَّالِ وَالْيَاءِ .
[3/442] قَوْلُهُ : ( فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ : تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وقد تب ، كَذَا قَرَأَ الْأَعْمَشُ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَعْمَشَ زَادَ لَفْظَةَ ( قَدْ ) بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ ، وَقَوْلُهُ : ( إِلَى آخِرِ السُّورَةِ ) يَعْنِي أَتَمَّ الْقِرَاءَةَ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ كَمَا يَقْرَؤُهَا النَّاسُ ، وَفِي ( السُّورَةِ ) لُغَتَانِ : الْهَمْزُ ، وَتَرْكُهُ حَكَاهُمَا ابْنُ قُتَيْبَةَ ، وَالْمَشْهُورُ بِغَيْرِ هَمْزٍ كَسُورِ الْبَلَدِ لِارْتِفَاعِهَا ، وَمَنْ هَمَزَهُ قَالَ : هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَسُؤْرِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ، وَهِيَ الْبَقِيَّةُ مِنْهُ ، وَفِي ( أَبِي لَهَبٍ ) لُغَتَانِ : قُرِئَ بِهِمَا فَتْحُ الْهَاءِ وَإِسْكَانُهَا ، وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى ، وَمَعْنَى ( تَبَّ ) : خَسِرَ ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذِهِ السُّورَةِ عَلَى جَوَازِ تَكْنِيَةِ الْكَافِرِ ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ ، وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فِي جَوَازِ تَكْنِيَةِ الْكَافِرِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّمَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ عَلَى جِهَةِ التَّأَلُّفِ وَإِلَّا فَلَا ; إِذْ فِي التَّكْنِيَةِ تَعْظِيمٌ وَتَكْبِيرٌ ، وَأَمَّا تَكْنِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَبِي لَهَبٍ فَلَيْسَتْ مِنْ هَذَا ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ إِذَا كَانَ اسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى ، وهَذِهِ تَسْمِيَةٌ بَاطِلَةٌ ، فَلِهَذَا كَنَّى عَنْهُ . وَقِيلَ : لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يُعْرَفُ بِهَا ، وَقِيلَ : إِنَّ أَبَا لَهَبٍ لَقَبٌ وَلَيْسَ بِكُنْيَةٍ ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو عُتْبَةَ ، وَقِيلَ : جَاءَ ذِكْرُ أَبِي لَهَبٍ لِمُجَانَسَةِ الْكَلَامِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .