[ 35 ] - حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، عَنْ يُونُسَ ، ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ، أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْتَرِئْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ .
[ 36 ] - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ مَحْمُودَ بْنَ الرَّبِيعِ الَّذِي مَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِهِ مِنْ بِئْرِهِمْ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ .
[ 37 ] وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَا : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ وَزَادَ فَصَاعِدًا .
[ 38 ] 395 - وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ الْعَلَاءِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ثَلَاثًا غَيْرُ تَمَامٍ ، فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ : إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ ، فَقَالَ : اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : حَمِدَنِي عَبْدِي ، وَإِذَا قَالَ : الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي ، وَإِذَا قَالَ : مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قَالَ : مَجَّدَنِي عَبْدِي ، وَقَالَ مَرَّةً : فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي ، فَإِذَا قَالَ : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قَالَ : هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ، فَإِذَا قَالَ : اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ قَالَ : هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ . قَالَ سُفْيَانُ : حَدَّثَنِي بِهِ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ ، دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَرِيضٌ فِي بَيْتِهِ فَسَأَلْتُهُ أَنَا عَنْهُ .
[ 39 ] حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
[ 40 ] ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ أَنَّ أَبَا السَّائِبِ مَوْلَى بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ صَلَّى صَلَاةً فَلَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ بِمِثْلِ حَدِيثِ سُفْيَانَ ، وَفِي حَدِيثِهِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي .
[ 41 ] حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَعْقِرِيُّ ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُوَيْسٍ ، أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ قَالَ : سَمِعْتُ مِنْ أَبِي وَمِنْ أَبِي السَّائِبِ وَكَانَا جَلِيسَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا : قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ يَقُولُهَا ثَلَاثًا بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ .

أَمَّا أَلْفَاظُ الْبَابِ ( فَالْخِدَاجُ ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَالْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ وَالْهَرَوِيُّ وَآخَرُونَ : الْخِدَاجُ النُّقْصَانُ ، يُقَالُ : خَدَجَتِ النَّاقَةُ إِذَا أَلْقَتْ وَلَدَهَا قَبْلَ أَوَانِ النِّتَاجِ ، وَإِنْ كَانَ تَامَّ الْخَلْقِ ، وَأَخْدَجَتْهُ إِذَا وَلَدَتْهُ نَاقِصًا وَإِنْ كَانَ لِتَمَامِ الْوِلَادَةِ ، وَمِنْهُ قِيلَ لِذِي الْيَدَيْنِ : [4/78] مُخْدَجُ الْيَدِ أَيْ نَاقِصُهَا . قَالُوا : فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " خِدَاجٌ " أَيْ ذَاتُ خِدَاجٍ . وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ : خَدَجَتْ وَأُخْدِجَتْ إِذَا وَلَدَتْ لِغَيْرِ تَمَامٍ . وَأُمُّ الْقُرْآنِ اسْمُ الْفَاتِحَةِ وَسُمِّيَتْ أُمَّ الْقُرْآنِ لِأَنَّهَا فَاتِحَتُهُ ، كَمَا سُمِّيَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَى لِأَنَّهَا أَصْلُهَا .
قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : ( مَجَّدَنِي عَبْدِي ) أَيْ عَظَّمَنِي .
قَوْلُهُ : ( إِنَّ أَبَا السَّائِبِ أَخْبَرَهُ ) أَبُو السَّائِبِ هَذَا لَا يَعْرِفُونَ لَهُ اسْمًا وَهُوَ ثِقَةٌ .
قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَعْقِرِيُّ ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْقَافِ مَنْسُوبٌ إِلَى مَعْقِرَ ، وَهِيَ نَاحِيَةٌ مِنَ الْيَمَنِ .
وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهِ وُجُوبُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ ، وَأَنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ لَا يُجْزِي غَيْرُهَا إِلَّا لِعَاجِزٍ عَنْهَا ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ : لَا تَجِبُ الْفَاتِحَةُ ، بَلِ الْوَاجِبُ آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ ، وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَا صَلَاةَ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ . فَإِنْ قَالُوا : الْمُرَادُ لَا صَلَاةَ كَامِلَةً قُلْنَا : هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَا يُجْزِي صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ . رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ ، وَأَمَّا حَدِيثُ : اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهَا مُتَيَسِّرَةٌ ، أَوْ عَلَى مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ بَعْدَهَا ، أَوْ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنِ الْفَاتِحَةِ .
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ وُجُوبَهَا عَلَى الْمَأْمُومِ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ : اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ ، فَمَعْنَاهُ اقْرَأْهَا سِرًّا بِحَيْثُ تُسْمِعُ نَفْسَكَ ، وَأَمَّا مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ ، وَغَيْرُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ تَدَبُّرُ ذَلِكَ وَتَذَكُّرُهُ فَلَا يُقْبَلُ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تُطْلَقُ إِلَّا عَلَى حَرَكَةِ اللِّسَانِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ ، وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْجُنُبَ لَوْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ بِقَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ حَرَكَةِ لِسَانِهِ لَا يَكُونُ قَارِئًا مُرْتَكِبًا لِقِرَاءَةِ الْجُنُبِ الْمُحَرَّمَةِ . وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَرَبِيعَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قِرَاءَةٌ أَصْلًا وَهِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ عَنْ مَالِكٍ ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - : لَا يَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بَلْ هُوَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ قَرَأَ ، وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ ، وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وُجُوبُ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَعْرَابِيِّ ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا .
قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ( قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ ) الْحَدِيثُ قَالَ الْعُلَمَاءُ : الْمُرَادُ [4/79] بِالصَّلَاةِ هُنَا الْفَاتِحَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا بِهَا كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : الْحَجُّ عَرَفَةُ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهَا بِعَيْنِهَا فِي الصَّلَاةِ . قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَالْمُرَادُ قِسْمَتُهَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى لِأَنَّ نِصْفَهَا الْأَوَّلَ تَحْمِيدٌ لِلَّهِ تَعَالَى . وَتَمْجِيدٌ وَثَنَاءٌ عَلَيْهِ ، وَتَفْوِيضٌ إِلَيْهِ ، وَالنِّصْفُ الثَّانِي سُؤَالٌ وَطَلَبٌ وَتَضَرُّعٌ وَافْتِقَارٌ ، وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ مِنَ الْفَاتِحَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَهُوَ مِنْ أَوْضَحِ مَا احْتَجُّوا بِهِ قَالُوا : لِأَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ بِالْإِجْمَاعِ ، فَثَلَاثٌ فِي أَوَّلِهَا ثَنَاءٌ أَوَّلُهَا الْحَمْدُ لِلَّهِ وَثَلَاثٌ دُعَاءٌ أَوَّلُهَا اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وَالسَّابِعَةُ مُتَوَسِّطَةٌ وَهِيَ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قَالُوا : وَلِأَنَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - قَالَ : قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَلَمْ يَذْكُرِ الْبَسْمَلَةَ ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْهَا لَذَكَرَهَا ، وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَقُولُ : إِنَّ الْبَسْمَلَةَ آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدِهَا أَنَّ التَّنْصِيفَ عَائِدٌ إِلَى جُمْلَةِ الصَّلَاةِ لَا إِلَى الْفَاتِحَةِ ، هَذَا حَقِيقَةُ اللَّفْظِ ، وَالثَّانِي أَنَّ التَّنْصِيفَ عَائِدٌ إِلَى مَا يَخْتَصُّ بِالْفَاتِحَةِ مِنَ الْآيَاتِ الْكَامِلَةِ ، وَالثَّالِثِ مَعْنَاهُ ، فَإِذَا انْتَهَى الْعَبْدُ فِي قِرَاءَتِهِ إِلَى الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَقَوْلُهُ تَعَالَى : حَمِدَنِي عَبْدِي وَأَثْنَى عَلَيَّ وَمَجَّدَنِي ، إِنَّمَا قَالَهُ لِأَنَّ التَّحْمِيدَ الثَّنَاءُ بِجَمِيلِ الْفِعَالِ ، وَالتَّمْجِيدُ الثَّنَاءُ بِصِفَاتِ الْجَلَالِ ، وَيُقَالُ : أَثْنَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ، وَلِهَذَا جَاءَ جَوَابًا لِلرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، لِاشْتِمَالِ اللَّفْظَيْنِ عَلَى الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ . وَقَوْلُهُ : وَرُبَّمَا قَالَ : ( فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي ) وَجْهُ مُطَابَقَةِ هَذَا لِقَوْلِهِ : مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْمُلْكِ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَبِجَزَاءِ الْعِبَادِ وَحِسَابِهِمْ . وَالدِّينُ الْحِسَابُ ، وَقِيلَ : الْجَزَاءُ ، وَلَا دَعْوَى لِأَحَدٍ ذَلِكَ الْيَوْمَ ، وَلَا مَجَازَ ، وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَلِبَعْضِ الْعِبَادِ مُلْكٌ مَجَازِيٌّ ، وَيَدَّعِي بَعْضُهُمْ دَعْوَى بَاطِلَةً ، وَهَذَا كُلُّهُ يَنْقَطِعُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، هَذَا مَعْنَاهُ ، وَإِلَّا فَاللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - هُوَ الْمَالِكُ وَالْمُلْكُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِلدَّارَيْنِ وَمَا فِيهِمَا وَمَنْ فِيهِمَا ، وَكُلُّ مَنْ سِوَاهُ مَرْبُوبٌ لَهُ عَبْدٌ مُسَخَّرٌ ، ثُمَّ فِي هَذَا الِاعْتِرَافُ مِنَ التَّعْظِيمِ وَالتَّمْجِيدِ وَتَفْوِيضِ الْأَمْرِ مَا لَا يَخْفَى .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ : اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ فَهَذَا لِعَبْدِي ) هَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، وَفِي غَيْرِهِ فَهَؤُلَاءِ لِعَبْدِي ، وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اهْدِنَا وَمَا بَعْدَهُ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ ثَلَاثُ آيَاتٍ لَا آيَتَانِ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ مِنَ الْفَاتِحَةِ أَمْ لَا ؛ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهَا مِنَ الْفَاتِحَةِ ، وَأَنَّهَا آيَةٌ ، وَاهْدِنَا وَمَا بَعْدَهُ آيَتَانِ ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَقُولُ : إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْفَاتِحَةِ يَقُولُ : اهْدِنَا وَمَا بَعْدَهُ ثَلَاثُ آيَاتٍ ، وَلِلْأَكْثَرِينَ أَنْ يَقُولُوا : قَوْلُهُ هَؤُلَاءِ الْمُرَادُ بِهِ الْكَلِمَاتُ لَا الْآيَاتُ . بِدَلِيلِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ : فَهَذَا لِعَبْدِي [4/80] وَهَذَا أَحْسَنُ مِنَ الْجَوَابِ بِأَنَّ الْجَمْعَ مَحْمُولٌ عَلَى الِاثْنَيْنِ لِأَنَّ هَذَا مَجَازٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ ، فَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ عَلَى صَرْفِهِ عَنِ الْحَقِيقَةِ إِلَى الْمَجَازِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .