بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
5 - كِتَاب الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ
[1] ( 520 ) - حَدَّثَنِي أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، ح . قَالَ : وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ الْأَعْمَشِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلا ؟ قَالَ : الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ . قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى . قُلْتُ : كَمْ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ : أَرْبَعُونَ سَنَةً ، وَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ . وَفِي حَدِيثِ أَبِي كَامِلٍ : ثُمَّ حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّهْ فَإِنَّهُ مَسْجِدٌ .

1 - باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
قَوْلُهُ : ( عَنِ الزُّبَيْدِيِّ ) هُوَ بِضَمِّ الزَّايِ نِسْبَةً إِلَى بَنِي زُبَيْدٍ .
[2] - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ التَّيْمِيِّ قَالَ : كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى أَبِي الْقُرْآنَ فِي السُّدَّةِ ، فَإِذَا قَرَأْتُ السَّجْدَةَ سَجَدَ فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَبَتِ ، أَتَسْجُدُ فِي الطَّرِيقِ ؟ قَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوَّلِ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ ؟ قَالَ : الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ . قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى . قُلْتُ : كَمْ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ : أَرْبَعُونَ عَامًا ثُمَّ الْأَرْضُ لَكَ مَسْجِدٌ فَحَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ .
[3] ( 521 ) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ سَيَّارٍ ، عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا وَمَسْجِدًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ صَلَّى حَيْثُ كَانَ ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ بَيْنَ يَدَيْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ . حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ الْفَقِيرُ ، أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَذَكَرَ نَحْوَهُ .
[4] ( 522 ) - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ ، عَنْ رِبْعِيٍّ ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ : جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ ، وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا ، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ . وَذَكَرَ خَصْلَةً أُخْرَى .
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ حَدَّثَنِي رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشٍ ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بِمِثْلِهِ .
[5] ( 523 ) - وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالُوا : حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ الْعَلَاءِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ : أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا ، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً ، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ .
[6] - حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ ، وَحَرْمَلَةُ قَالَا : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي يُونُسُ ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيَّ . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ تنتشلونها .
وَحَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ ، عَنْ الزُّبَيْدِيِّ ، عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مِثْلَ حَدِيثِ يُونُسَ .
، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَا : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ ، وَأَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ .

[7] - وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ عَلَى الْعَدُوِّ ، وَأُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ ، وَبَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ أوتيت بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدَيَّ .
[8] - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ : هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ ، وَأُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ .

[5/175] [5/176] [5/177] كِتَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ
قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ ) فِيهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَقَابِرِ ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي فِيهَا النَّجَاسَةُ كَالْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ ، وَكَذَا مَا نُهِيَ عَنْهُ لِمَعْنًى آخَرَ ، فَمِنْ ذَلِكَ أَعْطَانُ الْإِبِلِ ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَمِنْهُ قَارِعَةُ الطَّرِيقِ وَالْحَمَّامُ وَغَيْرُهَا لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِيهَا .
قَوْلُهُ : ( كُنْتُ أَقْرَأُ القرآن عَلَى أَبِي فِي السُّدَّةِ فَإِذَا قَرَأْتُ السَّجْدَةَ سَجَدَ ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَبَتِ ، أَتَسْجُدُ فِي الطَّرِيقِ ؟ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ) قَوْلُهُ : السُّدَّةُ هِيَ بِضَمِّ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ ، هَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، وَوَقَعَ فِي كِتَابِ النَّسَائِيِّ فِي السِّكَّةِ ، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ فِي بَعْضِ السِّكَكِ ، وَهَذَا مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ : يَا أَبَتِ ، أَتَسْجُدُ فِي الطَّرِيقِ ؟ وَهُوَ مُقَارِبٌ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ لِأَنَّ السُّدَّةَ وَاحِدَةُ السُّدَدِ ، وَهِيَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي تَطُلُّ حَوْلَ الْمَسْجِدِ ، وَلَيْسَتْ مِنْهُ ، وَمِنْهُ قِيلَ لِإِسْمَاعِيلَ : السُّدِّيُّ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَبِيعُ فِي سُدَّةِ الْجَامِعِ ، وَلَيْسَ لِلسُّدَّةِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ إِذَا كَانَتْ خَارِجَةً عَنْهُ . وَأَمَّا سُجُودُهُ فِي السُّدَّةِ ، وَقَوْلُهُ : أَتَسْجُدُ فِي الطَّرِيقِ فَمَحْمُولٌ [5/178] عَلَى سُجُودِهِ عَلَى طَاهرٍ . قَالَ الْقَاضِي : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِ إِذَا قَرَآ السَّجْدَةَ ، فَقِيلَ : عَلَيْهِمَا السُّجُودُ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ ، وَقِيلَ : لَا سُجُودَ .
قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ ، وَلَمْ تِحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : كَانَتْ غَنَائِمُ مَنْ قَبْلَنَا يَجْمَعُونَهَا ثُمَّ تَأْتِي نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتَأْكُلُهَا كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي غَزَا وَحَبَسَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الشَّمْسَ .
قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا وَمَسْجِدًا ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا ) احْتَجَّ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى مَالِكٌ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ يُجِيزُ التَّيَمُّمَ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ ، وَاحْتَجَّ بِالثَّانِيَةِ الشَّافِعِيُّ ، وَأَحْمَدُ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِالتُّرِابِ خَاصَّةً ، وَحَمَلُوا ذَلِكَ الْمُطْلَقَ عَلَى هَذَا الْمُقَيَّدِ . وقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " مَسْجِدًا " مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا إِنَّمَا أُبِيحَ لَهُمُ الصَّلَوَاتُ فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ كَالْبَيْعِ وَالْكَنَائِسِ . قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : وَقِيلَ : إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا كَانُوا لَا يُصَلُّونَ إِلَّا فِيمَا تَيَقَّنُوا طَهَارَتَهُ مِنَ الْأَرْضِ ، وَخَصَصْنَا نَحْنُ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ إِلَّا مَا تَيَقَّنَّا نَجَاسَتُهُ .
قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ ) هِيَ الشَّفَاعَةُ الْعَامَّةُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمَحْشَرِ بِفَزَعِ الْخَلَائِقِ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ الشَّفَاعَةَ فِي الْخَاصَّةِ جُعِلَتْ لِغَيْرِهِ أَيْضًا . قَالَ الْقَاضِي : وَقِيلَ : الْمُرَادُ شَفَاعَةٌ لَا تُرَدُّ ، قَالَ : وَقَدْ تَكُونُ شَفَاعَتُهُ لِخُرُوجِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ مِنَ النَّارِ لِأَنَّ الشَّفَاعَةَ جَاءَتْ لِغَيْرِهِ إِنَّمَا جَاءَتْ قَبْلَ هَذَا ، وَهَذِهِ مُخْتَصَّةٌ بِهِ كَشَفَاعَةِ الْمَحْشَرِ ، وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بَيَانُ أَنْوَاعِ شَفَاعَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
[5/179] قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ : جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ ، وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا ، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا ، وَذَكَرَ خَصْلَةً أُخْرَى ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : الْمَذْكُورُ هُنَا خَصْلَتَانِ لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْأَرْضِ فِي كَوْنِهَا مَسْجِدًا وَطَهُورًا خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَمَحْذُوفَةٌ هُنَا ذَكَرَهَا النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَالِكٍ الرَّاوِي هُنَا فِي مُسْلِمِ قَالَ : " وأُوتِيتُ هَذِهِ الْآيَاتُ مِنْ خَوَاتِمِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ ، وَلَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي وَلَا يُعْطَاهُنَّ أَحَدٌ بَعْدِي " .
قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ ) ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ ) . قَالَ الْهَرَوِيُّ : يَعْنِي بِهِ الْقُرْآنَ ؛ جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَلْفَاظِ الْيَسِيرَةِ مِنْهُ الْمَعَانِيَ الْكَثِيرَةَ ، وَكَلَامُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : كَانَ بِالْجَوَامِعِ قَلِيلُ اللَّفْظِ كَثِيرُ الْمَعَانِي .
قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : إِلَى النَّاسِ كَافَّةً قِيلَ : الْمُرَادُ بِالْأَحْمَرِ : الْبِيضُ مِنَ الْعُجْمِ وَغَيْرِهِمْ ، وَبِالْأَسْوَدِ : الْعَرَبُ ؛ لِغَلَبَةِ السُّمْرَةِ فِيهِمْ وَغَيْرِهِمْ مِنَ السُّودَانِ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالْأَسْوَدِ : السُّودَانُ ، وَبِالْأَحْمَرِ : مَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرُهُمْ . وَقِيلَ : الْأَحْمَرُ : الْإِنْسُ ، وَالْأَسْوَدُ : الْجِنُّ ، وَالْجَمِيعُ صَحِيحٌ ، فَقَدْ بُعِثَ إِلَى جَمِيعِهِمْ .
قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ) هَذَا مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ ؛ فَإِنَّهُ إِخْبَارٌ بِفَتْحِ هَذِهِ الْبِلَادِ لِأُمَّتِهِ ، وَوَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .
[5/180] قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا ) يَعْنِي تَسْتَخْرِجُونَ مَا فِيهَا يَعْنِي خَزَائِنَ الْأَرْضِ وَمَا فُتِحَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنَ الدُّنْيَا .