11 - بَاب مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُهُمْ بِالْمَوْعِظَةِ وَالْعِلْمِ كَيْ لَا يَنْفِرُوا
68 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قال : أخبرنَا سُفْيَانُ ، عَنْ الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الْأَيَّامِ كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا
.

قَوْلُهُ : ( بَابُ مَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَخَوَّلُهُمْ ) هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ، أَيْ يَتَعَهَّدُهُمْ ، وَالْمَوْعِظَةُ النُّصْحُ وَالتَّذْكِيرُ ، وَعَطْفُ الْعِلْمِ عَلَيْهَا مِنْ بَابِ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ يَشْمَلُ الْمَوْعِظَةَ وَغَيْرَهَا ، وَإِنَّمَا عَطَفَهُ ؛ لِأَنَّهَا مَنْصُوصَةٌ فِي الْحَدِيثِ ، وَذَكَرَ الْعِلْمَ اسْتِنْبَاطًا .
قَوْلُهُ : ( لِئَلَّا يَنْفِرُوا ) اسْتَعْمَلَ فِي التَّرْجَمَةِ مَعْنَى الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ سَاقَهُمَا ، وَتَضَمَّنَ ذَلِكَ تَفْسِيرَ السَّآمَةِ بِالنُّفُورِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ ، وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ ظَاهِرَةٌ مِنْ جِهَةِ مَا حَكَاهُ أَخِيرًا مِنْ تَفْسِيرِ الرَّبَّانِيِّ ، كَمُنَاسَبَةِ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ تَشْدِيدِ أَبِي ذَرٍّ فِي أَمْرِ التَّبْلِيغِ لِمَا قَبْلَهُ مِنَ الْأَمْرِ بِالتَّبْلِيغِ . وَغَالِبُ أَبْوَابِ هَذَا الْكِتَابِ لِمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِيهَا وَالتَّأَمُّلُ لَا يَخْلُو عَنْ ذَلِكَ .
قَوْلُهُ : ( سُفْيَانُ ) هُوَ الثَّوْرِيُّ ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ، لَكِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيَّ وَإِنْ كَانَ يَرْوِي عَنِ السُّفْيَانَيْنِ ، فَإِنَّهُ حِينَ يُطْلِقُ يُرِيدُ بِهِ الثَّوْرِيُّ ، كَمَا أَنَّ الْبُخَارِيَّ حَيْثُ يُطْلِقُ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ لَا يُرِيدُ بِهِ إِلَّا الْفِرْيَابِيَّ وَإِنْ كَانَ يَرْوِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْبَيْكَنْدِيِّ أَيْضًا . وَقَدْ وَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ هُنَا الْبَيْكَنْدِيُّ .
قَوْلُهُ : ( عَنْ أَبِي وَائِلٍ ) فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ الْمَذْكُورَةِ : سَمِعْتُ شَقِيقًا وَهُوَ أَبُو وَائِلٍ . وَأَفَادَ هَذَا التَّصْرِيحُ رَفْعَ مَا يُتَوَهَّمُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الَّتِي أَخْرَجَهَا مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ شَقِيقٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ . قَالَ عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ : قَالَ الْأَعْمَشُ : وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ ، عَنْ شَقِيقٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَهُ ، فَقَدْ يُوهِمُ هَذَا أَنَّ الْأَعْمَشَ دَلَّسَهُ أَوَّلًا عَنْ شَقِيقٍ ، ثُمَّ سَمَّى الْوَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي وَائِلٍ بِلَا وَاسِطَةٍ وَسَمِعَهُ عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ ، وَأَرَادَ بِذِكْرِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَتْ نَازِلَةً تَأْكِيدَهُ ، أَوْ لِيُنَبِّهَ عَلَى عِنَايَتِهِ بِالرِّوَايَةِ مِنْ [1/196] حَيْثُ إِنَّهُ سَمِعَهُ نَازِلًا فَلَمْ يَقْنَعْ بِذَلِكَ حَتَّى سَمِعَهُ عَالِيًا ، وَكَذَا صَرَّحَ الْأَعْمَشُ بِالتَّحْدِيثِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الدَّعَوَاتِ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْهُ قَالَ : حَدَّثَنِي شَقِيقٌ . وَزَادَ فِي أَوَّلِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ لِيَخْرُجَ إِلَيْهِمْ فَيُذَكِّرَهُمْ ، وَأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ قَالَ : أَمَا إِنِّي أَخْبَرُ بِمَكَانِكُمْ وَلَكِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ . . فَذَكَرَ الْحَدِيثَ .
قَوْلُهُ : ( كَانَ يَتَخَوَّلُنَا ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْخَائِلُ بِالْمُعْجَمَةِ هُوَ الْقَائِمُ الْمُتَعَهِّدُ لِلْمَالِ ، يُقَالُ : خَالَ الْمَالَ يَخُولُهُ تَخَوُّلًا إِذَا تَعَهَّدَهُ وَأَصْلَحَهُ . وَالْمَعْنَى كَانَ يُرَاعِي الْأَوْقَاتَ فِي تَذْكِيرِنَا ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّ يَوْمٍ لِئَلَّا نَمَلَّ . وَالتَّخَوُّنُ بِالنُّونِ أَيْضًا ، يُقَالُ : تَخَوَّنَ الشَّيْءَ إِذَا تَعَهَّدَهُ وَحَفِظَهُ ، أَيِ : اجْتَنَبَ الْخِيَانَةَ فِيهِ ، كَمَا قِيلَ فِي تَحَنَّثَ وَتَأَثَّمَ وَنَظَائِرِهِمَا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ سَمِعَ الْأَعْمَشَ يُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ ، فَقَالَ : " يَتَخَوَّلُنَا " بِاللَّامِ ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ بِالنُّونِ فَلَمْ يَرْجِعْ لِأَجْلِ الرِّوَايَةِ ، وَكِلَا اللَّفْظَيْنِ جَائِزٌ . وَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : الصَّوَابُ " يَتَحَوَّلُنَا " بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ : يَتَطَلَّبُ أَحْوَالَنَا الَّتِي نَنْشَطُ فِيهَا لِلْمَوْعِظَةِ . قُلْتُ : وَالصَّوَابُ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ الْأُولَى فَقَدْ رَوَاهُ مَنْصُورٌ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ كَرِوَايَةِ الْأَعْمَشِ ، وَهُوَ فِي الْبَابِ الْآتِي . وَإِذَا ثَبَتَتِ الرِّوَايَةُ وَصَحَّ الْمَعْنَى بَطَلَ الِاعْتِرَاضُ .
قَوْلُهُ : ( عَلَيْنَا ) أَيِ : السَّآمَةُ الطَّارِئَةُ عَلَيْنَا ، أَوْ ضَمَّنَ السَّآمَةَ مَعْنَى الْمَشَقَّةِ فَعَدَّاهَا بِعَلَى ، وَالصِّلَةُ مَحْذُوفَةٌ وَالتَّقْدِيرُ مِنَ الْمَوْعِظَةِ . وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ تَرْكِ الْمُدَاوَمَةِ فِي الْجِدِّ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ خَشْيَةَ الْمَلَالِ ، وَإِنْ كَانَتِ الْمُوَاظَبَةُ مَطْلُوبَةً لَكِنَّهَا عَلَى قِسْمَيْنِ : إِمَّا كُلَّ يَوْمٍ مَعَ عَدَمِ التَّكَلُّفِ . وَإِمَّا يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ ، فَيَكُونُ يَوْمُ التَّرْكِ لِأَجْلِ الرَّاحَةِ لِيُقْبِلَ عَلَى الثَّانِي بِنَشَاطٍ ، وَإِمَّا يَوْمًا فِي الْجُمُعَةِ ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ ، وَالضَّابِطُ الْحَاجَةُ مَعَ مُرَاعَاةِ وُجُودِ النَّشَاطِ . وَاحْتَمَلَ عَمَلُ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنِ اسْتِدْلَالِهِ أَنْ يَكُونَ اقْتَدَى بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى فِي الْيَوْمِ الَّذِي عَيَّنَهُ ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ اقْتَدَى بِمُجَرَّدِ التَّخَلُّلِ بَيْنَ الْعَمَلِ وَالتَّرْكِ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّخَوُّلِ ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ . وَأَخَذَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ كَرَاهِيَةَ تَشْبِيهة غَيْرِ الرَّوَاتِبِ بِالرَّوَاتِبِ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ دَائِمًا ، وَجَاءَ عَنْ مَالِكٍ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ .