13 - بَاب مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ
71 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ : سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ خَطِيبًا يَقُولُ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ ، وَاللَّهُ يُعْطِي وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ .


قَوْلُهُ : ( بَابُ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهُهُ فِي الدِّينِ ) لَيْسَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ فِي التَّرْجَمَةِ قَوْلُهُ : " فِي الدِّينِ " وَثَبَتَتْ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ .
[1/198] قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ ) هُوَ سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ ، نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ ، وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا . قَوْلُهُ : ( عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ) قَالَ حُمَيْدٌ فِي الِاعْتِصَامِ : لِلْمُؤَلِّفِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ : أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ . وَلِمُسْلِمٍ : حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، زَادَ تَسْمِيَةَ جَدِّهِ
قَوْلُهُ : ( سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ ) هُوَ ابْنُ أَبِي سُفْيَانَ .
قَوْلُهُ : ( خَطِيبًا ) هُوَ حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالِاعْتِصَامِ : " سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ يَخْطُبُ " . وَهَذَا الْحَدِيثُ مُشْتَمِلٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ : أَحَدُهَا : فَضْلُ النَّفَقَةِ فِي الدِّينِ . وَثَانِيهَا : أَنَّ الْمُعْطِيَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ . وَثَالِثُهَا : أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَبْقَى عَلَى الْحَقِّ أَبَدًا . فَالْأَوَّلُ لَائِقٌ بِأَبْوَابِ الْعِلْمِ . وَالثَّانِي لَائِقٌ بِقَسْمِ الصَّدَقَاتِ ، وَلِهَذَا أَوْرَدَهُ مُسْلِمٌ فِي الزَّكَاةِ ، وَالْمُؤَلِّفُ فِي الْخُمُسِ . وَالثَّالِثُ لَائِقٌ بِذِكْرِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الِاعْتِصَامِ لِالْتِفَاتِهِ إِلَى مَسْأَلَةِ عَدَمِ خُلُوِّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِيهِ هُنَاكَ ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِأَمْرِ اللَّهِ هُنَا الرِّيحُ الَّتِي تَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مَنْ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنَ الْإِيمَانِ وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ . وَقَدْ تَتَعَلَّقُ لِأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ بِأَبْوَابِ الْعِلْمِ - بَلْ بِتَرْجَمَةِ هَذَا الْبَابِ خَاصَّةً - مِنْ جِهَةِ إِثْبَاتِ الْخَيْرِ لِمَنْ تَفَقَّهَ فِي دِينِ اللَّهِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ بِالِاكْتِسَابِ فَقَطْ ، بَلْ لِمَنْ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهِ ، وَأَنَّ مَنْ يَفْتَحِ اللَّهُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَا يَزَالُ جِنْسُهُ مَوْجُودًا حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ ، وَقَدْ جَزَمَ الْبُخَارِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْآثَارِ ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : إِنْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ الْحَدِيثِ ، فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : أَرَادَ أَحْمَدُ أَهْلَ السُّنَّةِ وَمَنْ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ : مُحْتَمَلٌ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الطَّائِفَةُ فِرْقَةً مِنْ أَنْوَاعِ الْمُؤْمِنِينَ مِمَّنْ يُقِيمُ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ مُجَاهِدٍ وَفَقِيهٍ ، وَمُحَدِّثٍ وَزَاهِدٍ ، وَآمِرٍ بِالْمَعْرُوفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ ، وَلَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا مُتَفَرِّقِينَ . قُلْتُ : وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
قَوْلُهُ : ( يُفَقِّهْهُ ) أَيْ : يُفَهِّمُهُ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَهِيَ سَاكِنَةُ الْهَاءِ ، لِأَنَّهَا جَوَابُ الشَّرْطِ ، يُقَالُ : فَقُهَ بِالضَّمِّ إِذَا صَارَ الْفِقْهُ لَهُ سَجِيَّةً ، وَفَقَهَ بِالْفَتْحِ إِذَا سَبَقَ غَيْرَهُ إِلَى الْفَهْمِ ، وَفَقِهَ بِالْكَسْرِ إِذَا فَهِمَ . وَنَكَّرَ " خَيْرًا " لِيَشْمَلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ ، وَالتَّنْكِيرُ لِلتَّعْظِيمِ ، لِأَنَّ الْمَقَامَ يَقْتَضِيهِ . وَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي الدِّينِ - أَيْ : يَتَعَلَّمْ قَوَاعِدَ الْإِسْلَامِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنَ الْفُرُوعِ - فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ . وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ : " وَمَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي الدِّينِ لَمْ يُبَالِ اللَّهُ بِهِ " وَالْمَعْنَى صَحِيحٌ ; لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ أُمُورَ دِينِهِ لَا يَكُونُ فَقِيهًا وَلَا طَالِبَ فِقْهٍ ، فَيَصِحُّ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ مَا أُرِيدَ بِهِ الْخَيْرُ ، وَفِي ذَلِكَ بَيَانٌ ظَاهِرٌ لِفَضْلِ الْعُلَمَاءِ عَلَى سَائِرِ النَّاسِ ، وَلِفَضْلِ التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ عَلَى سَائِرِ الْعُلُومِ . وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثَيْنِ الْآخَرَيْنِ فِي مَوْضِعِهِمَا مِنَ الْخُمُسِ وَالِاعْتِصَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَقَوْلُهُ : " لَنْ تَزَالَ هَذِهِ الْأُمَّةُ " ، يَعْنِي بَعْضَ الْأُمَّةِ كَمَا يَجِيءُ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .