28- بَاب يَسْتَقْبِلُ الْإِمَامُ الْقَوْمَ ، وَاسْتِقْبَالِ النَّاسِ الْإِمَامَ إِذَا خَطَبَ
وَاسْتَقْبَلَ ابْنُ عُمَرَ ، وَأَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْإِمَامَ
921- حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا هِشَامٌ ، عَنْ يَحْيَى ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ .


قَوْلُهُ : ( بَابُ اسْتِقْبَالِ النَّاسِ الْإِمَامَ إِذَا خَطَبَ ) زَادَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ فِي أَوَّلِ التَّرْجَمَةِ " يَسْتَقْبِلُ الْإِمَامُ الْقَوْمَ " وَلَمْ يَبُتَّ الْحُكْمَ وَهُوَ مُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَفِي وَجْهٍ يَجِبُ ، جَزَمَ بِهِ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَ ، وَقِيلَ : لَا ، ذَكَرَهُ الشَّاشِيُّ ، وَنُقِلَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ الِالْتِفَاتَ يَمِينًا وَشِمَالًا مَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ : لَا يَصِحُّ ، وَمِنْ لَازِمِ الِاسْتِقْبَالِ اسْتِدْبَارُ الْإِمَامِ الْقِبْلَةَ ، وَاغْتُفِرَ لِئَلَّا يَصِيرَ مُسْتَدْبِرَ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَعِظُهُمْ وَمِنْ حِكْمَةِ اسْتِقْبَالِهِمْ لِلْإِمَامِ التَّهَيُّؤُ لِسَمَاعِ كَلَامِهِ وَسُلُوكُ الْأَدَبِ مَعَهُ فِي اسْتِمَاعِ كَلَامِهِ ، فَإِذَا اسْتَقْبَلَهُ بِوَجْهِهِ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ بِجَسَدِهِ وَبِقَلْبِهِ وَحُضُورِ ذِهْنِهِ كَانَ أَدْعَى لِتَفَهُّمِ مَوْعِظَتِهِ وَمُوَافَقَتِهِ فِيمَا شُرِعَ لَهُ الْقِيَامُ لِأَجْلِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَاسْتَقْبَلَ ابْنُ عُمَرَ ، وَأَنَسٌ الْإِمَامَ ) أَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ : ذَكَرْتُ لِلَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ فَأَخْبَرَنِي عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَفْرُغُ مِنْ سُبْحَتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ ، فَإِذَا خَرَجَ لَمْ يَقْعُدِ الْإِمَامُ حَتَّى يَسْتَقْبِلَهُ . وَأَمَّا أَنَسٌ فَرَوَيْنَاهُ فِي نُسْخَةِ نُعَيْمٍ بْنِ حَمَّادٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَخَذَ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَسْتَقْبِلُهُ بِوَجْهِهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ الْخُطْبَةِ ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ " عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاسْتَنَدَ إِلَى الْحَائِطِ وَاسْتَقْبَلَ الْإِمَامَ " قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : لَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ . وَحَكَى غَيْرُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، وَالْحَسَنِ شَيْئًا مُحْتَمَلًا ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : لَا يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ شَيْءٌ ، يَعْنِي صَرِيحًا . وَقَدِ اسْتَنْبَطَ الْمُصَنِّفُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ مَقْصُودُ التَّرْجَمَةِ ، وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ سَيَأْتِي بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي بَابِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْيَتَامَى ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الرِّقَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ جُلُوسَهُمْ حَوْلَهُ لِسَمَاعِ كَلَامِهِ يَقْتَضِي نَظَرَهُمْ إِلَيْهِ غَالِبًا ، وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْقِيَامِ فِي الْخُطْبَةِ لِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَتَحَدَّثُ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى مَكَانٍ [2/468] عَالٍ وَهُمْ جُلُوسٌ أَسْفَلَ مِنْهُ ، وإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ حَالِ الْخُطْبَةِ كَانَ حَالُ الْخُطْبَةِ أَوْلَى لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِالِاسْتِمَاعِ لَهَا وَالْإِنْصَاتِ عِنْدَهَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .