‎( 23 ) باب
نسخ عشر رضعات بخمس ، ورضاعة الكبير
( 1452 ) ( 24 ) [1515] عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ .
( 1453 ) ( 26 و30 ) [1516] وعَنْها قَالَتْ: جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ ( وَهُوَ حَلِيفُهُ ) فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْضِعِيهِ قَالَتْ: وَكَيْفَ أُرْضِعُهُ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ؟ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ .
وفي رواية : إِنَّهُ ذُو لِحْيَةٍ . بدل رجل كبير .


[4/186] ( 23 ) ومن باب : رضاعة الكبير
( سالم ) هذا هو : سالم بن معقل ، مولى سلمى بنت يعار ، زوجة أبي حذيفة . وقيل : سَهلة بنت سُهيل . وقيل في اسمها غير سَلمى . وكان أبو حذيفة قد تبنَّاه على ما كانت عادتهم في التبنِّي ، وكان قد نشأ في حجر أبي حذيفة وزوجته نشأة الابن ، فلمَّا أنزل الله تعالى : ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ بطل حكم التبنِّي ، وبقي سالم على دخوله على سهلة بحكم صغره ، إلى أن بَلَغَ مبلغ الرجال ، وجدا - أعني : أبا حذيفة وسهلة - في نفوسهما كراهة ذلك ، وثَقل عليهما أن يمنعاه الدخول ؛ للإلْف السابق ، إلى أن سألا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أرضعيه تحرمي عليه ، ويذهب ما في نفس أبي حذيفة ) فأَرْضعتْه ، فكان ذلك . فرأى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خلا عائشة : أن ذلك خاصٌّ بسالم ، وأن [4/187] ذلك لا يتعداه ؛ لِمَا اقترن بذلك من القرائن التي ذكرناها ، ولِمَا يعارضه مما يأتي ذِكْرُهُ .
وإلى مذهبهنَّ في ذلك صار جمهور السَّلف والخلف من الفقهاء وغيرهم . وحملوا الحديث على الخصوص . ورأوا : أن رضاعة الكبير للأجنبية لا تجوز ، وإن وقعت لم يلزم بها حكم ، لا في النكاح ، ولا في الحجاب ، ما خلا داود فإنه قال : يرفع تحريم الحجاب لا غير ؛ تمسُّكًا بحديث سالم .
قال ابن الموَّاز : لو أخذ بهذا في الحجابة لم أعِبْه ، وتركه أحبُّ إليَّ ، وما علمت مَنْ أخذ به عامًّا إلا عائشة .
قال الباجي : قد انعقد الإجماع على خلاف التحريم برضاعة الكبير . قال أبو الفضل عياض : لأن الخلاف إنما كان أوَّلا ثم انقطع .
قلت : وفيما ذكره ابن الْمَوَّاز عن عائشة : أنها ترى رضاعة الكبير تحريِمًا عامًّا نظر ؛ فإن نصَّ حديث "الموطأ" عنها : أنها إنما كانت تأخذ بذلك في الحجاب خاصَّة . فتأمل ما في "الموطأ" من حديث سالم هذا ، فإن مالكا ـ رضي الله عنه ـ ساقه أكمل مساق وأحسنه ، وذكر فيه جملة من القرائن الدالة على خصوصية سالم بذلك .
[4/188] وقد اعتضد للجمهور على الخصوصية بأمور :
أحدها : أن ذلك مخالف للقواعد ؛ منها : قاعدة الرَّضاع ؛ فإن الله تعالى قد قال : وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ فهذه أقصى مدَّة الرضاع المحتاج إليه عادة ، المعتبر شرعًا ، فما زاد عليه بمدَّة مؤثرةٍ غير محتاج إليه عادةً ، فلا يعتبر شرعًا ؛ لأنه نادر ، والنادر لا يحكم له بحكم المعتاد .
ومنها : قاعدة تحريم الاطلاع على العورة ؛ فإنه لا يختلف في أن ثدي الحرَّة عورة ، وأنَّه لا يجوز الاطلاع عليه ، لا يقال : يمكن أن يرضع ولا يطلع ؛ لأنَّا نقول : نفس التقام حَلَمَةَ الثدي بالفم اطّلاع ، فلا يجوز .
ومنها : أنه مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الرَّضاعة من الْمَجَاعة ) . وهذا منه صلى الله عليه وسلم تقعيد قاعدة كلية ؛ تُصرِّح بأن الرَّضاعة المعتبرة في التحريم ؛ إنما هي في الزمان الذي تغني فيه عن الطعام ، وذلك إنما يكون في الحولين وما قاربهما . وهو الأيام اليسيرة بعد الحولين عند مالك . وقد اضطرب أصحابه في تحديدها . فالمكثر يقول : شهرًا . وكأن مالكا يشير : إلى أنه لا يفطم الصبي في دفعة واحدة ، في يوم [4/189] واحد ، بل في أيام وعلى تدريج . فتلك الأيام التي يحاول فيها فطامه حُكْمها حكم الحولين ؛ لقضاء العادة بمعاودة الرَّضاع فيها .
وقد أطلق بعض الأئمة على حديث سالم : أنَّه منسوخ . وأظنُّه سُمِّى التخصيص نسخًا ، وإلا فحقيقة النسخ لم تحصل هنا ؛ على ما يعرف في الأصول .