بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
2 - كِتَاب الْإِيمَانِ
1 - بَاب قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ .
وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ، وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ، وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ، وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ، وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَقَوْلُهُ : أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ : فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَوْلُهُ تَعَالَى : وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنْ الْإِيمَانِ ، وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ : إِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ وَحُدُودًا وَسُنَنًا فَمَنْ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلْ الْإِيمَانَ ، فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا ، وَإِنْ أَمُتْ فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ . وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ : وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي وَقَالَ مُعَاذُ : اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً . وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : الْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ . وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ . وَقَالَ مُجَاهِدٌ : شَرَعَ لَكُمْ أَوْصَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَإِيَّاهُ دِينًا وَاحِدًا . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا سَبِيلًا وَسُنَّةً .
2 - باب دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ
8 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ : أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالْحَجِّ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ .


[1/60] قَوْلُهُ : ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . كِتَابُ الْإِيمَانِ ) هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ : هَذَا كِتَابُ الْإِيمَانِ . وَكِتَابُ : مَصْدَرٌ ، يُقَالُ : كَتَبَ يَكْتُبُ كِتَابَةً وَكِتَابًا ، وَمَادَّةُ كَتَبَ دَالَّةٌ عَلَى الْجَمْعِ وَالضَّمِّ ، وَمِنْهَا الْكَتِيبَةُ وَالْكِتَابَةُ ، اسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ فِيمَا يَجْمَعُ أَشْيَاءَ مِنَ الْأَبْوَابِ وَالْفُصُولِ الْجَامِعَةِ لِلْمَسَائِلِ ، وَالضَّمُّ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَكْتُوبِ مِنَ الْحُرُوفِ حَقِيقَةٌ وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعَانِي الْمُرَادَةِ مِنْهَا مَجَازٌ ، وَالْبَابُ مَوْضُوعُهُ الْمَدْخَلُ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعَانِي مَجَازٌ ، وَالْإِيمَانُ لُغَةً التَّصْدِيقُ ، وَشَرْعًا تَصْدِيقُ الرَّسُولِ فِيمَا جَاءَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ ، وَهَذَا الْقَدْرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . ثُمَّ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ : هَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ مَزِيدُ أَمْرٍ مِنْ جِهَةِ إِبْدَاءِ هَذَا التَّصْدِيقِ بِاللِّسَانِ الْمُعَبِّرِ عَمَّا فِي الْقَلْبِ إِذِ التَّصْدِيقُ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ ؟ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ بِمَا صَدَّقَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ كَفِعْلِ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكِ الْمُنْتَهَيَاتِ كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ [1/61] تَعَالَى . وَالْإِيمَانُ فِيمَا قِيلَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَمْنِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِتَبَايُنِ مَدْلُولِي الْأَمْنِ وَالتَّصْدِيقِ ، إِلَّا إِنْ لُوحِظَ فِيهِ مَعْنًى مَجَازِيٌّ فَيُقَالُ : أَمِنَهُ إِذَا صَدَّقَهُ ، أَيْ : أَمِنَهُ التَّكْذِيبَ . وَلَمْ يَسْتَفْتِحِ الْمُصَنِّفُ بَدْءَ الْوَحْيِ بِكِتَابٍ ; لِأَنَّ الْمُقَدِّمَةَ لَا تُسْتَفْتَحُ بِمَا يُسْتَفْتَحُ بِهِ غَيْرُهَا ; لِأَنَّهَا تَنْطَوِي عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا بَعْدَهَا ، وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي تَقْدِيمِ الْبَسْمَلَةِ عَلَى كِتَابٍ أَوْ تَأْخِيرِهَا وَلِكُلٍّ وَجْهٌ ، الْأَوَّلُ ظَاهِرٌ ، وَوَجْهُ الثَّانِي وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ جَعَلَ التَّرْجَمَةَ قَائِمَةً مَقَامَ تَسْمِيَةِ السُّورَةِ ، وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ كَالْآيَاتِ مُسْتَفْتَحَةٌ بِالْبَسْمَلَةِ .
قَوْلُهُ : ( بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ ) ، سَقَطَ لَفْظُ " بَابُ " مِنْ رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ ، وَقَدْ وُصِلَ الْحَدِيثُ بَعْدُ تَامًّا ، وَاقْتِصَارُهُ عَلَى طَرَفِهِ فِيهِ تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاسْمِ بَعْضِهِ وَالْمُرَادُ بَابُ هَذَا الْحَدِيثِ .
قَوْلُهُ : ( وَهُوَ ) أَيِ : الْإِيمَانُ ( قَوْلٌ وَفِعْلٌ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ ) وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ : " قَوْلٌ وَعَمَلٌ " ، وَهُوَ اللَّفْظُ الْوَارِدُ عَنِ السَّلَفِ الَّذِينَ أَطْلَقُوا ذَلِكَ ، وَوَهِمَ ابْنُ التِّينِ فَظَنَّ أَنَّ قَوْلَهُ : وَهُوَ ، إِلَى آخِرِهِ ، مَرْفُوعٌ لَمَّا رَآهُ مَعْطُوفًا ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ وَرَدَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ . وَالْكَلَامُ هُنَا فِي مَقَامَيْنِ : أَحَدُهُمَا كَوْنُهُ قَوْلًا وَعَمَلًا ، وَالثَّانِي كَوْنُهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ . فَأَمَّا الْقَوْلُ فَالْمُرَادُ بِهِ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ ، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ ، لِيَدْخُلَ الِاعْتِقَادُ وَالْعِبَادَاتُ . وَمُرَادُ مَنْ أَدْخَلَ ذَلِكَ فِي تَعْرِيفِ الْإِيمَانِ وَمَنْ نَفَاهُ إِنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، فَالسَّلَفُ قَالُوا : هُوَ اعْتِقَادٌ بِالْقَلْبِ ، وَنُطْقٌ بِاللِّسَانِ ، وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ . وَأَرَادُوا بِذَلِكَ أَنَّ الْأَعْمَالَ شَرْطٌ فِي كَمَالِهِ . وَمِنْ هُنَا نَشَأَ ثَمَّ الْقَوْلُ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ كَمَا سَيَأْتِي .
وَالْمُرْجِئَةُ قَالُوا : هُوَ اعْتِقَادٌ وَنُطْقٌ فَقَطْ . وَالْكَرَّامِيَّةُ قَالُوا : هُوَ نُطْقٌ فَقَطْ . وَالْمُعْتَزِلَةُ قَالُوا : هُوَ الْعَمَلُ وَالنُّطْقُ وَالِاعْتِقَادُ . وَالْفَارِقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّلَفِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْأَعْمَالَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ وَالسَّلَفُ جَعَلُوهَا شَرْطًا فِي كَمَالِهِ . وَهَذَا كُلُّهُ كَمَا قُلْنَا بِالنَّظَرِ إِلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى . أَمَّا بِالنَّظَرِ إِلَى مَا عِنْدَنَا فَالْإِيمَانُ هُوَ الْإِقْرَارُ فَقَطْ ، فَمَنْ أَقَرَّ أُجْرِيَتْ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِكُفْرٍ إِلَّا إِنِ اقْتَرَنَ بِهِ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى كُفْرِهِ كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ ، فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْكُفْرِ كَالْفِسْقِ فَمَنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْإِيمَانَ فَبِالنَّظَرِ إِلَى إِقْرَارِهِ ، وَمَنْ نُفِيَ عَنْهُ الْإِيمَانَ فَبِالنَّظَرِ إِلَى كَمَالِهِ ، وَمَنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ فَبِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّهُ فَعَلَ فِعْلَ الْكَافِرِ ، وَمَنْ نَفَاهُ عَنْهُ فَبِالنَّظَرِ إِلَى حَقِيقَتِهِ .
وَأَثْبَتَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الْوَاسِطَةَ فَقَالُوا : الْفَاسِقُ لَا مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ . وَأَمَّا الْمَقَامُ الثَّانِي فَذَهَبَ السَّلَفُ إِلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ . وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَقَالُوا مَتَى قبل ذَلِكَ كَانَ شَكًّا . قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ : وَالْأَظْهَرُ الْمُخْتَارُ أَنَّ التَّصْدِيقَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ بِكَثْرَةِ النَّظَرِ وَوُضُوحِ الْأَدِلَّةِ ، وَلِهَذَا كَانَ إِيمَانُ الصِّدِّيقِ أَقْوَى مِنْ إِيمَانِ غَيْرِهِ بِحَيْثُ لَا يَعْتَرِيهِ الشُّبْهَةُ . وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ مَا فِي قَلْبِهِ يَتَفَاضَلُ ، حَتَّى إِنَّهُ يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ الْإِيمَانُ أَعْظَمَ يَقِينًا وَإِخْلَاصًا وَتَوَكُّلًا مِنْهُ فِي بَعْضِهَا ، وَكَذَلِكَ فِي التَّصْدِيقِ وَالْمَعْرِفَةِ بِحَسَبِ ظُهُورِ الْبَرَاهِينِ وَكَثْرَتِهَا . وَقَدْ نَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِهِ " تَعْظِيمُ قَدْرِ الصَّلَاةِ " عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ نَحْوَ ذَلِكَ ، وَمَا نُقِلَ عَنِ السَّلَفِ صَرَّحَ بِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، وَالْأَوْزَاعِيِّ ، وَابْنِ جُرَيْجٍ ، وَمَعْمَرٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَهَؤُلَاءِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي عَصْرِهِمْ . وَكَذَا نَقَلَهُ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالِكَائِيُّ فِي " كِتَابِ السُّنَّةِ " عَنِ الشَّافِعِيِّ ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْه ، وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ ، وَرَوَى بِسَنَدِهِ الصَّحِيحِ عَنِ الْبُخَارِيِّ قَالَ : لَقِيتُ أَكْثَرَ مِنَ أَلْفِ رَجُلٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالْأَمْصَارِ فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ يَخْتَلِفُ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ . [1/62] وَأَطْنَبَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، وَاللَّالِكَائِيُّ فِي نَقْلِ ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ عَنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَكُلِّ مَنْ يَدُورُ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ . وَحَكَاهُ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ ، وَوَكِيعٌ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ : حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ . وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَرْجَمَةِ الشَّافِعِيِّ مِنَ الْحِلْيَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الرَّبِيعِ وَزَادَ : يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ . ثُمَّ تَلَا وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا الْآيَةَ . ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ يَسْتَدِلُّ لِذَلِكَ بِآيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ مُصَرِّحَةٍ بِالزِّيَادَةِ ، وَبِثُبُوتِهَا يَثْبُتُ الْمُقَابِلُ ، فَإِنَّ كُلَّ قَابِلٍ لِلزِّيَادَةِ قَابِلٌ لِلنُّقْصَانِ ضَرُورَةً .
قَوْلُهُ : وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنَ الْإِيمَانِ ، هُوَ لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَلَفْظُهُ : أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ . وَلَفْظُ أَبِي أُمَامَةَ : " مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ " . وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ ، وَزَادَ أَحْمَدُ فِيهِ : " وَنَصَحَ لِلَّهِ " وَزَادَ فِي أُخْرَى : " وَيُعْمِلُ لِسَانَهُ فِي ذِكْرِ اللَّهِ " وَلَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بِلَفْظِ " لَا يَجِدُ الْعَبْدُ صَرِيحَ الْإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ لِلَّهِ وَيُبْغِضَ لِلَّهِ " وَلَفْظُ الْبَزَّارِ رَفَعَهُ : " أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ " ، وَسَيَأْتِي عِنْدَ الْمُصَنِّفِ : " آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ " ، وَاسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ ; لِأَنَّ الْحُبَّ وَالْبُغْضَ يَتَفَاوَتَانِ .
قَوْلُهُ : ( وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ ) أَيِ ابْنِ عُمَيْرَةَ الْكِنْدِيِّ ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ مِنْ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ ، وَكَانَ عَامِلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى الْجَزِيرَةِ فَلِذَلِكَ كَتَبَ إِلَيْهِ ، وَالتَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ وَصَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ لَهُمَا مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ عَاصِمٍ قَالَ : حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ : كَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : " أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ " . . . إِلَخْ .
قَوْلُهُ : ( إِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ ) كَذَا ثَبَتَ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ بِاللَّامِ ، وَفَرَائِضَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا اسْمُ إِنَّ ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَسَاكِرَ : " فَإِنَّ الْإِيمَانَ فَرَائِضُ " عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ اسْمُ إِنَّ وَفَرَائِضُ خَبَرُهَا ، وَبِالْأَوَّلِ جَاءَ الْمَوْصُولُ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ .
قَوْلُهُ : ( فَرَائِضَ ) أَيْ : أَعْمَالًا مَفْرُوضَةً ، ( وَشَرَائِعَ ) أَيْ : عَقَائِدَ دِينِيَّةً ، ( وَحُدُودًا ) أَيْ : مَنْهِيَّاتٍ مَمْنُوعَةً ، ( وَسُنَنًا ) أَيْ : مَنْدُوبَاتٍ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا ) أَيْ : أُبَيِّنُ تَفَارِيعَهَا لَا أُصُولَهَا ; لِأَنَّ أُصُولَهَا كَانَتْ مَعْلُومَةً لَهُمْ جُمْلَةً ، عَلَى تَجْوِيزِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ إِذِ الْحَاجَةُ هُنَا لَمْ تَتَحَقَّقْ . وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا الْأَثَرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ مِمَّنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ حَيْثُ قَالَ : استكمل ولم يستكمل . قَالَ الْكِرْمَانِيُّ : وَهَذَا عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقَدْ يُمْنَعُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ جَعَلَ الْإِيمَانَ غَيْرَ الْفَرَائِضِ . قُلْتُ : لَكِنَّ آخِرَ كَلَامِهِ يُشْعِرُ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ : " فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا " أَيِ الْفَرَائِضَ وَمَا مَعَهَا " فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ " . وَبِهَذَا تَتَّفِقُ الرِّوَايَتَانِ . فَالْمُرَادُ أَنَّهَا مِنَ الْمُكَمِّلَاتِ ; لِأَنَّ الشَّارِعَ أَطْلَقَ عَلَى مُكَمِّلَاتِ الْإِيمَانِ إِيمَانًا .
قَوْلُهُ : ( وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي أَشَارَ إِلَى تَفْسِيرِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمَا لِهَذِهِ الْآيَةِ ، فَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ بِسَنَدِهِ الصَّحِيحِ إِلَى سَعِيدٍ قَالَ : قَوْلُهُ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي أَيْ : يَزْدَادَ يَقِينِي . [1/63] وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : لِأَزْدَادَ إِيمَانًا إِلَى إِيمَانِي ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ أَنَّ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أُمِرَ بِاتِّبَاعِ مِلَّتِهِ - كَانَ كَأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ . وَإِنَّمَا فَصَلَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا ; لِأَنَّ الدَّلِيلَ يُؤْخَذُ مِنْ تِلْكَ بِالنَّصِّ وَمِنْ هَذِهِ بِالْإِشَارَةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ : ( وَقَالَ مُعَاذٌ ) هُوَ ابْنُ جَبَلٍ ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصِيلِيُّ ، وَالتَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ وَصَلَهُ أَحْمَدُ ، وَأَبُو بَكْرٍ أَيْضًا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ : قَالَ لِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ : " اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا : كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَقُولُ لِلرَّجُلِ مِنْ إِخْوَانِهِ : اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً ، فَيَجْلِسَانِ فَيَذْكُرَانِ اللَّهَ تَعَالَى وَيَحْمَدَانِهِ . وَعُرِفَ مِنَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْأَسْوَدَ أَبْهَمَ نَفْسَهُ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُعَاذٌ قَالَ ذَلِكَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ . وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ ظَاهِرَةٌ ; لِأَنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَى أَصْلِ الْإِيمَانِ لِكَوْنِهِ كَانَ مُؤْمِنًا وَأَيُّ مُؤْمِنٍ ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى إِرَادَةِ أَنَّهُ يَزْدَادُ إِيمَانًا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى . وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ : لَا تَعَلُّقَ فِيهِ لِلزِّيَادَةِ ; لِأَنَّ مُعَاذًا إِنَّمَا أَرَادَ تَجْدِيدَ الْإِيمَانِ لِأَنَّ الْعَبْدَ يُؤْمِنُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ فَرْضًا ، ثُمَّ يَكُونُ أَبَدًا مُجَدِّدًا كُلَّمَا نَظَرَ أَوْ فَكَّرَ ، وَمَا نَفَاهُ أَوَّلًا أَثْبَتَهُ آخِرًا ; لِأَنَّ تَجْدِيدَ الْإِيمَانِ إِيمَانٌ .
قَوْلُهُ : ( وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : الْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ ) هَذَا التَّعْلِيقُ طَرَفٌ مِنْ أَثَرٍ وَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ ، وَبَقِيَّتُهُ : وَالصَّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ . وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الزُّهْدِ مِنْ حَدِيثِهِ مَرْفُوعًا ، وَلَا يَثْبُتُ رَفْعُهُ . وَجَرَى الْمُصَنِّفُ عَلَى عَادَتِهِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى مَا يَدُلُّ بِالْإِشَارَةِ ، وَحَذْفِ مَا يَدُلُّ بِالصَّرَاحَةِ ، إِذْ لَفْظُ النِّصْفِ صَرِيحٌ فِي التَّجْزِئَةِ . وَفِي الْإِيمَانِ لِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ زِدْنَا إِيمَانًا وَيَقِينًا وَفِقْهًا " وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ ، وَهَذَا أَصْرَحُ فِي الْمَقْصُودِ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ لِمَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ .
( تَنْبِيهٌ ) : تَعَلَّقَ بِهَذَا الْأَثَرِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّ الْإِيمَانَ هُوَ مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ . وَأُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الْيَقِينَ هُوَ أَصْلُ الْإِيمَانِ ، فَإِذَا أَيْقَنَ الْقَلْبُ انْبَعَثَتِ الْجَوَارِحُ كُلُّهَا لِلِقَاءِ اللَّهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، حَتَّى قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : لَوْ أَنَّ الْيَقِينَ وَقَعَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يَنْبَغِي لَطَارَ اشْتِيَاقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَهَرَبًا مِنَ النَّارِ .
قَوْلُهُ : ( وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إِلَخْ ) الْمُرَادُ بِالتَّقْوَى وِقَايَةُ النَّفْسِ عَنِ الشِّرْكِ وَالْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ وَالْمُوَاظَبَةَ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ . وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَصِحُّ اسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ . وَقَوْلُهُ " حَاكَ " بِالْمُهْمَلَةِ وَالْكَافِ الْخَفِيفَةِ أَيْ : تَرَدَّدَ ، فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ بَلَغَ كُنْهَ الْإِيمَانِ وَحَقِيقَتَهُ ، وَبَعْضَهُمْ لَمْ يَبْلُغْ . وَقَدْ وَرَدَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ النَّوَّاسِ مَرْفُوعًا ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ وَابِصَةَ ، وَحَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مِنَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ الْبَأْسُ " ، وَلَيْسَ فِيهَا شيء عَلَى شَرْطِ الْمُصَنِّفِ ، فَلِهَذَا اقْتَصَرَ عَلَى أَثَرِ ابْنِ عُمَرَ ، وَلَمْ أَرَهُ إِلَى الْآنَ مَوْصُولًا .
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ التَّقْوَى عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : " تَمَامُ التَّقْوَى أَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ حَتَّى تَتْرُكَ مَا تَرَى أَنَّهُ حَلَالٌ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا " .
قَوْلُهُ : ( وَقَالَ مُجَاهِدٌ ) وَصَلَ هَذَا التَّعْلِيقَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ هُوَ شَرْعُ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ .
( تَنْبِيهٌ ) : قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ : وَقَعَ فِي أَصْلِ الصَّحِيحِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ فِي أَثَرِ مُجَاهِدٍ هَذَا [1/64] تَصْحِيفٌ قَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لِبَيَانِهِ ، وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَهُ : وَقَالَ مُجَاهِدٌ : شَرَعَ لَكُمْ أَوْصَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَإِيَّاهُ دِينًا وَاحِدًا . وَالصَّوَابُ أَوْصَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَأَنْبِيَاءَهُ . كَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، وَالْفِرْيَابِيُّ ، وَالطَّبَرِيُّ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ فِي تَفَاسِيرِهِمْ . وَبِهِ يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ ، وَكَيْفَ يُفْرِدُ مُجَاهِدٌ الضَّمِيرَ لِنُوحٍ وَحْدَهُ مَعَ أَنَّ فِي السِّيَاقِ ذِكْرَ جَمَاعَةٍ ، انْتَهَى .
وَلَا مَانِعَ مِنَ الْإِفْرَادِ فِي التَّفْسِيرِ ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْآيَةِ بِالْجَمْعِ عَلَى إِرَادَةِ الْمُخَاطَبِ وَالْبَاقُونَ تَبَعٌ ، وَإِفْرَادُ الضَّمِيرِ لَا يَمْتَنِعُ ; لِأَنَّ نُوحًا أُفْرِدَ فِي الْآيَةِ فَلَمْ يَتَعَيَّنِ التَّصْحِيفُ ، وَغَايَةُ مَا ذُكِرَ مِنْ مَجِيءِ التَّفَاسِيرِ بِخِلَافِ لَفْظِهِ أَنْ يَكُونَ مَذْكُورًا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ بِالْمَعْنَى . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَدِ اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ ، وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ تَدْخُلُ فِي الْإِيمَانِ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ - إِلَى قَوْلِهِ - دِينُ الْقَيِّمَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَحَجَّ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ . أَخْرَجَهُ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ .
قَوْلُهُ : ( وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ) وَصَلَ هَذَا التَّعْلِيقَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ . وَالْمِنْهَاجُ السَّبِيلُ : أَيِ : الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ ، وَالشِّرْعَةُ وَالشَّرِيعَةُ بِمَعْنًى ، وَقَدْ شَرَعَ أَيْ : سَنَّ ، فَعَلَى هَذَا فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ غَيْرُ مُرَتَّبٍ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَالَّذِي قَبْلَهُ عَلَى الِاتِّحَادِ ، أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَلَيْسَ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ فِيهِ اخْتِلَافٌ ، وَهَذَا فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ الَّذِي يَدْخُلُهُ النَّسْخُ .
قَوْلُهُ : دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ ) قَالَ النَّوَوِيُّ : يَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ هُنَا بَابٌ ، وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ وَصَوَابُهُ بِحَذْفِهِ ، وَلَا يَصِحُّ إِدْخَالُ بَابِ هُنَا إِذْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ هُنَا . قُلْتُ : ثَبَتَ بَابٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْمُتَّصِلَةِ ، مِنْهَا رِوَايَةُ أَبِي ذَرٍّ ، وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ ، لَكِنْ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ : إِنَّهُ وَقَفَ عَلَى نُسْخَةٍ مَسْمُوعَةٍ عَلَى الْفَرَبْرِيِّ بِحَذْفِهِ ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ : دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ . مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَطَفَهُ عَلَى مَا قَبْلِهِ كَعَادَتِهِ فِي حَذْفِ أَدَاةِ الْعَطْفِ حَيْثُ يُنْقَلُ التَّفْسِيرُ ، وَقَدْ وَصَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ قَالَ يَقُولُ : لَوْلَا إِيمَانُكُمْ . أَخْبَرَ اللَّهُ الْكُفَّارَ أَنَّهُ لَا يَعْبَأُ بِهِمْ ، وَلَوْلَا إِيمَانُ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَعْبَأْ بِهِمْ أَيْضًا . وَوَجْهُ الدِّلَالَةِ لِلْمُصَنِّفِ أَنَّ الدُّعَاءَ عَمَلٌ وَقَدْ أَطْلَقَهُ عَلَى الْإِيمَانِ فَيَصِحُّ إِطْلَاقُ أَنَّ الْإِيمَانَ عَمَلٌ ، وَهَذَا عَلَى تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَقَالَ غَيْرُهُ : الدُّعَاءُ هنا مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ ، وَالْمُرَادُ دُعَاءُ الرُّسُلِ الْخَلْقَ إِلَى الْإِيمَانِ ، فَالْمَعْنَى لَيْسَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ عُذْرٌ إِلَّا أَنْ يَدْعُوَكُمُ الرَّسُولُ فَيُؤْمِنُ مَنْ آمَنَ وَيَكْفُرُ مَنْ كَفَرَ ، فَقَدْ كَذَّبْتُمْ أَنْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ الْعَذَابُ لَازِمًا لَكُمْ . وَقِيلَ : مَعْنَى الدُّعَاءِ هُنَا الطَّاعَةُ . وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنُ بَشِيرٍ " أَنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ " أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ .
[1/65] قَوْلُهُ : ( حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ ) هُوَ قُرَشِيٌّ مَكِّيٌّ مِنْ ذُرِّيَّةِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيِّ ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ هُوَ ابْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ ، وَهُوَ ثِقَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَفِي طَبَقَتِهِ عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَلَمْ يُخَرِّجْ لَهُ الْبُخَارِيُّ ، نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِشِدَّةِ الْتِبَاسِهِ ، وَيَفْتَرِقَانِ بِشُيُوخِهِمَا ، وَلَمْ يُرْوَ الضَّعِيفُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ . زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ حَنْظَلَةَ قَالَ : سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ يُحَدِّثُ طَاوُسًا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : أَلَا تَغْزُو ؟ فَقَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ . . . فَذَكَرَ الْحَدِيثَ .
( فَائِدَةٌ ) : اسْمُ الرَّجُلِ السَّائِلِ حَكِيمٌ ، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ .
قَوْلُهُ : ( عَلَى خَمْسٍ ) أَيْ : دَعَائِمَ . وَصَرَّحَ بِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي رِوَايَتِهِ . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَلَى خَمْسَةٍ أَيْ : أَرْكَانٍ . فَإِنْ قِيلَ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الشَّهَادَةِ إِذْ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا إِلَّا بَعْدَ وُجُودِهَا فَكَيْفَ يُضَمُّ مَبْنِيٌّ إِلَى مَبْنِيٍّ عَلَيْهِ فِي مُسَمًّى وَاحِدٍ ؟ أُجِيبَ بِجَوَازِ ابْتِنَاءِ أَمْرٍ عَلَى أَمْرٍ يَنْبَنِي عَلَى الْأَمْرَيْنِ أَمْرٌ آخَرُ . فَإِنْ قِيلَ : الْمَبْنِيُّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ ، أُجِيبَ : بِأَنَّ الْمَجْمُوعَ غَيْرٌ مِنْ حَيْثُ الِانْفِرَادِ ، عَيْنٌ مِنْ حَيْثُ الْجَمْعِ . وَمِثَالُهُ الْبَيْتُ مِنِ الشِّعْرِ
يُجْعَلُ عَلَى خَمْسَةِ أَعْمِدَةٍ
أَحَدُهَا أَوْسَطُ وَالْبَقِيَّةُ أَرْكَانٌ
، فَمَا دَامَ الْأَوْسَطُ قَائِمًا فَمُسَمَّى الْبَيْتِ مَوْجُودٌ وَلَوْ سَقَطَ مَهْمَا سَقَطَ مِنَ الْأَرْكَانِ ، فَإِذَا سَقَطَ الْأَوْسَطُ سَقَطَ مُسَمَّى الْبَيْتِ ، فَالْبَيْتُ بِالنَّظَرِ إِلَى مَجْمُوعِهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ ، وَبِالنَّظَرِ إِلَى أَفْرَادِهِ أَشْيَاءُ . وَأَيْضًا فَبِالنَّظَرِ إِلَى أُسِّهِ وَأَرْكَانِهِ ، الْأُسُّ أَصْلٌ ، وَالْأَرْكَانُ تَبَعٌ وَتَكْمِلَةٌ .
( تَنْبِيهَاتٌ ) : أَحَدُهَا : لَمْ يُذْكَرِ الْجِهَادَ ; لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلَا يَتَعَيَّنُ إِلَّا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ ، وَلِهَذَا جَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ جَوَابَ السَّائِلِ ، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي آخِرِهِ : وَإِنَّ الْجِهَادَ مِنَ الْعَمَلِ الْحَسَنِ . وَأَغْرَبَ ابْنُ بَطَّالٍ فَزَعَمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَانَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ قَبْلَ فَرْضِ الْجِهَادِ ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، بَلْ هُوَ خَطَأٌ ; لِأَنَّ فَرْضَ الْجِهَادِ كَانَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ ، وَبَدْرٌ كَانَتْ فِي رَمَضَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ، وَفِيهَا فُرِضَ الصِّيَامُ وَالزَّكَاةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْحَجُّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ .
ثَانِيهَا : قَوْلُهُ " شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " وَمَا بَعْدَهَا مَخْفُوضٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ خَمْسٍ ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى حَذْفِ الْخَبَرِ ، وَالتَّقْدِيرُ مِنْهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . أَوْ عَلَى حَذْفِ الْمُبْتَدَأِ ، وَالتَّقْدِيرُ أَحَدُهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . فَإِنْ قِيلَ : لَمْ يَذْكُرِ الْإِيمَانَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا تَضَمَّنَهُ سُؤَالُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّهَادَةِ تَصْدِيقُ الرَّسُولِ فِيمَا جَاءَ بِهِ ، فَيَسْتَلْزِمُ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ مِنَ الْمُعْتَقَدَاتِ . وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مَا مُحَصَّلُهُ : هُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِبَعْضِهِ كَمَا تَقُولُ : قَرَأْتُ الْحَمْدَ وَتُرِيدُ جَمِيعَ الْفَاتِحَةِ ، وَكَذَا تَقُولُ مَثَلًا : شَهِدْتُ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ وَتُرِيدُ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
ثَالِثُهَا : الْمُرَادُ بِإِقَامِ الصَّلَاةِ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا أَوْ مُطْلَقُ الْإِتْيَانِ بِهَا ، وَالْمُرَادُ بِإِيتَاءِ الزَّكَاةِ إِخْرَاجُ جُزْءٍ مِنَ الْمَالِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ .
رَابِعُهَا : اشْتَرَطَ الْبَاقِلَّانِيُّ فِي صِحَّةِ الْإِسْلَامِ تَقَدُّمَ الْإِقْرَارِ بِالتَّوْحِيدِ عَلَى الرِّسَالَةِ ، وَلَمْ يُتَابَعْ ، مَعَ أَنَّهُ إِذَا دُقِّقَ فِيهِ بَانَ وَجْهُهُ ، وَيَزْدَادُ اتِّجَاهًا إِذَا فَرَّقَهُمَا ، فَلْيُتَأَمَّلْ .
خَامِسُهَا : يُسْتَفَادُ مِنْهُ تَخْصِيصُ عُمُومِ مَفْهُومِ السُّنَّةِ بِخُصُوصِ مَنْطُوقِ الْقُرْآنِ ; لِأَنَّ عُمُومَ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي صِحَّةَ إِسْلَامِ مَنْ بَاشَرَ مَا ذُكِرَ ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُبَاشِرْهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ ، وَهَذَا الْعُمُومُ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ .
سَادِسُهَا : وَقَعَ هُنَا تَقْدِيمُ الْحَجِّ عَلَى الصَّوْمِ ، وَعَلَيْهِ بَنَى الْبُخَارِيُّ تَرْتِيبَهُ ، لَكِنْ وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِتَقْدِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَجِّ ، قَالَ ، فَقَالَ رَجُلٌ : وَالْحَجُّ وَصِيَامُ رَمَضَانَ ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : لَا ، صِيَامُ رَمَضَانَ وَالْحَجُّ ، هَكَذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . ، انْتَهَى . فَفِي هَذَا [1/66] إِشْعَارٌ بِأَنَّ رِوَايَةَ حَنْظَلَةَ الَّتِي فِي الْبُخَارِيِّ مَرْوِيَّةٌ بِالْمَعْنَى ، إِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ رَدَّ ابْنِ عُمَرَ عَلَى الرَّجُلِ لِتَعَدُّدِ الْمَجْلِسِ ، أَوْ حَضَرَ ذَلِكَ ثُمَّ نَسِيَهُ . وَيَبْعُدُ مَا جَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَنَسِيَ أَحَدَهُمَا عِنْدَ رَدِّهِ عَلَى الرَّجُلِ ، وَوَجْهُ بُعْدِهِ أَنَّ تَطَرُّقَ النِّسْيَانِ إِلَى الرَّاوِي عَنِ الصَّحَابِيِّ أَوْلَى مِنْ تَطَرُّقِهِ إِلَى الصَّحَابِيِّ ، كَيْفَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَنْظَلَةَ بِتَقْدِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَجِّ ، وَلِأَبِي عَوَانَةَ - مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حَنْظَلَةَ - أَنَّهُ جَعَلَ صَوْمَ رَمَضَانَ قَبْلُ ، فَتَنْوِيعُهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ بِالْمَعْنَى . وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ بِتَقْدِيمِ الصِّيَامِ عَلَى الزَّكَاةِ ، أَفَيُقَالُ إِنَّ الصَّحَابِيَّ سَمِعَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ؟ هَذَا مُسْتَبْعَدٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
( فَائِدَةٌ ) : اسْمُ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ يَزِيدُ بْنُ بِشْرٍ السَّكْسَكِيُّ ، ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .