عَنبَرٌ : تقدَّم في ( الصحيحين ) من حديث جابر ، في قصة أبي عُبيدةَ ، وأكلِهم من العنبر شهرا ، وأنهم تزوَّدُّوا من لحمه وشَائِقَ إلى المدينة ، وأرسلوا منه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أحدُ ما يدل على أنَّ إباحة ما في البحر لا يَختصُّ بالسمك ، وعلى أن ميتته حلال .
واعتُرِضَ على ذلك بأنَّ البحر ألقاه حيا ، ثم جَزَرَ عنه الماء ، فمات ، وهذا حلال ، فإنَّ موتَه بسبب مفارقته للماء ، وهذا لا يَصِحُّ ، فإنهم إنما وجدوه ميتا بالساحل ، ولم يُشاهدوه قد خرج عنه حيَّا ، ثم جَزَرَ عنه الماء .
وأيضا : فلو كان حيا لما ألقاه البحر إلى ساحله ، فإنه من المعلوم أنَّ البحرَ إنما يقذِفُ إلى ساحله الميتَ من حيواناته لا الحي منها .
وأيضا : فلو قُدِّرَ احتمالُ ما ذكروه لم يجز أن يكون شرطا في الإباحة ، فإنه لا يُباح الشيء مع الشك في سبب إباحته ، ولهذا مَنَعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - من أكل الصيد إذا وجده الصائِدُ غريقا في الماء للشك في سبب موته ، هل هو الآلة أم الماء ؟
وأما العنبرُ الذي هو أحدُ أنواع الطِّيب ، فهو مِن أفخر أنواعه بعد المسك ، وأخطأ مَن قدَّمه على المسك ، وجعله سيدَ أنواع الطِّيب ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في المِسْك : " هُوَ أطْيَبُ الطِّيب " ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكرُ الخصائص والمنافع التي خُصَّ بها المسكُ ، حتى إنه طِيبُ الجَنَّة ، والكُثبانُ التي هي مقاعدُ الصِّدِّيقين هناك مِن مِسْكٍ لا من عَنبرٍ .
[1/247] والذي غَرَّ هذا القائل أنه لا يدخله التغير على طول الزمان ، فهو كالذهب ، وهذا لا يَدُلُّ على أنه أفضل من المسك ، فإنه بهذه الخاصية الواحدة لا يُقاوِم ما في المسك من الخواص .
وبعد ، فضروبُه كثيرة ، وألوانه مختلفة ، فمنه الأبيضُ ، والأشهبُ ، والأحمرُ ، والأصفرُ ، والأخضرُ ، والأزرقُ ، والأسودُ ، وذو الألوان . وأجودُه : الأشهب ، ثم الأزرق ، ثم الأصفر . وأردؤه : الأسود .
وقد اختلف الناسُ في عُنصره ، فقالت طائفة : هو نبات يَنبُت في قعر البحر ، فيبتلِعُه بعض دوابه ، فإذا ثَمِلَتْ منه قَذَفتْه رَجِيعا ، فيقذِفُه البحر إلى ساحله . وقيل : طَلٌ ينزل من السماء في جزائر البحر ، فتُلقيه الأمواج إلى الساحل . وقيل : رَوْثُ دابة بحرية تُشبه البقرة . وقيل : بل هو جُفَاء من جُفَاء البحر ، أي : زَبَدٌ .
وقال صاحب ( القانون ) : هو فيما يُظَن ينبع مِن عَيْن في البحر ، والذي يُقال : إنه زَبَد البحر ، أو روثُ دابة بعيدٌ ، انتهى .
ومزاجه حار يابس ، مقوٍّ للقلب ، والدماغ ، والحواس ، وأعضاء البدن ، نافع من الفالج واللَّقْوة ، والأمراض البلغمية ، وأوجاع المَعِدَة الباردة ، والرياح الغليظة ، ومن السُّدد إذا شُرب ، أو طُلي به من خارج ، وإذا تُبُخِّر به ، نفع من الزُّكام ، والصُّداع ، والشَّقِيقة الباردة .
عُودٌ : العود الهندي نوعان ؛ أحدهما : يُستعمل في الأدوية وهو الكُسْت ، ويقال له : القُسْط ، وسيأتي في حرف القاف .
الثاني : يُستعمل في الطِّيب ، ويقال له : الأَلُوَّة . وقد روى مسلم في ( صحيحه ) عن ابن عمر - رضي الله عنهما - ( أنه كان يَسْتَجْمِرُ بالأَلُوَّة غير مُطرَّاة ، وبكافُور يُطْرَحُ معها ) ، ويقول : هكذا كان يستجمرُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وثبت عنه في صفة نعيم أهل الجَنَّة : ( مجامِرُهُمُ الألُوَّةُ ) . والمجامر : جمع مِجْمَرٍ ؛ وهو ما يُتجمَّر به مِن عود وغيره ، وهو أنواع : أجودُها : الهندي ، ثم الصِّيني ، ثم القماري ، ثم المنْدَلي . وأجوده : الأسود والأزرق الصُّلب الرزينُ الدسم ، وأقلَّه جودة : ما خفَّ وطفا على الماء . ويقال : إنه شجر يُقطع ويُدفن في الأرض سنة ، فتأكل الأرض منه ما لا ينفع ، ويبقى عودُ الطِّيب ، لا تعمل فيه الأرض شيئا ، ويتعفَّن منه قِشرُه وما لا طِيبَ فيه .
[1/248] وهو حارٌ يابس في الثالثة ، يفتح السُّدد ، ويكسر الرياح ، ويُذهب بفضل الرُّطوبة ، ويُقوّي الأحشاء والقلب ويُفرحه ، وينفع الدماغ ، ويُقوّي الحواس ، ويحبِسُ البطن ، وينفع مِن سَلَس البَوْل الحادث عن برد المثانة .
قال ابن سمجون : العود ضروب كثيرة يجمعها اسم الأَلُوَّة ، ويُستعمل من داخل وخارج ، ويُتجمَّرُ به مفردا ومع غيره ، وفي الخلط للكافور به عند التجمير معنى طبي ، وهو إصلاحُ كل منهما بالآخر ، وفي التجمُّر مراعاةُ جوهر الهواء وإصلاحُه ، فإنه أحدُ الأشياء الستة الضرورية التي في صلاحها صلاحُ الأبدان .