[1/442] وَمِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ
بَابُ الْأَمْرِ بِالْقِيَامِ لِلْجِنَازَةِ
((ح 159))
أَنَا طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ ، أَنَا مَكِّيُّ بْنُ مَنْصُورٍ ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، أَنَا الرَّبِيعُ ، أَنَا الشَّافِعِيُّ ، أَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ ، [1/443] عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( إِذَا رَأَيْتُمُ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ أَوْ تُوضَعَ ) .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ ، أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وهَذَا لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا ، وَأَن يكون النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ لَهَا لِعِلَّةٍ ، قَدْ رَوَاهَا بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ ؛ أَنَّهَا كَانَتْ جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ ، فَقَامَ لَهَا كَرَاهِيَةَ أَنْ يَطُولَهُ .
((ح 160))
أَخْبَرَنِي أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْقَاضِي ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِهِ ، أَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ ، [1/444] أَنَا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ، أنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، أنا إِسْمَاعِيلُ ، أنا هِشَامٌ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ عبيدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : مَرَّتْ بِنَا جِنَازَةٌ ، فَقَامَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُمْنَا مَعَهُ ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ . فَقَالَ : ( إِنَّ الْمَوْتَ فَزَعٌ ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا لها ) .
((ح 161))
أَخْبَرَنِي أَبُو الْفَضْلِ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، أَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، أنا عَبَّاسُ بْنُ مُجَاشِعٍ ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ ، [1/445] أنا حَسَّانٌ ، أنا لَيْثٌ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : إِذَا مَرَّتْ جِنَازَةٌ فَقُومُوا لَهَا ؛ فَإِنَّمَا تَقُومُونَ لِمَنْ مَعَهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ .
وَفِي الْبَابِ عَنْ نَفَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ .
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ :
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : عَلَى الْجَالِسِ أَنْ يَقُومَ إِذَا رَأَى الْجِنَازَةَ حَتَّى تُخَلِّفَهُ ، وَمِمَّنْ رَأَى ذَلِكَ : أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ ، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ ، وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : إِنْ قَامَ لَمْ أَعِبْهُ ، وَإِنْ قَعَدَ فَلَا بَأْسَ بِهِ ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيُّ .
[1/446] وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ : لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ الْقِيَامُ لِلْجِنَازَةِ ، وَرَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ : عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، وَعَلْقَمَةَ ، وَالْأَسْوَدَ ، وَالنَّخَعِيِّ ، وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَفَعَلَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ ، وَبِهِ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، وَمَالِكٌ ، وَأَهْلُ الْحِجَازِ ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ .
وَذَهَبُوا إِلَى : أَنَّ الْأَمْرَ بِالْقِيَامِ مَنْسُوخٌ ، وَتَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ :
((ح 162))
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي طَاهِرٍ رَوْحِ بْنِ بَدْرِ بْنِ ثَابِتٍ ، أَخْبَرَكَ أَبُو الْفَتْحِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ التَّاجِرُ فِي كِتَابِهِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الصَّيْرَفِيِّ ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ، أَنَا الرَّبِيعُ ، أَنَا الشَّافِعِيُّ ، [1/447] أَنَا مَالِكٌ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ مَسْعُودِ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ عَلِيٍّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُومُ لِلْجِنَازَةِ ثُمَّ يجلس بَعْدُ .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ .
((ح 163))
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْقَاضِي ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ ، أَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ ، أَنَا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ، أنا سَعِيدٌ ، أن إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، [1/448] أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ ، حَدَّثَنِي [وَاقِدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعْدٍ] قَالَ : شَهِدْتُ جِنَازَةً فِي بَنِي سَلَمَةَ ، فَقُمْتُ ، فَقَالَ لِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ : اجْلِسْ ؛ فَإِنِّي سَأُخْبِرُكَ فِي هَذَا بِثَبَتٍ ، حَدَّثَنِي مَسْعُودُ بْنُ الْحَكَمِ الزُّرَقِيُّ ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي رَحْبَةِ الْكُوفَةِ وَهُوَ يَقُولُ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنَا بِالْقِيَامِ فِي الْجِنَازَةِ ، ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَأَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ .
((ح 164))
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ : [1/449] أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الطَّبَرِيُّ ، أنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ ، أنا أَبُو حُذَيْفَةَ - عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ : مَرَّتْ بِنَا جِنَازَةٌ ، فَقُمْنَا ، وَقَالَ عَلِيٌّ : مَنْ أَفْتَاكُمْ هَذَا ؟ قُلْنَا : أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ . فَقَالَ : مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا مَرَّةً ، كَانَ يَتَشَبَّهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ ، فَلَمَّا نُسِخَ ذَلِكَ وَنُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى .
وَرَوَاهُ أبو عَاصِمٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِالْإِسْنَادِ ، وَقَالَ فِيهِ : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً ، ثُمَّ نَهَى عَنْهُ . فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُعُودَ أَوْلَى مِنَ الْقِيَامِ .
[1/450] ( ح 165 ) قَرَأْتُ عَلَى أَبِي مَنْصُورٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْفَرَجِ ، أَخْبَرَكَ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، أنا أَبُو عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ : حَدَّثَنِي أَبِي : حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ ، أنا أَبُو مُعَاوِيَةَ - يَعْنِي شَيْبَانَ - عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : إِذَا مَرَّتْ بِكُمْ جِنَازَةٌ ؛ فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَقُومُوا لَهَا ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ يَقُومُ لَهَا ، وَلَكِنْ يَقُومُ لِمَنْ مَعَهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ .
[1/451] ( ح 166 ) قَالَ لَيْثٌ : ذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِمُجَاهِدٍ ، فَقَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ الْأَزْدِيُّ ، فَقَالَ : إِنَّا لَجُلُوسٌ مَعَ عَلِيٍّ نَنْتَظِرُ جِنَازَةً إِذْ مَرَّتْ بِنَا أُخْرَى ، فَقُمْنَا ، فَقَالَ عَلِيٌّ : مَا يُقِيمُكُمْ ؟ فَقُلْنَا : هَذَا مَا يَأْتِينَا بِهِ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ! قَالَ : وَمَا ذَلِكَ ؟ قُلْتُ : زَعَمَ أَبُو مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : إِذَا مَرَّتْ بِكُمْ جِنَازَةٌ ؛ إِنْ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَقُومُوا لَهَا ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ يَقُومُ لَهَا ، وَلَكِنْ تَقُومُ لِمَنْ مَعَهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ . فَقَالَ عَلِيٌّ : مَا فَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ غَيْرَ مَرَّةٍ بِرَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ ، وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ ، وَكَانَ يَتَشَبَّهُ بِهِمْ . فَإِذَا نُهِيَ انْتَهَى ، فَمَا عَادَ لَهَا بَعْدُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَقَدْ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرْكُهُ بَعْدَ فِعْلِهِ ، وَالْحُجَّةُ فِي الْآخَرِ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؛ إِنْ كَانَ الْأَوَّلُ وَاجِبًا فَالْآخَرُ مِنْ أَمْرِهِ نَاسِخٌ ، وَإِنْ كَانَ اسْتِحْبَابًا فَالْآخَرُ هُوَ الِاسْتِحْبَابُ ، وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لَا بَأْسَ بِالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ ؛ فَالْقُعُودُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ الْآخَرُ مِنْ فِعْلِهِ .