ماء البحر : ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في البحر : " هو الطَّهورُ ماؤُهُ الحِلُّ مَيْـتَتُه " . وقد جعله الله سبحانه مِلْحا أُجَاجا مُرّا زُعَاقا لتمام مصالح مَنْ هو على وجه الأرض مِن الآدميين والبهائم ، فإنه دائمٌ راكدٌ كثيرُ الحيوان ، وهو يموتُ فيه كثيرا ولا يُقبر ، فلو كان حلوا لأنتَنَ من إقامته وموت حيواناته فيه وأجافَ ، وكان الهواءُ المحيطُ بالعالَم يكتسِبُ منه ذلك ، وينتُن ويجيف ، فيفسُد العالَمِ ، فاقتضت حكمةُ الرَّب سبحانه وتعالى أن جعله كالملاحة التي لو أُلقي فيه جِيَفَ العالَم كلُّها وأنتانُه وأمواتُه لم تُغيره شيئا ، ولا يتغير على مُكثهِ مِن حين خُلق ، وإلى أن يَطْوي اللهُ العالَم ، فهذا هو السبب الغائي الموجب لملوحته . وأمَّا الفاعليّ ، فكونُ أرضِه سَبِخَةً مالحةً .
وبعد ، فالاغتسالُ به نافع من آفات عديدة في ظاهر الجلد ، وشربُه مُضِرٌ بداخله وخارجه ، فإنه يُطلق البطن ، ويُهزل ، ويُحدث حِكَّة وجربا ، ونفخا وعطشا ، ومَن اضطر إلى شربه فله طرق من العلاج يدفعُ به مضرتَه .
منها : أن يُجعل في قدر ، ويُجعل فوق القِدر قصباتٌ وعليها صوفٌ جديد منفوش ، ويُوقد تحت القِدر حتى يرتفع بخارُها إلى الصُّوف ، فإذا كثُر عَصَره ، ولا يزال يفعل ذلك حتى يجتمع له ما يريد ، فيحصل في الصُّوف من البُخار ما عَذُبَ ، ويبقى في القِدْرِ الزُّعاق .
ومنها : أن يُحفر على شاطئه حُفرة واسعة يرشُح ماؤه إليها ، ثم إلى جانبها قريبا منها أُخرى ترشَح هي إليها ، ثم ثالثةٌ إلى أن يعذُبَ الماءُ . وإذا ألجأتْه الضرورةُ إلى شُرب الماء الكَدِرِ ، فعِلاجُه أن يُلقَى فيه نَوى المِشمش ، أو قطعة من خشب الساج ، أو جمرا ملتهبا يُطفأُ فيه ، أو طينا أرْمَنِيّا ، أو سَويقَ حِنطة ، فإنَّ كُدرته ترسبُ إلى أسفل .