[1/345] 28 - قَالُوا : حَدِيثٌ يُكَذِّبُهُ النَّظَرُ
الْحَيَاءُ شُعْبَةُ مِنَ الْإِيمَانِ
قَالُوا : رُوِّيتُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ قَالُوا : وَالْإِيمَانُ اكْتِسَابٌ ، وَالْحَيَاءُ غَرِيزَةٌ مُرَكَّبَةٌ فِي الْمَرْءِ ، فَكَيْفَ تَكُونُ الْغَرِيزَةُ اكْتِسَابًا ؟
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَنَحْنُ نَقُولُ : إِنَّ الْمُسْتَحْيِيَ يَنْقَطِعُ بِالْحَيَاءِ عَنِ الْمَعَاصِي ، كَمَا يَنْقَطِعُ بِالْإِيمَانِ عَنْهَا ، فَكَأَنَّهُ شُعْبَةٌ مِنْهُ ، وَالْعَرَبُ تُقِيمُ الشَّيْءَ مَقَامَ الشَّيْءِ إِذَا كَانَ مِثْلَهُ أَوْ شَبِيهًا بِهِ ، أَوْ كَانَ سَبَبًا لَهُ ، أَلَّا تَرَاهُمْ سَمَّوُا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ صَلَاةً ، وَأَصْلُ الصَّلَاةِ الدُّعَاءُ ؟ وَسَمَّوُا الدُّعَاءَ صَلَاةً كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَصَلِّ عَلَيْهِمْ أَيِ : ادْعُ لَهُمْ . وَقَالَ تَعَالَى : لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ أَيْ : لَوْلَا صَلَاتُكُمْ .
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : إِنَّهُ كَانَ إِذَا دُعِيَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِلَى وَلِيمَةٍ ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا أَكَلَ ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا صَلَّى أَيْ : دَعَا .
وَأَصْلُ الصَّلَاةِ الدُّعَاءُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ، أَيِ : ادْعُ لَهُمْ .
[1/346] وَقَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ، أَيِ : ادْعُوا لَهُ . وَمَا جَاءَ فِي هَذَا كَثِيرٌ .
فَلَمَّا كَانَ الدُّعَاءُ يَكُونُ فِي الصَّلَاةِ سُمِّيَتِ الصَّلَاةُ بِهِ ، وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ وَهِيَ تَطْهِيرُ الْمَالِ وَنَمَاؤُهُ ، فَلَمَّا كَانَ النَّمَاءُ يَقَعُ بِإِخْرَاجِ الصَّدَقَةِ عَنِ الْمَالِ سُمِّيَ زَكَاةً وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ .
حَدَّثَنِي أَبُو الْخَطَّابِ قَالَ : نَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : سَمِعْتُ اللَّيْثَ بْنَ أَبِي سُلَيْمٍ يُحَدِّثُ عَنْ وَاصِلِ بْنِ حَيَّانَ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : كَانَ آخِرُ مَا حُفِظَ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ : إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ، يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَسْتَحِ وَكَانَ فَاسِقًا رَكِبَ كُلَّ فَاحِشَةٍ وَقَارَفَ كُلَّ قَبِيحٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْجِزُهُ عَنْ ذَلِكَ دِينٌ وَلَا حَيَاءٌ ، أَفَمَا تَرَى أَنَّ الْحَيَاءَ قَدْ صَارَ وَالْإِيمَانُ يَعْمَلَانِ عَمَلًا وَاحِدًا فَكَأَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ ؟