[1/204] قَالُوا: حَدِيثٌ يُفْسِدُ أَوَّلُهُ آخِرَهُ .
23 - الصَّلَاةُ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ .
قَالُوا : رُوِّيتُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنَ الشَّيَاطِينِ .
وَنَهْيُهُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ لَا يُنْكَرُ وَهُوَ جَائِزٌ فِي التَّعَبُّدِ ، فَلَمَّا وَصَفْتُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنَ الشَّيَاطِينِ عِلِمْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْلَمُ أَنَّ الْإِبِلَ خُلِقَتْ مِنَ الْإِبِلِ ، كَمَا أَنَّ الْبَقَرَ خُلِقَتْ مِنَ الْبَقَرِ وَالْخَيْلَ مِنَ الْخَيْلِ وَالْأُسْدَ مِنَ الْأُسْدِ ، وَالذُّبَابَ مِنَ الذُّبَابِ .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرَ النَّبِيِّ يَعْلَمُ أَنَّ الْبَعِيرَ تَلِدُهُ النَّاقَةُ ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةٌ تَلِدُ جَمَلًا ، وَلَا أَنَّ نَاقَةً تَلِدُ شَيْطَانًا ، وَإِنَّمَا أَعْلَمَنَا أَنَّهَا فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ خُلِقَتْ مِنْ جِنْسٍ خُلِقَتْ مِنْهُ الشَّيَاطِينُ . [1/205] وَيَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: إِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ أَعَنَانِ الشَّيَاطِينِ يُرِيدُ: مِنْ جَوَانِبِهَا وَنَوَاحِيهَا ، كَمَا يُقَالُ : بَلَغَ فَلَانٌ أَعَنَانَ السَّمَاءِ أَيْ نَوَاحِيَهَا وَجَوَانِبَهَا.
وَلَوْ كَانَتْ مِنْ نَسْلِهَا لَقَالَ : فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ نَسْلِهَا أَوْ بُطُونِهَا أَوْ أَصْلَابِهَا أَوْ مَا يُشْبِهُ هَذَا .
وَلَمْ تَزَلِ الْعَرَبُ تَنْسُبُ جِنْسًا مِنَ الْإِبِلِ إِلَى الْحُوشِ ، فَتَقُولُ: نَاقَةٌ حُوشِيَّةٌ وَإِبِلٌ حُوشِيَّةٌ ، وَهِيَ أَنْفَرُ الْإِبِلِ وَأَصْعَبُهَا. وَيَزْعُمُونَ أَنَّ لِلْجِنِّ نَعَمًا بِبِلَادِ الْحُوشِ ، وَأَنَّهَا ضَرَبَتْ فِي نَعَمِ النَّاسِ فَنَتَجَتْ هَذِهِ الْحُوشِيَّةَ ، قَالَ رُؤْبَةُ :
جَرَتْ رَحَانَا مِنْ بِلَادِ الْحُوشِ
وَقَدْ يَجُوزُ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ أَنْ تَكُونَ فِي الْأَصْلِ مِنْ نِتَاجِ نَعَمِ الْجِنِّ ، لَا مِنَ الْجِنِّ أَنْفُسِهَا وَلِذَلِكَ قَالَ : " مِنْ أَعْنَانِ الشَّيَاطِينِ " أَيْ : مِنْ نَوَاحِيهَا .
وَهَذَا شَيْءٌ لَا يُنْكِرُهُ إِلَّا مَنْ أَنْكَرَ الْجِنَّ أَنْفُسَهَا وَالشَّيَاطِينَ ، وَلَمْ يُؤْمِنْ إِلَّا بِمَا رَأَتْهُ عَيْنُهُ ، وَأَدْرَكَتْهُ حَوَاسُّهُ وَهُوَ مَنْ عَقْدِ قَوْمٍ مِنَ الزَّنَادِقَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ يُقَالُ لَهُمُ: الدَّهْرِيَّةُ وَلَيْسَ مِنْ عَقْدِ الْمُسْلِمِينَ .