ذَهَبٌ : روى أبو داود ، والترمذي : أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - رَخَّص لعَرْفَجَةَ بن أسعدَ لَمَّا قُطع أنفُهُ يومَ الكُلاب ، واتَّخَذَ أنفا من وَرِقٍ ، فأَنْتَن عليه ، فأمَرَه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يَتَّخِذَ أنفا من ذَهبٍ " . وليس لعَرْفَجَةَ عندهم غيرُ هذا الحديث الواحد .
الذهبُ : زينةُ الدنيا ، وطلسْمُ الوجود ، ومفرِّح النفوس ، ومقوّي الظُّهور ، وسِرُّ اللهِ في أرضه ، ومزاجُه في سائر الكيفيات ، وفيه حرارةٌ لطيفة تدخل في سائر المعجونات اللطيفة والمفرحات ، وهو أعدل المعادن على الإطلاق وأشرفُها .
ومن خواصه أنه إذا دُفِنَ في الأرض ، لم يضره الترابُ ، ولم يَنقُصه شيئا ، وبُرَادتُهُ إذا خُلِطت بالأدوية ، نفعتْ من ضعف القلب ، والرَّجَفَان العارض من السوداء ، وينفع من حديث النَفْس ، والحزن ، والغم ، والفزع ، والعشق ، ويُسمِّن البدن ، ويُقوِّيه ، ويُذهب الصفار ، ويُحسِّنِ اللَّون ، وينفع من الجُذَام ، وجميعِ الأوجاعِ والأمراض السَّوْدَاوِيَّةِ ، ويَدخل بخاصيَّة في أدوية داء الثعلب ، وداء الحية شُربا وطِلاءً ، ويجلو العَيْن ويُقوِّيها ، وينفع من كثير من أمراضها ، ويُقوّي جميع الأعضاء .
وإمساكُهُ في الفم يُزيل البَخر ، وَمَن كان به مرض يَحتاج إلى الكي ، وكُوي به ، لم يتنفطْ موضِعُهُ ، وَيَبرأْ سريعا ، وإن اتَّخذ منه ميلا واكتَحَلَ به ، قَوَّى العَيْن وجَلاها ، وإن اتَّخذ منه خاتمٌ فَصُّه منه وأُحمي ، وكُوي به قَوَادِمُ أجنحةِ الحمَام ، ألِفَتْ أبراجَها ، ولم تنتقِلْ عنها .
[1/225] وله خاصيَّة عجيبة في تقوية النفوس ، لأجلِها أُبِيحَ في الحرب والسِّلاحِ منه ما أُبيح ، وقد روى الترمذي من حديث مَزِيدَة العَصَري - رضي الله عنه - قال : دخل رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يومَ الفَتْح ، وعلى سيفِهِ ذَهَبٌ وفِضةٌ .

وهو معشوقُ النفوس التي متى ظَفِرَتْ به ، سلاها عن غيره من محبوباتِ الدنيا ، قال تعالى : زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ
وفي ( الصحيحين ) : عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لو كان لابنِ آدَمَ وادٍ من ذَهبٍ لابْتَغَى إليه ثانيا ، ولو كان له ثانٍ ، لابتَغَى إليه ثالثا ، ولا يَملأُ جَوفَ ابنِ آدَمَ إلا التُّرَابُ ، وَيتوبُ اللهُ عَلى مَن تابَ " .
هذا وإنه أعظم حائلٍ بيْنَ الخلِيقةِ وبيْنَ فوزِهَا الأكبر يومَ مَعَادها ، وأعظمُ شيء عُصي اللهُ به ، وبه قُطِعَتِ الأرحامُ ، وأُرِيقتِ الدِّماءُ ، واستُحِلَّتِ المحارمُ ، ومُنِعَتِ الحقوق ، وتَظَالَمَ العباد ، وهو المُرَغِّب في الدنيا وعاجِلِها ، والْمزَهِّد في الآخرة وما أعدَّه اللهُ لأوليائه فيها ، فكم أُمِيتَ به من حقٍّ ، وأُحيي به من باطلٍ ، ونُصِرَ به ظالمٌ ، وقُهِرَ به مظلومٌ . وما أحسن ما قال فيه الحَرِيري :
تَبَّا لَهُ مِنْ خَـادِعٍ مُمَـــاذِقِ
أصْفَرَ ذي وَجْهَيْـنِ كالْمُنَافِـقِ
يَبْـدُو بوَصْفَيْنِ لِعَينِ الرَّامِـقِ
زِينَة مَعشُوقٍ وَلَوْنِ عاشِــــقِ
وَحُبُّهُ عِنْدَ ذَوي الْحَقَائِـــقِ
يَدْعُو إلى ارْتِكَابِ سُخْـطِ الْخالِقِ
لَوْلاهُ لَمْ تُقْطَعْ يَمينُ السَّـارِقِ
وَلا بَدَتْ مَظْلِمَةٌ مـن فاسِــقِ
وَلا اشْمأَزَّ باخِلٌ مِنْ طَــارِقِ
وَلا اشتكى الْمَمْطُولُ مَطْلَ الْعَائِقِ
وَلا اسْتُعِيذَ من حَسُودٍ رَاشِـقِ
وَشَرُّ ما فِيهِ مِنَ الْخَـــــلائِقِ
أنْ ليْسَ يُغْني عَنْكَ في الْمَضَـايِقِ
إلا إذَا فَرَّ فِــــرَارَ الآبــِقِ