[ كِتَابُ حَاطِبٍ إلَى قُرَيْشٍ وَعِلْمُ الرَّسُولِ بِأَمْرِهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ عُلَمَائِنَا ، قَالُوا : لَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسِيرَ إلَى مَكَّةَ ، كَتَبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ كِتَابًا إلَى قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ بِاَلَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَمْرِ فِي السَّيْرِ إلَيْهِمْ ، ثُمَّ أَعْطَاهُ امْرَأَةً ، زَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَّهَا مِنْ مُزَيْنَةَ وَزَعَمَ لِي غَيْرُهُ أَنَّهَا سَارَةُ ، مَوْلَاةٌ . لِبَعْضِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَجَعَلَ لَهَا جُعْلًا عَلَى أَنْ تُبَلِّغَهُ قُرَيْشًا ، فَجَعَلَتْهُ فِي رَأْسِهَا ، ثُمَّ فَتَلَتْ عَلَيْهِ قُرُونَهَا ، ثُمَّ خَرَجَتْ بِهِ ؛ وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ مِنْ السَّمَاءِ بِمَا صَنَعَ حَاطِبٌ ، فَبَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا . فَقَالَ : أَدْرِكَا امْرَأَةً قَدْ كَتَبَ مَعَهَا حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ بِكِتَابِ إلَى قُرَيْشٍ ، يُحَذِّرُهُمْ مَا قَدْ أَجْمَعْنَا لَهُ فِي أَمْرِهِمْ [2/399] فَخَرَجَا حَتَّى أَدْرَكَاهَا بِالْخَلِيقَةِ . خَلِيقَةِ بَنِي أَبِي أَحْمَدَ . فَاسْتَنْزَلَاهَا . فَالْتَمَسَا فِي رَحْلِهَا فَلَمْ يَجِدَا شَيْئًا ، فَقَالَ لَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : إنِّي أَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا كَذَبْنَا ، وَلَتُخْرِجِنَّ لَنَا هَذَا الْكِتَابَ أَوْ لَنَكْشِفَنَّكَ ، فَلَمَّا رَأَتْ الْجِدَّ مِنْهُ ، قَالَتْ : أَعْرِضْ فَأَعْرَضَ ، فَحَلَّتْ قُرُونَ رَأْسِهَا ، فَاسْتَخْرَجَتْ الْكِتَابَ مِنْهَا ، فَدَفَعَتْهُ إلَيْهِ فَأَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاطِبًا فَقَالَ : يَا حَاطِبُ ، مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَمَا وَاَللَّهِ إنِّي لَمُؤْمِنٌ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ ، مَا غَيَّرْتُ وَلَا بَدَّلْتُ ، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَمْرَأً لَيْسَ لِي فِي الْقَوْمِ مِنْ أَصْلٍ وَلَا عَشِيرَةٍ ، وَكَانَ لِي بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَلَدٌ وَأَهْلٌ ، فَصَانَعْتهمْ عَلَيْهِمْ . فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدْ نَافَقَ ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَا يُدْرِيكَ يَا عُمَرُ ، لَعَلَّ اللَّهَ قَدْ اطَّلَعَ إلَى أَصْحَابِ بَدْرٍ يَوْمَ بَدْرٍ ؛ فَقَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَاطِبٍ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ إلَى قَوْلِهِ : قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ . . . إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ .