[1/332] باب الجهر وتركه
( ح 090 )
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ ، أَخْبَرَكَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ ، أنا أَبُو الْغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، أنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْعَبْدِ ، أنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ ، حدثنا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ شَرِيكٍ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالَ :
[1/333] كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِمَكَّةَ ، قَالَ : وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَدْعُونَ مُسَيْلِمَةَ : الرَّحْمَنَ ، قَالُوا : إِنَّ مُحَمَّدًا يَدْعُو إِلَى إِلَهِ الْيَمَامَةِ ، فَأُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْفَاهَا ، فَمَا جَهَرَ بِهَا حَتَّى مَاتَ .
هَذَا مُرْسَلٌ ، وَهُوَ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ عَنْ سَالِمٍ .
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ :
فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى الْجَهْرِ بِهَا ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَعَنْ عَلِيٍّ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، وَعَطَاءٍ ، وَطَاوُسٍ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَجَمَاعَةٍ سِوَاهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ .
وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَقَالُوا : لَا يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، وَلَكِنْ يَقْرَؤُهَا الْإِمَامُ سِرًّا ، رُوِيَ نَحْوُ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، وَعُثْمَانَ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ ، وَالْحَكَمِ ، وَحَمَّادٍ ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَكْثَرُ أَهل الْحَدِيثِ .
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لَا يَقْرَأُ بِهَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيُّ ، إِلَّا أَنَّ مَالِكًا كَانَ يَقُولُ : إِذَا صَلَّى الرَّجُلُ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ اسْتَفْتَحَ السُّورَةَ بِـبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، وَلَا يَسْتَفْتِحُ بِهَا فِي أُمِّ الْقُرْآنِ .
ثُمَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى الْإِسْرَارِ اخْتَلَفُوا فِي جِهَةِ الدِّلَالَةِ :
[1/334] فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّمَا ذَهَبْنَا إِلَى الْإِخْفَاتِ لِلْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ الْوَارِدَةِ فِي الْبَابِ ؛ إِذْ أَكْثَرُهَا نُصُوصٌ لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ ، وَلَيْسَ لَهَا مُعَارِضٌ ، وَلَمْ يُقِرَّ هَؤُلَاءِ بِآخِرِ الْأَمْرَيْنِ ، بَلْ قَالُوا : لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخْفِتُ مُنذْ أُمِرَ بِالصَّلَاةِ إِلَى أَنْ قُبِضَ .
وَمِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّ : بِأَنَّ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ مُعَارِضًا غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ : أَحَادِيثُ الْإِسْرَارِ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ ؛ لِأَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : ثُبُوتُهَا وَصِحَّةُ سَنَدِهَا ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ أَحَادِيثَ الْجَهْرِ لَا تُوَازِيهَا فِي الصِّحَّةِ وَالثُّبُوتِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهَا وَإِنْ صَحَّتْ فَهِيَ مَنْسُوخَةٌ ؛ لِلْمُرْسَلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ، وَقَالُوا : يُشِيدُ هَذَا الْمُرْسَلَ فِعْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَعْرَفَ بِأَوَاخِرِ الْأُمُورِ .
وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إِلَى الْجَهْرِ فَقَالَ :
لَا سَبِيلَ إِلَى إِنْكَارِ وُرُودِ الأَحَادِيثِ فِي الْجَانِبَيْنِ ، وَكُتُبُ السُّنَنِ وَالْمسَانِيدِ نَاطِقَةٌ بِذَلِكَ ، ثُمَّ يَشْهَدُ لِصِحَّةِ أحاديث الْجَهْرِ آثَارُ الصَّحَابَةِ ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ ، وَقَدْ كَانَ يَرَى الْجَهْرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مِنْ أَحْدَاثِهِمْ وَذَوِي أَسْنَانِهِمْ ، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ ، وَهَلُمَّ جَرًّا إِلَى عَصْرِ الْأَئِمَّةِ ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ وَأَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَرَيَانِ الْجَهْرَ .
وَأَمَّا حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ لَا نَقُولُ بِهِ ، ثُمَّ هُوَ يُعَارِضُهُ :
( ح 091 )
مَا أَخبرنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ بَنِيمَانَ بْنِ يُوسُفَ الْأَدِيبُ ، [1/335] أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ سَعْدُ بْنُ عَلِيٍّ الْعِجْلِيُّ ، أَنَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ ، حدثنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْبَزَّازُ ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عَنْبَسَةَ بْنِ عَمْرٍو الْكُوفِيُّ ، حدثنَا عُمَرُ بْنُ حفص الْمَكِّيُّ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزَلْ يَجْهَرُ فِي السُّورَتَيْنِ بِـبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حَتَّى قُبِضَ .
وَطَرِيقُ الْإِنْصَافِ أَنْ يُقَالَ :
أَمَّا ادِّعَاءُ النَّسْخِ فِي كِلَا الْمَذْهَبَيْنِ مُتَعَذَّرٌ ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ النَّاسِخِ [1/336] أَنْ يَكُونَ لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى الْمَنْسُوخِ ؛ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتِ وَالصِّحَّةِ ، فقَدْ فُقِدَ هَاهُنَا ، فَلَا سَبِيلَ إِلَى الْقَوْلِ بِهِ .
وَأَمَّا أَحَادِيثُ الْإِخْفَاتِ فَهِيَ أَمْتَنُ ، غَيْرَ أَنَّ هُنَاكَ دَقِيقَةً ، وَذَلِكَ : أَنَّ أَحَادِيثَ الْجَهْرِ ، وَإِنْ كَانَتْ مَأْثُورَةً عَنْ نَفَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ، غَيْرَ أَنَّ أَكْثَرَهَا لَمْ تَسْلَمْ مِنْ شَوَائِبِ الْجَرْحِ ، كَمَا فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ .
وَالِاعْتِمَادُ فِي الْبَابِ عَلَى رِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ؛ لِأَنَّهَا أَصَحُّ وَأَشْهَرُ . ثُمَّ الرِّوَايَةُ قَدِ اخْتَلَفَتْ عَنْ أَنَسٍ مِنْ وُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ ، وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ :
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ :
( ح 092 ) رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ ، وَعُثْمَانُ ، يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِـالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
وَهَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَنَسٍ .
( ح 092 )
رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، وَالْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الْأَشْيَبُ ، وَيَحْيَى بْنُ السَّكَنِ ، وَأَبُو عَمْرٍ الْحَوْضِيُّ ، [1/337] وَعُمَرو بْنُ مَرْزُوقٍ ، وَغَيْرُهُمْ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، وَثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ .
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَامَّةُ أَصْحَابِ قَتَادَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، ومِنْهُمْ : هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ، وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، وَحُمَيْدٌ ، وَأَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَسَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ ، وَغَيْرُهُمْ .
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَعْمَرٌ وَهَمَّامٌ ، وَاخْتَلَفَ عَنْهُمَا فِي لَفْظِهِ ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ : وَهُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ أَنَسٍ . وَقَدِ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى إِخْرَاجِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ؛ لِسَلَامَتِهَا عَنْ الِاضْطِرَابِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَبْدَأونَ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ قَبْلَ السُّورَةِ ، لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْرَأونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
[1/338] الْوَجْهُ الثَّانِي :
( ح 093 )
رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِـبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
كَذَلِكَ رَوَاهُ : مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَمُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ ، وَحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ ، وَبِشْرُ بْنُ عُمَرَ ، وَقُرَادٌ أَبُو نُوحٍ ، وَآدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ، وَأَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ ، وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ ، وَخَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُزْرِفِيُّ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، وَأَكْثَرُهُمُ اضْطَرَبُوا فِيهِ ، وَكَذَلِكَ امْتَنَعَ الْبُخَارِيُّ مِنْ إِخْرَاجِهِ ، وَهُوَ مِنْ مَفَارِيدِ مُسْلِمٍ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ :
( ح 094 )
مَا رَوَاهُ هَمَّامٌ ، وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، قَالَ :
[1/339] سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ قَالَ : كَانَتْ مَدًّا ، ثُمَّ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، يَمُدُّ بِسْمِ اللَّهِ ، وَيَمُدُّ بِـالرَّحْمَنِ ، وَيَمُدُّ بِـالرَّحِيمِ .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ عِلَّةٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْجَهْرِ مُطْلَقًا ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِحَالَةِ الصَّلَاةِ ، فَيَتَنَاوَلُ الصَّلَاةَ وَغَيْرَ الصَّلَاةِ .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ :
( ح 095 )
رُوِيَ عَنْهُ : مَا قَرَأْتُهُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ ذَاكِرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخِرَقِيِّ ، وَقُلْتُ لَهُ : أَخْبَرَكَ بِهِ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَارِئُ ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاتِبُ ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَزَّازُ ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ يَزِيدَ ، حَدَّثَنَا غَسَّانُ بْنُ مُضَرَ ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ قَالَ :
[1/340] سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ : أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَفْتِحُ بِـالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، أَوْ بِـبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ؟ فَقَالَ : إِنَّكَ لَتَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ مَا أَحْفَظُهُ ، وَمَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ ، قُلْتُ : أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي النَّعْلَيْنِ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ : هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ .
فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ مُخَرَّجَةٌ فِي كُتُبِ الْأَئِمَّةِ ، وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ كَمَا تَرَى ، وَغَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ وُقُوعَ الِاخْتِلَافِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ قَبِيلِ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى ؛ لِأَنَّ أَحْوَالَ الضَّبْطِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْجِهَاتِ وَالْأَوْقَاتِ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَغْرَاضِ وَالْمَقَاصِدِ .
وَدَلِيلُهُ الشَّاهِدُ : إِذْ رُبَّ شَخْصٍ يَتَغَافَلُ عَنْ أَمْرٍ هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ حَتَّى لَا يُبَالِيَ بِهِ بَالًا ، لِعَدَمِ مَا يُعَارِضُهُ ، وَيَتَنَبَّهُ لِأَمْرٍ هُوَ مِنْ تَوَابِعِهِ ، بَلْ هو دُونَ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَفْتُرُ عَنْ ذِكْرِهِ لِوُجُودِ مَا يُنَاقِضُهُ ، وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ .
وَمِنْ أَظْرَفِ مَا شَهدْتُ مِنْ الِاخْتِلَافِ أَنِّي حَضَرْتُ جَامِعًا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ لِقِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ بَعْضِ الْحَدِيثِ ، وَقَدْ حَضَرَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّمْيِيزِ وَالْعِلْمِ ، وَهُمْ مِنَ الْمُوَاظِبِينَ عَلَى الْجَمَاعَةِ فِي الْجَامِعِ ، وَالْمُنْصِتِينَ لِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ ، فَسَأَلْتُهُمْ عَنْ حَالِ إِمَامِهِمْ فِي الْجَهْرِ والْإِخْفَاتِ ، وَكَانَ صَيِّتًا يَمْلَأُ الْجَامِعَ صَوْتُهُ ، فَاخْتَلَفُوا عَلَيَّ فِي ذَلِكَ ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَجْهَرُ . وَقَالَ آخَرُونَ : يُخْفِتُ ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْبَاقُونَ .
وَالصَّوَابُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ هَذَا أَمْرٌ مُتَّسِعٌ ، وَالْقَوْلُ بِالْحَصْرِ فِيهِ مُمْتَنِعٌ ، وَكُلُّ مَنْ ذَهَبَ فِيهِ إِلَى رِوَايَةٍ فَهُوَ مُصِيبٌ مُتَمَسِّكٌ بِالسُّنَّةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .